الكاتب الغرناطي خابيير فلينزويلا في حوار صحفي

فيما يلي نص الحوار الذي أجراه عبد الخالق نجمي مع الكاتب الغرناطي خابيير فلينزويلا على صحيفة إستريتشو نيوز (18/12/2021)، وخافيير فيلنزويلا جيمينو، مولود في غرناطة عام 1954، خريج شعبة الاقتصاد من جامعة فالنسيا، وهو كاتب وصحفي. اشتغل لمدة 30 عامًا في صحيفة الباييس (الإسبانية) (نائب رئيس التحرير في مدريد ومراسل في بيروت والرباط وباريس وواشنطن)، أسس عام 2013 المجلة الشهرية “مداد حر”. وهو مؤلف مدونة “أحداث سوداء” وقد نشر ثلاثة عشر كتابًا منها: ثلاث روايات عن الجريمة (“بارود، تبغ وجلد”، “الليمون الأسود” و”الطنجوية”).. في عام 2006 حصل على ثناء الاستحقاق المدني، وفي عام 2018 على جائزة توريا للصحافة الخاصة، وفي عام 2019 على جائزة القهوة الإسبانية للرواية القصيرة.

< كيف كانت أول علاقتكم بمدينة طنجة؟
> كان اتصالي الأول بطنجة كما تمليه التقاليد: دخلتُ المغرب عبر ميناء هذه المدينة في أول زيارة لي للبلاد، ما بين 1977 و1978. وزرتها في النصف الثاني من الثمانينيات؛ عندما كنتُ أشتغل في الرباط كمراسل لصحيفة الباييس بالمغرب، سافرت إلى طنجة عدة مرات لأسباب مهنية أو للاستجمام. من الأشياء التي غطّيتها في طنجة في ذلك الوقت كان تصوير فيلم برتولوتشي المبني على رواية “السماء المأوى” لبول باولز.

< حققت روايتكم “الطنجويَّة” نجاحًا كبيرًا وربما تكون فتحَت الباب أمام مؤلفين إسبان آخرين لإبداع أعمالهم انطلاقا من مدينة المضيق. ما هو سرُّ نجاح روايتكم الأولى؟
> كانت طنجة حاضرة في الأدب الإسباني بين عامي 1930 و1970، لكنها اختفت تقريبًا في نهاية القرن العشرين من رادار مؤلِّفينا. إذا تمَّ ذكرها، فإنه على أي حال، كان من دواعي الأسف للتناقض بين الانحطاط الذي عاشته في عهد الحسن الثاني وتألقها إبان حقبتها الدولية. بعد أن سئمتُ موضوع الحنين إلى الماضي، أردتُ أن أبدأ مسيرتي المهنية كروائي بعمل، على الرغم من جذوره في تلك الفترة الدولية، إلا أن أحداثه تدور بشكل أساسي في طنجة القرن الحادي والعشرين. لقد حدَّدتُ لنفسي هدفين: الأول، التعامل مع طنجة على أنها ليست قطعة أثرية في متحف، ولكن كمدينة حية؛ والثاني، عدم الوقوع في ذلك التمرين الاستعماري الذي ينطوي على بطولة في قصة طنجوية بشخصيات غربية فقط. أكره تلك الأعمال التي تدور أحداثها في المغرب أو في بلد عربي آخر حيث يكون السكان المحليون مجرد سائقي تاكسي أو نوادل أو خادمات. في “الطنجويَّة”، صديقة الأستاذ سيبولفيدا هي شابة مغربية لديها دراسات جامعية وعقل متفتح وحياة مستقلة، وأفضل صديق لسبولفيدا هو الكاتب المغربي الكبير محمد شكري. نظرًا لأنني لا أحب القوالب النمطية البسيطة، فإن سيبولفيدا الحاد للغاية ينتهي به الأمر إلى تطوير علاقة ممتازة مع مفوض الشرطة السيد جديدي.

