في ظل تأخر التساقطات وارتفاع أسعار المواد الأولية والأعلاف
في عز فصل الشتاء، تأبى السماء إلا أن تحبس مطرها على الفلاحين الصغار الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة عزوف السماء وسندان تخلف الحكومة عن مد يد المساعدة إليهم.
صحيح أن الحكومة، ممثلة في وزارة الفلاحة والصيد البحري وتنمية العالم القروي، اتخذت مجموعة من التدابير بهدف ضمان نجاح الموسم الفلاحي، إلا أن هذه التدابير تظل، كعادتها، محصورة جغرافيا ولاتهم الا فئة محظوظة وميسورة.
فبعد تساقطات متفرقة أحيت الأمل بموسم فلاحي عادي يخفف عن الفلاحين تكاليفهم وديونهم المتراكمة، وطمأنتهم بخصوص الحصول على العلف الطبيعي لماشيتهم، عاد شبح تأخر التساقطات ليخيم من جديد خاصة بعد تصريحات مسؤول أكد على أن تأخر التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة، هو “مناسبة لتأقلم صغار الفلاحين مع التغيرات المناخية”، مشيرا إلى أن تبعات شح السماء لا يمكن تجاوزها إلا بـ”اعتماد تقنيات جديدة كالزرع المباشر واقتصاد الري”.
ويبدو، حسب متابعات بيان اليوم لواقع الفلاحة إلى حدود مطلع شهر يناير من السنة الجديدة، أن الأراضي الفلاحية المخصصة لقطاع الحبوب والقطاني باتت مهدد بالحالة المناخية لهذا الموسم الذي يبقى شبيها بحالة السنة الماضية، وأنه باستثناء الأراضي المعتمدة على السقي، سيظل مردود الأراضي المخصصة للزراعة المعيشية متوسطا، مما ينذر بلهيب قادم في أسعار الخضر والفواكه.
وفي ظل هذه الأجواء المتميزة بتوقف التساقطات المطرية وبرودة الجو”الليالي” تشهد الأسواق ارتفاع غريبا لأثمان الأسمدة وعلف الماشية، التي تجاوزت في بعض الأصناف نسبة مائة في المائة، فيما تسجل نسبة ملء السدود الموجهة إلى الاستعمال الفلاحي تراجعا ملحوظا، أثر على حصص الماء الموزعة على الفلاحين داخل المنطقة السقوية، وساهم في تفاقم أوضاع “الكسابة” الذين لم يجد العديد منهم بدا من جزء من رؤوس ماشيتهم لغلاء الأعلاف، بل ونذرتها في بعض مناطق البلاد.
يتسائل العديد من الفلاحين الصغار عن مصير نداءاتهم التي باتت صماء في ظل تجاهل الحكومة لوقائع مثيرة كاستنزاف مخزون المياه الجوفية لتدبير الزراعات السقوية التي يتحصل البعض منها مبالغ طائلة، والتدابير المحتشمة للوزارة الوصية التي باتت تفضل مقعد المتفرج على مشاكل تحبط الفلاح الصغير الذي يعاني في ظل الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على القطاع، وارتفاع أسعار مجموعة من المواد الأولية.
مشاكل تأتي على ما تبقى من قدرته على الإنتاج، علما أنه المورد الأساسي المساهم في ضمان الأمن الغذائي لهذا الوطن، ولازالت الاستراتيجية الفلاحية ببلادنا تخلط بين الفلاحة التضامنية التي ينبغي أن تهم الفلاحين الصغار أساسا ولا يمكن تعميم المفهوم ليشمل حتى المستثمرين الفلاحيين، لأن التضامن يبتدئ أولا من الفلاح الصغير المرتبط بالأرض والمتشبث بها ولا يمكن فصله عنها لأن ليس له بديل عنها.
مصطفى السالكي