كيم ليزوت، كاتبة من كندا، من الكيبيك تحديدا، مثقفة يسارية، كتاباتها وغير ذلك من أنشطتها الثقافية، تتسم بطابعها المرح إلى حد السخرية من الذات.
ربما أن هذا راجع إلى كونها قضت طفولة استثنائية، تقول بهذا الصدد:
« لا أذكر أن أبوي عاملاني يوما ما كطفلة، بل كانا ينظران إلي دائما باعتباري كائنا بشريا محايدا..».
موهبتها الأصيلة في التفكه، دفعها إلى أن تتابع دراستها في المدرسة الوطنية للفكاهة، وهو ما أهلها لتنشيط برامج تلفزية بالموازاة مع كتاباتها المنتظمة حول الحياة ومتطلباتها، حيث القاسم المشترك بين هذين النشاطين، يظل دائما هو حس الفكاهة.
كيم ريزوت لها أسلوب خاص في الكتابة، يدخل في ما يمكن تسميته بالسهل الممتنع.
لقد أعجبتني هذه النصوص، وأردت أن أتقاسم مع القراء هذا الإعجاب وهذه المتعة، سيما وأنها في حدود اطلاعي لم يتم نقلها إلى العربية ولم يتعرف عليها قراء هذه اللغة.
مختلف هذه النصوص مكتوبة ومنشورة باللغة الفرنسية في الموقعين الالكترونيين:
«URBANIA» و»le Journal de Québec»
الحلقة3
أخذت عهدا على نفسي أن لا أتحدث عن ذلك..
أخذت عهدا على نفسي أن لا أتطرق لموضوع الميثاق. هذا الموضوع اللعين الذي قسم زملائي، أصدقائي، أسرتي، جيراني. ليس لأنكم لستم بحاجة إلى مزيد من المقالات حول الموضوع، لكن أطمئنكم ليس لدي ما أضيفه بالمرة.
حسنا، سأتطرق لما هو أسوأ، سأتناول موضوع النساء المحجبات. (أنا نفسي، لا أستطيع أن أصدق. متى ستتعلمين إغلاق فمك يا كيم؟).
لدي وجهة نظر قاسية جدا بخصوص الحجاب. لكن كنت أسوأ من ذلك قبلا.
من قبل..
كنت أنظر إلى النساء المحجبات نظرة تطبعها الأحكام المسبقة، كأنه تصرف موجه ضدي، ضد كل النساء على وجه الأرض. مثل رمز عنيف. كأنهن يرتدينه لأجل إغاظتي. شابة، نسوانية، معتقدة أنها تعرف كل شيء وتفهم كل شيء عن الحياة، من المحتمل أن أكون قد ألقيت نظرة إشفاق على هؤلاء النساء اللواتي لم يؤذينني.
إلى غاية أحد فصول الصيف، حيث كنت أزاوج بين العمل والدراسة، كلفت من طرف إحدى شركات التسويق بطلي وجوه الناس بالمساحيق في صيدلية بمونريال.
كنت هناك، بوجه شابة في الرابعة والعشرين من عمرها تعتقد أنها تعرف كل شيء، تجرجر رجليها في انتظار أن تطلب مني إحدى النساء أن أتحدث إليها عن الصبغة وغيرها من المواد المستعملة.
وفي تلك الأثناء التقيت بسيدتين، في عقدهما الرابع، محجبتان، لا تتحدثان بالفرنسية ولا بالإنجليزية واللتان كانتا تنظران إلى المعروضات، شبه تائهتين. اقتربتا مني، أشارتا بالإصبع إلى مسحوقي التجميلي وهما تتحدثان إلي بالعربية وتومئان إلى وجهيهما. فهمت أنهما تريدان أن أطليا وجهيهما بمسحوق التجميل.
حملت ريشتي. أغمضت المرأة عينيها. وجدت صعوبة في صباغة حاجبيها. نظرت إلى نفسها في المرآة. ابتسمت. نظرت إلى صديقتها التي وجدتها جميلة. حملتا علبة وشكرتاني وانصرفتا بعيدا.
شيء استثنائي
سأظل أتذكر هذه اللحظة طوال حياتي.
بواسطة يدي التي كانت ترسم الظل على حاجبي تلك المرأة التي من المحتمل أنها حضرت لتوها إلى البلد. التي كان لها صوت عذب وحنان يشع من العينين. التي كانت تمسك بيد صديقتها كأنها تجرب شيئا استثنائيا.
وتساءلت في تلك اللحظة، لكن كيف، كيف، بحق السماء، استطعت أن أقوم بهذا التنازل، بهذه ا,
لكراهية، بهذا العنف اتجاه نساء مؤثرات يبعد واقعهما بمئات السنوات الضوئية عني؟ كيف استطعت أن أتصرف بغضب نحو نساء، في حين أنه تحت الحجاب، توجد أمهات، زوجات، أخوات، نساء مثل أولئك اللواتي أحبهن؟
كيف يمكن أن نفهم..
لا أعرف كيف أشرح لكم، لكن العيش بهذا القرب مع امرأة جعلتني أعيد التواصل مع إنسانيتي وجعلتني أعي بكل بساطة أنني أجهل الدوافع التي تؤدي بالمرأة إلى ارتداء الحجاب، وأنني من المحتمل لن أتوصل بتاتا إلى معرفة الضرر والألم والمعاناة الناتجة عن مغادرة البلد، مسقط الرأس، حتى لو كان ذلك من أجل بدء حياة جديدة في مكان أكثر أمانا وهدوءا.
لن أفهم على الإطلاق هذا الإحساس المتمثل في الاجتثاث من الجذور والحداد على وطن وثقافة وعائلة.
بالتأكيد، أتمنى العيش في عالم حيث لا توجد أي امرأة مرتدية الحجاب.
بالتأكيد أريد العيش في مجتمع تسوده المساواة والعلمانية، باعتباري أنا نفسي نسوانية ملحدة.
لكن يمكن لي أن أطمئنكم بأنه ليس عن طريق محاكمتهن أو الإشارة إليهن بالأصبع باعتبارهن مشكلة، تعبيرا عن تخلف، رعب، حيث يمكن إقناعهن بالتخلي عن حجابهن اللعين.
عندما نؤاخذهن على خضوعهن للرجل، وتوظيفهن من طرف الإسلام، حاملات ليس فقط لحجاب ديني، لكن سياسي كذلك، ألا نكون نحن كذلك بصدد استخدام صورتهن والأحكام المسبقة اتجاههن، لكي يتم القبول بميثاق حول القيم؟
في النهاية، المرأة المحجبة تصلح للجميع، باستثنائها هي ذاتها.