< في عملكم الثاني “الليمون الأسود” جعلتم من طنجة 2015 موضوعا للرواية، في حين أنَّ معظم الكتاب يجعلون من طنجة الدولية خلفيَّة لرواياتهم؟
> لقد حررت عددًا غير قليل من المقالات الصحفية حول طنجة الدولية وأعتقد أنني ساهمت إلى حد ما في أن تكون ذاكرتها بمثابة تعبير عن حلم عالمي: مساحة يتعايش فيها البشر من مختلف الثقافات والأيديولوجيات والأعراق والأديان في سلام وحرية. لكن، كما قلت من قبل، سئمت قليلاً من الأشخاص الذين يتحدثون فقط عن ذلك الماضي، والذين لا يعرفون كيف يقدرون مدى الاهتمام الإنساني والأدبي والفني بطنجة اليوم. لذلك تحدثت في “الطنجويَّة” و”الليمون الأسود” عن المدينة الحالية، مشهد رائع يشهد نهضة كاملة في هذا القرن. لكتابة هذه الروايتين، عِشت في طنجة عدة أشهر، تحدثت مع العشرات من سكانها – مغاربة وأوروبيين وسفارديم – وشاركتهم أفراحهم ومصاعبهم. شعرت على الفور كأنني طنجوي نسج قصصه الخاصة في ألف قصة وقصة من المدينة.

< في أعمالكم، بالإضافة إلى العديد من المواضيع المثيرة للاهتمام، هناك تكريم للعديد من المؤلفين والكتاب، بعضهم على قيد الحياة والبعض الآخر قضى نحبه، من بينهم محمد شكري. كيف كانت علاقتكم مع هذا الكاتب البوهيمي الملعون؟
> يشرفني أنني كنت صديقا لمحمد شكري خلال السنوات الأخيرة من حياته، ندخن ونشرب ونتحدث عن الأدب سوِيا، نغضب لفظائع الحياة ونضحك لأشيائها المضحكة. عن شكري، سأتذكر دائمًا كرامته؛ كرامة غير عادية. كان من رواد الأدب المغربي والعربي في التحدث من الذات وليس من نحن، من الفرد الحر وليس من المجتمع المنظم. الآن كل شخص في طنجة يقول إنه معجب به، وهناك صور له في كل مكان، لكن يؤسفني أن أقول إنه عندما كان على قيد الحياة ، كان الكثير من الناس – المغاربة أو الأوروبيين يتساءلون كيف – أنني كنت صديقًا لشخص وصف باستخفاف بأنه مخمور وعاهر – كانوا يقولون لي مصدومين: «ماذا تفعل مع هذا الرجل؟»
< حضرتم حفل تسليم جائزة سرفانتس للكاتب خوان جويتيسولو، كيف كانت علاقتكم به؟ وما رأيكم في أعماله وأفكاره؟
> صداقة خوان جويتيسولو وأستاذيته تعد أحد الامتيازات الأخرى التي استمتعت بها في حياتي. التقيت به في مراكش في الثمانينيات عندما كنت أعيش وأعمل في المغرب. التقينا مرة أخرى في التسعينيات في باريس، عندما كنت مراسلًا لـجريدة الباييس في فرنسا، وكان لدينا دائمًا اتصال وثيق تشمله المودة المشتركة. كلانا نتشارك الغضب من المصير المحزن للشعب الفلسطيني، ورفض العنصرية التي يعامل بها الغرب العرب والمسلمين، وازدراء أولئك الذين يمارسون الظلم وقتل الحرية في وطننا إسبانيا. كان جويتيسولو آخر مثقف إسباني عظيم بالمعنى الذي أعطاه فولتير وزولا وكامو ومثل هؤلاء الأشخاص لهذه الكلمة: كاتب متمرد ملتزم بالقضايا العادلة لعصره. تشرفت بأنه جعلني من بين ضيوفه الخواص في حفل استقبال جائزة سرفانتس في جامعة القلعة بمدريد.

< أي الأعمال الأدبية عن طنجة ترون أنها لا غنى عنها؟
> جميع الأعمال التي كتبَها شكري وجميع القصص الشفوية لمحمد مرابط التي حولها كتابةً باولز. وبالطبع، نصوص عن طنجة لبولز نفسه، وفترة طفولة وشباب رامون بوينافينتورا في المدينة، “خوانيتا ناربونيد” لأنجيل فاسكيز، “مطالب الكونت دون جوليان” لخوان جويتيسولو.

< هل يمكن اعتبار طنجة مدينة أدبية؟ ولماذا؟
> إنها مدينة أدبية للغاية. هناك يكتسب الخير والشر شدة كنورها. لكونها مدينة حدودية وميناء ومدينة عالمية. لكونها المدينة الأكثر ليبرالية بالمعنى القديم للكلمة في المغرب العربي. بسبب شغف سكانها بسرد جميع أنواع القصص على طريقتهم الخاصة. أضع طنجة في تلك المجموعة من المدن ذات الطبيعة الأدبية التي تنتمي إليها أيضا مدن كبرشلونة أو هافانا أو الإسكندرية أو اسطنبول أو نيويورك.

