المؤتمر العربي الثالث للأراضي يضع الأصبع على معيقات التنمية الحضرية والقروية

وقف المشاركون والمشاركات في المؤتمر العربي الثالث للأراضي الذي اختتم أشغاله أمس الخميس بالرباط، على عديد إشكاليات لازالت تقيد الاستخدام الأمثل للأراضي في تحقيق التنمية المستدامة في المجالات الحضرية والقروية، والتي من بينها انحصار منسوب الحكامة الرشيدة، وغياب ترسانة تشريعية منظمة لحقوق ملكية الأرض في مجموعة من البلدان، فضلا عن غلبة طابع النزاعات والصراعات التي لازالت تنتشر في عدد من المناطق وتحول دون الاستثمار المستدام للأراضي.
وأكد كاتب الدولة في الإسكان، أديب بن براهيم، في كلمة ألقاها في افتتاح هذا المؤتمر الذي امتد على مدى ثلاثة أيام بمعهد القضاء بالمنطقة الصناعية تيكنوبوليس بمدينة سلا، ” على أن المنطقة العربية تواجه حاليا مجموعة من التحديات المتعلقة بالأراضي و العقارات تتفاوت من دولة إلى أخرى، تتوزع بين الحاجة إلى الحماية الكاملة لحقوق الملكية لجميع شرائح السكان؛ و فض النزاعات حول استخدام الأراضي والموارد المتصلة بها من مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية، تضاف إلى ذلك صعوبة ولوج النساء والشباب إلى الأراضي بأسعار معقولة، وضعف أمن حيازة الأراضي لسكان المناطق الحضرية والقروية خاصة الفئات الهشة.
وأكد المسؤول الحكومي بعد هذا التشخيص، أن الأمر يتطلب تحسين قدرات المؤسسات الإقليمية والمحلية من أجل مواجهة هذه التحديات، وذلك باعتماد حكامة الأراضي بطريقة شاملة ومتكاملة بما يؤدي إلى ضمان الإدارة الفعالة والاستخدام المستدام للأراضي والموارد الطبيعية.
وشدد في هذا الصدد على ضروري ابتكار حلول ذكية لتعزيز حكامة العقار، وتشجيع الاستثمارات، وتعبئة إمكانات القطاع الخاص، هذا مع العمل على إدماج مقاربة النوع لضمان ولوج أكثر إنصافا لفئات النساء والشباب إلى العقار، بهدف دعم المشاريع التنموية وتعزيز العدالة المجالية”
وأبرز ملفتا إلى أهمية العقار على درب تحقيق التنمية، حيث للعقار بعد استراتيجي على هذا المستوى، فضلا كونه يعد الأرضية الأساسية لتفعيل السياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بل و ركيزة أساسية وموردا حيويا لجذب الاستثمارات وتلبية حاجيات الساكنة الحالية والمستقبلية”.
هذا ولم يفت المسؤول الحكومي أن يقدم التجربة المغربية على مستوى التأطير القانوني لهذه الملكيات، مشيرا أن المغرب أولى للمواكبة القانونية الأهمية المستحقة في مسعى لتجاوز مختلف الصعوبات والاكراهات التي يفرضها تعدد الأنظمة العقارية”.
وأشار إلى أن الدولة أطلقت مع الدينامية التي تبلورت مع إقرار دستور 2011، جيلا جديدا من الإصلاحات التشريعية، الأمر الذي مكن من إصدار ومراجعة نصوص قانونية في غاية الأهمية همت المجال العقاري، تم الارتكاز فيها على خيارين أساسيين، تمثل الأول في القيام بمراجعة المنظومة القانونية،فيما الخيار الثاني تمحور حول وضع آليات جديدة لتوفير رصيد عقاري مهم، من خلال تبني التكنولوجيا الرقمية وتطوير حلول ذكية للتخطيط الحضري.
هذا وفي المقابل أشار المسؤول الحكومي إلى التجربة التي أطلقها المغرب فيما يخص تدبير العقار، حيث تم وضع الاستراتيجية العقارية الوطنية، والتي من بين أهدافها إرساء نظام حكامة عادل ومنصف ،وتم في الوقت ذاته اعتماد مجموعة من التدابير بغية توفير السكن حيث تم في هذا الصدد تعبئة عقارات عمومية لبرمجة مشاريع سكينة لفائدة الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط مقرونة باعتماد تحفيزات جبائية، هذا فضلا عن تطوير برامج جديدة لدعم الأسر لاقتناء السكن.
