الصحف الورقية لا تزال فاعلا رئيسيا في الحقل الإعلامي المغربي

كشفت الدراسة التي أنجزتها مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية حول “الإعلام المغربي وأزمة كوفيد”، أن الصحف الورقية، وبالرغم من كل الصعوبات التي تواجهها على مستوى المقروئية، والمنافسة من طرف وسائل إعلام بديلة، لا تزال فاعلا رئيسيا في الحقل الإعلامي المغربي.
وخلصت هذه الدراسة، إلى أن الصحف الورقية بشقيها الحزبي وغير الحزبي مثلت حائط صد أساسي أمام الشائعات. ولعبت دورا تحسيسيا وتوعويا. ساعدها على ذلك اعتمادها على مخزونها المهني والتقاليد الإعلامية المهنية في التعاطي مع الخبر واستقاء المعلومة.
وفي الوقت ذاته، كشفت الدراسة الهشاشة التي يعاني منها الجسم الصحفي سواء على مستوى هشاشة الوضع السوسيو- مهني للصحفيين، أو على مستوى ضعف أدوات العمل ونقص الاستعداد والتكوين وانعدام التحضير للأزمات، وغياب خطة تواصلية لمواجهتها لدى الصحف التي كانت موضوع هذه الدراسة.
كما رصدت الدراسة تعميق الأزمة لهشاشة وضعية الصحف الورقية حيث عاش الصحفيون تحت وقع تهديدات وخوف على وضعيتهم المهنية، مقابل وجود إكراهات وضغوطات النشر الإلكتروني من خلال إجراءات تقنية، وتعزيز الرقابة الذاتية، والإعلاء من المسؤولية الاجتماعية، والالتزام بأخلاقيات المهنة.
وأكدت نتائج هذه الدراسة التي همت ستة صحف ورقية، ثلاثة منها حزبية وهي بيان اليوم والعلم والاتحاد الاشتراكي، وأخرى غير حزبية وهي المساء والأحداث المغربية وأخبار اليوم، أن أكثر من 36 في المائة من هذه الصحف أحالت على الحقل السياسي أثناء تناولها للأزمة الوبائية، و32 في المائة منها أحالت على الحقل الاجتماعي، مقابل نسبة إحالة على الحقل الاقتصادي تصل إلى حوالي 12 في المائة، فيما كانت الإحالة على الحقل الديني لا تتجاوز 1 في المائة.
من جانب آخر، أوردت الدراسة أن أخبار كوفيد هيمنت على الصفحات الأولى للصحف المدروسة، واحتلت المساحة المخصصة له أكثر من80% من الصفحات الأولى لجرائد العينة. كما تم تسجيل تراجع المواد الإعلامية الهادفة إلى تحقيق المتعة،بالإضافة إلى تراجع المساحات المخصصة للإشهار، وأخبار النجوم، و”الفضائح”.
وبحسب هذه الدراسة، ومن خلال تحليل مضمون الصحف ومواقف الصحفيين، ظلت المؤسسة الأكثر تعرضا للاهتمام والنقد في نفس الآن هي المؤسسات الصحية، وتأتي في المرتبة الثانية الخدمات الاجتماعية فيما احتل التعليم والأمن ذيل قائمة المؤسسات المنتقدة، وغابت الإحالة خلال هذه المرحلة على المؤسسات الدينية.
وشكلت هذه الأزمة الصحية، تضيف الدراسة، فرصة لطرح عدد من الأسئلة على وظيفة الفعل الإعلامي بصفة عامة ووظيفة الصحفي وهويته ودوره الوظيفي في زمن الجائحة. وكشفت الدراسة، أيضا، بروز وعي لدى الصحفيين بأن الزمن الرقمي لا يمكن أن يقتل الورقي بل إن الصحف الورقية مهددة بالانقراض إن لم تستفد من الرقمي الذي يمكن أن يتحول إلى منقذ وهو ما جربه الصحفيون في لحظة هجينة بين نشر إلكتروني وشكل ورقي.
ومن بين النتائج التي وصفتها الدراسة، ب”الأكثر إثارة للاهتمام” هي أنه غاب بشكل شبه كلي أي استحضار لمقاربة النوع في مضامين الصحف وعنواينها. وفسر الصحفيون المستجوبون ذلك بطبيعة السياق الخاص للأزمة الوبائية حيث “يعلو واجب التضامن على واجب الاهتمام بما سماه البعض منهم قضايا فرعية غير ذات أهمية”. كما قدموا تفسيرا دالا هو بحثهم عن المعلومة في زمن كوفيد والمعلومة لا تتوفر لدى النساء وإنما خاضعة لهيمنة الرجال” كما ذكرت إحدى الصحفيات.
وفي سياق متصل، كشفت الدراسة عن ارتفاع مستوى تماثل الخطاب الإعلامي المنتج مع الإستراتيجية الرسمية حيث تراجع الخطاب النقدي مقابل إفساح المجال لخطاب المسؤولية والتحسيس والتوعية والتماهي مع الخطاب الرسمي لإستراتيجية الدولة المبني على بناء وعي جمعي لمواجهة الجائحة.وباستثناء جرعة النقد اتجاه المؤسسات الصحية والتي تفوقت فيها الصحف غير الحزبية على نظيرتها الحزبية لم تسجل الدراسة فروقا واضحة بين مضمون خطاب الصحف الحزبية ونظيرتها غير الحزبية.
يشار إلى أن السؤال المركزي الذي انطلقت منه هذه الدراسة، هو كيف تفاعلت الصحافة المغربية الورقية، حزبية وغير حزبية، مع هذه الأزمة الوبائية ؟ تفرعت عنه مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل: ما شكل، وما مضمون، وما اتجاه الخطاب الذي أنتجته؟ وكيف حضرت مختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية في خطاب هذه الصحف؟ وهل تفاوتت مضامين الخطابات المنتجة خلال هذه الأزمة تبعا لمتغيري الحزبية وغير الحزبية؟ وهل شعر الفاعل الإعلامي بثقل الأزمة من حيث تأثيرها على هامش حريته أم أن “حرية التعبير” بقيت خارج تأثير سياق الأزمة؟.
وقد همت هذه الدراسة 96 عددا نشرتها مؤسساتها الصحفية خلال مرحلة الحجر الصحي الشامل ما بين أبريل ويونيو2020. وقد تم اختيار الأعداد بطريقة عشوائية من خلال اختيار عددين من بداية الشهر وآخرين من منتصفه وعددين من الأسبوع الأخير.

Related posts

Top