< يقال إنكم تستعدون قريبا لإصدار روايتكم الثالثة، والتي تدور أحداثها أيضا بمدينة طنجة. هل يمكن التحدث عن ثلاثية؟
> نعم، أكتب نهاية الثلاثية من “الرواية السوداء” التي تدور أحداثها في عاصمة المضيق، وكان أول جزأين منها “الطنجوية” و”الليمون الأسود”. أسميها ثلاثية الحمضيات لأن طنجة بالنسبة لي مدينة بطعم حمضي وأنثويي. في هذه الحلقة الثالثة، بالطبع، ستظهر شخصية سيبولفيدا، وهو أستاذ متخيل في معهد سرفانتس بطنجة، لكن الشخصيات النسائية، الإسبانية والمغربية، ستكتسب أهمية أكبر. آمل أن يكون جاهزًا للنشر في أواخر عام 2021 أو أوائل عام 2022.

< هل الرواية الجديدة تحمل نفس الموضوع أم هناك جديد؟
> في رواية “الطنجوية” اشتغلت على موضوع طنجة الحالية، بينا كان موضوع “الليمون الأسود” عالم الفساد المرتبط بالمضاربة العقارية، بينما ارتأيتُ أن يكون موضوع الرواية الأخيرة يدور حول كرة القدم والجنس.

< ماذا تُمثِّل لكم مدينة طنجة؟
> لست مبتكرًا في القول إن طنجة تمثل بالنسبة لي مساحة طبيعية وثقافية حيث يمكنني أن أكون على طبيعتي أكثر من الأماكن الأخرى.

< كان حضور شخصية المرأة الحاسمة ملحوظًا في جميع أعمالكم تقريبًا. لماذا ذلك؟
> أحب شخصية المرأة الحاسمة في أفلام هوليوود في فترة 1930 – 1950، والتي لعبت دورها، من بين أخريات، لارا تورنر، أفا غاردنر، جين غرير، لورين باكال، ريتا هايورث أو هيدي لامار. لقد كن آلهة أولمبيات خطيرات للغاية، ورائدات النضال من أجل التحرر العقلي والاقتصادي والجنسي للمرأة. أحاول إعادة إنشائها مع شخصية أندريانا فاسكيث، سلطانة طنجة التي تظهر في “الليمون الأسود” وستظهر مرة أخرى في الجزء الأخير من ثلاثية الحمضيات.

< هل طنجة شخصية ذكورية أم أنثويَّة؟
> إنها أنثوية، طنجة بالنسبة لي هي شهرزاد ألف ليلة وليلة. أعتقد أن هناك مدنا ذكورية كمدريد ونيويورك وهناك مدن أنثوية كطنجة وباريس أو هافانا، لا أستطع شرح ذلك، إنه شعور فقط. على أي حال، بالنسبة لي، فإن صفة المؤنث صفة تقريضية للغاية. سيكون القرن الحادي والعشرون أنثويا وإلا فلن يكون.

< بالإضافة إلى الروايتين، كتبتم بعض القصص التي كانت مدينة طنجة مسرحا لها. كيف تُقيِّمون هذه التجربة.
> فعلا، لقد نشرت ثلاث قصص تدور أحداثها بطنجة بالإضافة إلى الروايتين. الأولى، “البرتقال المر”، هو نوع من الربط بين الروايتين حيث أودع فيها محمد شكري. القصة الثانية، “عميل شبه الجزيرة”، التي نشرت في الكتاب الجماعي “متآمري طنجة”، وهي قصة تربط بين رواية “الليمون الأسود” والجزء الأخير من الثلاثية التي أشتغل عليها حاليا. والقصة الثالثة، “هتلر في طنجة”، التي فزت بها سنة 2019 بجائزة القهوة الإسبانية للقصة القصيرة. بالنسبة لي، هذه القصص هي قصص مفككة تتناسب بشكل طبيعي مع السرد الطنجوي – الجديد باللغة الإسبانية الذي أحاول تأليفه.

< حاوره: عبد الخالق نجمي
< ترجمة: عبد اللطيف شهيد

Related posts

Top