ومن جانبه ، أكد محمود فتح الله مدير إدارة الإسكان و الموارد المائية والحد من الكوارث بجامعة الدول العربية، على أن المنطقة العربية تواجه تحديات كبرى على مستوى حكامة الأراضي، والتي أوجزها في ضعف أمن الحيازة العقارية، وصعوبة ولوج الفئات الهشة، خاصة النساء والشباب، إلى الأراضي بأسعار معقولة، داعيا إلى ضرورة تعزيز مما يستدعي تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي لضمان إدارة فعالة ومستدامة للعقار.
ونبه المتحدث، بالمناسبة إلى أهمية تنظيم هذا المؤتمر بما يمثله من عرض للتجارب الفضلى في الجلسات الحوارية والنقاشية داخل فعاليات هذه الدورة ، واستعراض الحلول الممكنة لعديد إشكاليات وتحديات تواجه تدبير الأراضي.
ومن جابنها، أشارت سكنية عبد الإله النصراوي مسؤولة التنمية الحضرية المستدامة باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الإيسكوا ، في كلمة ألقتها بالمناسبة ، إلى الإدارة والحكامة الرشيدة للأراضي، ليست مجرد مسألة تقنية بل هي الحجر الأساس لتحقيق التنمية المستدامة حيث تؤثر بشكل مباشر على التوسع العمراني والأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية والقدرة على التكيف على التغير المناخي
و بدورها أكدت على التحديات المعرقلة لتحقيق التنمية عبراستثمار الأراضي، قائلة ” إن المنطقة العربية تعاني من تأثيرات النزاعات والأزمات على إدارة الأراضي، مثل تدمير البنية التحتية ، تهجير السكان وصعوبة الوصول إلى الأراضي وهذا يعرقل التنمية المستدامة، ويضاف إلى هذا التحدي ، تحدي آخر يتمثل في انتشار العشوائيات ، مشيرة بهذا الخصوص على أن “النمو السريع للمدن وعدم كفاية السياسات الحضرية أدى إلى انتشار العشوائيات التي تفتقر للبنية التحتية والخدمات .
هذا وشددت سكنية النصراوي على مسألة تعزيز إدارة الأراضي وضمان الحيازة العادلة للاراضي باعتبارها أساسا لتحقيق الاستقرار والتنمية ، ملفتة أن “التخطيط العمراني السليم والإدارة العادلة للأراضي يسهمان في بناء مدن مستدامة ومرنة”.
كما نبهت إلى ضرورة إيلاء العناية اللازمة للتكنولوجيات الحديثة والتحول إلى المدن الذكية والمستدامة التي أصبحت واقعا ملموسا في المنطقة العربية، مشيرة أن هذه التقنيات أصبحت أدوات حاسمة في التخطيط العمراني الحديث، حيث تساهم في تحسين إدارة الأراضي عبر جمع وتحليل البيانات بدقة مما يعزز الشفافية ويمكن الحكومات من اتخاذ القرارات المستنيرة من أجل تخصيص واستخدام الأراضي”.
وأشار سيباستيان وايد رئيس التعاون في السفارة الألمانية بالمغرب ، على الشباب والنساء في مختلف دول العالم يواجهون تحديات صعبة جدا وذلك في ظل تراجع الأراضي وتراجع النطاق الغابوي، وأن العديد من هذه الفئات خاصة الطبقات الهشة تواجه إقصاء منهجيا لحقوقهم ، داعيا إلى مواصلة البحث عن طرق لتحسين ظروف الحياة ولتحسين المعيشة .
وأكد على مواصلة التشاور وتبادل المعارف بين مختلف الأطراف وتكثيف عقد مؤتمرات كالمؤتمر العربي للاراضي، وذلك في مسعى لعرض التجارب الجيدة في المجال ، هذا مع الحرص على الاشتغال على موضوع الحوكمة ومواصلة اتباع هذا النسق من أجل الجماعات المحلية والمجتمعات الصغرى وذلك لكي نعمل على تحرير قدرتهم كفاعلين في التغيير وفي تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مستطردا بالقول ” يجب الاشتغال على حلول تنموية مستدامة “.
يشار إلى أن المؤتمر العربي للأراضي الذي احتضن المغرب دورته الثالثة، نظمته وزارة التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والشبكة العالمية للأراضي، ومبادرة الأراضي العربية، بشراكة مع جامعة الدول العربية، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، والبنك الدولي، والوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة الرصد الجوي الهولندية، وأصحاب المصلحة في قطاع الأراضي في المغرب.
  فنن العفاني
Top