الفن التقليدي بالمغرب في القرن التاسع عشر في معرض بالدار البيضاء

تم مساء الثلاثاء الماضي تنظيم حفل افتتاح معرض للتحف المغربية النادرة، برواق بريستيجيا أنفا بالدار البيضاء، تحت شعار «الفن التقليدي بالمغرب من طنجة إلى الكويرة»، احتفاء بالغنى الثقافي لتراثنا الوطني وتاريخه المجيد.
  يضم هذا المعرض الذي ترعاه المجموعة العقارية الضحى، أكثر من 400 مادة وظيفية أو تزيينية، تغطي مجموع التراب الوطني، وتعكس غنى الفنون القروية باستحضار الفخار والسيراميك والزرابي والحلي والألبسة والأسلحة وغير ذلك من الأدوات المستعملة في المعيش اليومي، والتي تعكس صفحات من تاريخنا المشترك وتقدم شهادات عن أسلوب عيش المغاربة بالأمس واليوم، خلال الفترة الممتدة من القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين.
 وخلال الندوة التي نظمت بهذه المناسبة، أكد صاحب المعرض، جامع التحف خالد الجامعي، على أن الهدف من تنظيم هذه التظاهرة هو إظهار التعدد الثقافي الذي تزخر به بلادنا من الشمال إلى الجنوب، فهناك أكثر من 400 قطعة تتحدث عن نفسها، وتجعلنا نفتخر بأجدادنا الذين تركوا لنا تراثا فريدا.
 وتم بالمناسبة كذلك توثيق هذه القطع الفنية النادرة في كتاب من إعداد الباحث بول، الذي أشار إلى أن الهدف من هذا العمل،  الحفاظ على الذاكرة المغربية المهددة بالاندثار، وإبراز قيمة الهوية المغربية المتسمة بتعددها الثقافي وفرادتها. وأضاف أن كل قطعة تحمل رموزا وعلامات – بصرف النظر عن وظيفتها التزيينية والعملية- يصعب فكها، وأنها تحتاج إلى مزيد من البحث. فهذه المعروضات هي دعوة إلى التأمل، وكيف أنها تبرز إلى أي حد كان صانعوها يتقنون عملهم، إنها تأريخ للذاكرة والهوية المغربية.
 يشتمل المعرض على قطع ذات الاستعمال المختلف، هناك أواني من الفخار، فمن خلال التوضيحات التي تم تقديمها بهذا الصدد، تمت الإشارة إلى أنه في مناطق الشمال كانت صناعة الفخار فنا نسائيا، حيث كانت المرأة تبدع كل الأدوات التي تتطلبها الحاجات اليومية، فبيدها كانت تشكل الأباريق والجرار والأطباق والأواني والقدور وغيرها من الأدوات، في حين أنه في مناطق الجنوب كانت المادة الفخارية فنا ذكوريا بالأساس، كان صناع الفخار يمتلكون أوراشا يمكنها أن تشغل في حدود عشرة صناع تقليديين، وكانت هذه الأوراش تنتج حجما مهما من القصعات والأطباق وجرار مخروطية الشكل وجرار لحفظ الزيوت والتمور والسمن والحليب، وقد كان جزء كبير من هذا الإنتاج يتم في الغالب تسويقه في الأسواق الجهوية. كما تعكس هذه الأواني الخزفية الكيمياء السرية للطلاء الأخضر الرمادي.
 ويضم هذا المعرض أدوات حربية وأخرى خاصة بالقنص، كما هو الحال بالنسبة لـ «المكحلة»، التي بفضل غنى زخارفها تعتبر علامة قوة لزعيم قبلي أو دلالة عن مرتبة المحارب الاجتماعي، ومنها ما يصل طوله إلى متر وستين سنتمتر، كما نجده مرصها بزخارف من فضة ومرجان أوفيروز.
 وإلى جانب ذلك هناك صندوق البارود، المصنوع من الخشب أو من الجلد المرصع أو من المعدن المنقوش، والأشكال الأكثر استعمالا تتخذ الشكل الكلاسيكي للإجاص أو للقرن، فكل زخرف وكل علامة تسمح بتحديد أصل كل شيء والمكان الذي انحدر منه.
 كما أن هناك الخناجر التي تعد بالنسبة للرجال علامة على الانتماء الاجتماعي. نجد غمدها مصنوعا من الفضة ومنقوش ومرصع بمسامير مزركشة.
 وفي ما يخص اللباس، نجد هذه القطع تعكس الطرز القروي، حيث تفضل التقاليد الأمازيغية النسيج المستطيل والنصف الدائري المثناة المشبوكة، بينما يفضل سكان المناطق العربية الأنسجة المفصلة والمخيطة.
 ونجد بهذا الصدد تشكيلة نادرة من الجلابيب وقطع القماش والأوشحة والعصابات والقفاطين، فإذا كان الرجال يرتدون جلابيب من القطن أو الصوف، فإن لأشكال اللباس النسوي توهجا أصيلا يعكس تنوعه من جهة لأخرى.
وتظهر هذه القطع أن المرأة الريفية خلال القرن التاسع عشر كانت ترتدي فوق قفطانها القماش التقليدي، القطني أو الصوفي، بخطوطه البيضاء والحمراء، بينما مثيلتها الأمازيغية، تبرز بقماشها المثنى المثبت بالمشابك مع وشاح مطروز تغطي به رأسها.
 يشكل هذا المعرض إذن، مرآة حقيقية للهوية المغربية كما تجدرت على الخصوص في القرن التاسع عشر، وهو لا غنى عنه بالنسبة لمن يتطلع إلى معرفة تراثنا الثقافي المشترك، بما يحمله من غنى وتنوع.
 يستمر المعرض إلى غاية نهايو يوليوز القادم، وسينتقل بعد ذلك إلى مدينة مراكش.

عبد العالي بركات

Related posts

Top