الغلاء: التنبيه مرة أخرى…

تفاقم غلاء أسعار المواد الاستهلاكية لم يعد ينفيه أحد، ولم يعد مجرد خطاب تتبناه قوى المعارضة أو جمعيات حماية المستهلكين وحدها، ولكن حتى أحزاب الأغلبية الحكومية لم تعد تستطيع التغاضي عن ذلك أو إنكاره.
رئيس مجلس المستشارين، وهو زعيم مركزية نقابية وقيادي في حزب ينتمي للأغلبية الحالية لم يتردد في انتقاد الغلاء المتفشي في الأسواق وسلبية التدخل الحكومي تجاه ذلك.
وبالرغم من مسارعة قياديين في حزبه إلى التخفيف من حدة تصريحاته أو اعتبارها موقفا نقابيا لا علاقة له بالمواقف الرسمية للحزب أو التأكيد على انسجام الأغلبية والحكومة، فإن صحيفة الحزب نفسه عادت بعد ذلك لتكرر ذات الانتقادات، ولتنشر عنوانا يبرز أن: “أسعار مواد الخضر واللحوم عاودت الارتفاع المهول في الأسواق الداخلية”، وتضيف له عنوانا فرعيا يشير إلى أن: “تدابير الفرجة وإعلان النوايا لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لإشكالية ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية”، في انتقاد واضح للإجراءات الحكومية ذات الصلة، ولتكشف على أن كل التدابير الحكومية بقيت من دون أثر، ولم تستطع كبح جماح الغلاء وتفاقم ارتفاع الأسعار.
أما الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، والذي ينتمي لحزب رئيس الحكومة، فلم يجد من جواب سوى القول بأن… “مشكلة الأسعار مسألة أعقد بكثير مما نتصور”، ويؤكد 
بأن المجهودات التي قامت بها الحكومة من أجل الحد من ارتفاع الأسعار لم تحقق الأهداف المطلوبة، وذلك خلال ندوة صحافية أعقبت المجلس الحكومي ليوم الخميس الماضي.
هذه الخرجات والتصريحات من داخل محيط الحكومة تؤكد للجميع أن حكومتنا الموقرة استسلمت لموجة الغلاء، ولم تستطع التصدي للمضاربة والاحتكار والغلاء، وأدارت ظهرها للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، والتي تعاني اليوم من الارتفاع المهول لأسعار المنتجات والسلع الأساسية في الأسواق الداخلية.
لم تعد الأسر المــــــغربية المتضررة وحدها التي تعاني من الغلاء وترفع مطالبها وانتظاراتها إلى الحكومة، ولكن هذه الأخيرة، بدورها، لم تجد سوى التعبير عن استيائها من الغلاء كي ترد على المواطنات والمواطنين، بل إنها صرحت أنها لم تر مضاربين، ومن يعرفهم يخبرها لتتخذ الإجراءات في حقهم، وبذلك كشفت عن فهمها الخاص والغريب لدورها وللمسؤولية الحكومية.
إن ارتفاع الأسعار وتفاقم الغلاء، وإن كان نتيجة عوامل وسياقات دولية لا أحد ينكرها، فهو أيضا ليس قضاء وقدرا حتى تتعاطى معه حكومتنا باستسلام فاضح، وبالقول بأنها مستاءة من ذلك، وأنها اتخذت تدابير لكنها لم تحقق الأهداف المطلوبة، ومن ثم ليس بوسعها أن تفعل أكثر مما فعلت، وتطلب من الشعب أن يثق في حسن نيتها، وأننا (نديرو النية) معها.
الأمر يتعلق بمعاناة حقيقية لفئات واسعة من شعبنا، ويهم القدرة الشرائية والظروف المعيشية اليومية للأسر المــــــغربية، وبالتالي الأمر لا يخلو من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي العام.
الحكومة لديها إمكانيات التدخل وهوامش تستطيع عبرها التخفيف من حدة تدهور الأوضاع الاجتماعية، ولكن ذلك يفرض تحليها بالشجاعة وقوة الإرادة وبعد النظر، كما يجب أن تتوجه بإجراءاتها وتدابيرها إلى مكامن الاختلال في مختلف السلاسل الإنتاجية والتسويقية والتدبيرية ذات الصلة، وإلى لوبيات الاحتكار والمضاربة، وألا تكتفي بإجراءات مؤقتة وبسيطة وروتينية بلا عمق أو التقائية أو… شجاعة وحزم.
الأوضاع الاجتماعية لشعبنا اليوم تدق أجراس تنبيه عديدة، وتحث الحكومة وأغلبيتها على استحضار كل ما وعدوا به خلال الحملات الانتخابية، وأن يتم استثمار كل الإمكانيات المتاحة للتدخل العاجل والصارم لإنقاذ الأسر المــــــغربية وتحسين أوضاعها المعيشية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top