رصدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أوجها من الفساد الذي يطغى في مجالات ومستويات مختلفة، مؤكدة أن المغرب لم يحقق أي تقدم في مؤشر محاربة الفساد، إلا بنقطة واحدة خلال العشرين سنة الماضية.
وكشف محمد بشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في ندوة صحفية نظمتها الهيئة، أمس الثلاثاء بالرباط، أن الفساد يفوت على المغرب أزيد من 50 مليار درهم سنويا.
وقال بشير الراشدي خلال تقديم التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لسنة 2023 إن الفساد يفوت على المغرب فرصا كثيرة للتنمية، مضيفا أن مختلف المؤشرات والتقارير والأبحاث حول وضعية المغرب لم تعرف تحسنا خلال العقدين الماضيين، حيث لفت إلى أن التشخيص المنجز من قبل الهيئة وقف على تراجع المغرب بـ 5 نقط خلال السنوات الخمس الماضية، واحتلاله الرتبة التاسعة على المستوى العربي، وتراجع ترتيبه بدرجتين على المستوى الإفريقي.
وسجل الراشدي، في هذا الصدد، أن الفساد على المستوى الدولي يكلف 2000 مليار دولار بمعدل 4 بالمئة من الناتج الخام العالمي، وبنسبة 6 بالمئة على مستوى القارة الإفريقية، فيما يفوت على المغرب 50 مليار درهم سنويا بمعدل يتفاوت بين 3.5 و6 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.
ولفت المسؤول على رأس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن القطاعات الأكثر تضررا بالفساد في المغرب تتعلق بالتراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية في المرتبة الأولى، يليها مجال الصفقات والمشتريات العمومية، ثم قطاع التوظيف، وذلك بنسب تفوق 50 بالمئة.
كما أوضح الراشدي أن محاربة الفساد تأتي في المرتبة الثامنة ضمن الاهتمامات الأساسية للمقاولات، حيث كشف في هذا الإطار، أن 68 بالمئة من المقاولات تعتبر أن الفساد شائع جدا وواسع الانتشار في المغرب، فيما 23 بالمئة من المقاولات أقرت بتعرضها لأفعال الفساد خلال سنة 2023، من أجل خدمات هي في الأساس ضمن حقوقها وليست امتيازات.
وزاد الراشدي موضحا أن معظم هذه المقاولات صرحت بعدم لجوءها لخاصية التبليغ خوفا من الانتقام وبسبب غياب النجاعة، مشيرا إلى أن تواتر مختلف المؤشرات المعتمدة على ملامسة الأعطاب المهيكلة التي تسلط الأضواء على الأسباب العميقة لتكريس الوضع غير المرضي للفساد بالمغرب، يؤكد على ضرورة تسريع الانتقال الفعلي إلى مرحلة جديدة في مكافحة الفساد، كفيلة بإذكاء دينامية محققة لنتائج وآثار ملموسة في الحياة اليومية للمواطنين والمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين.
وخلص الراشدي إلى القول بأن مجال محاربة الفساد معقد نظرا لخصوصيات ظاهرة الفساد وتشعباتها، مردفا أنه بالرغم من الإنجازات المحققة بمستويات متباينة، فإن الغايات المستهدفة التي سطرتها الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، لم تتحقق، “بل وتكاد تكون بعيدة المنال، كما تبرهن على ذلك التراجعات المسجلة في مجموعة من المؤشرات الدولية ذات الصلة والتي وضعتها الإستراتيجية كآليات لقياس الأهداف المسطرة”، وفق تعبيره.
ولتجاوز النواقص المرصودة، أوصت الهيئة بشكل خاص، بضرورة إضفاء الطابع المؤسساتي على تنسيق البرامج، من خلال وضع إطار مؤسساتي للتعاون والتنسيق والتكامل بين الهيئة الوطنية والحكومة ومختلف المؤسسات والمتدخلين الآخرين، وذلك من خلال إعادة صياغة مرسوم اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، كما أوصت بإدراج برنامج خاص بمكافحة الفساد في ميزانيات القطاعات وتحديد المواعيد النهائية للتنفيذ، والمسؤولين المحتملين عن كل مشروع.
وشددت الهيئة في توصيات تقريرها على أن فعالية الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تأثرت بمحدودية منظومة حكامتها، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق، حيث قال الراشدي “إن الدينامية التي ميزت سنة 2019، بعد تبني التوصيات التي تقدمت بها الهيئة في إطار تقريرها الأول لتقييم الإستراتيجية، والتي عرفت تعبئة جميع القطاعات والأطراف المعنية على أعلى المستويات، سرعان ما عرفت فتورا ملحوظا بما رسخ العودة إلى تغليب البعد القطاعي”، حيث خلص إلى أن هذا الأمر شكل عاملا أساسيا في غياب النتائج بالمستوى المتوخى من الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، “وبالتالي استمرار الوضع غير المرضي لتطور الفساد ببلادنا”، وفق تعبيره.
الفساد يفوت على المغرب 50 مليار درهم سنويا
الوسوم