المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يدعو إلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد

دعا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي قدم أول أمس الثلاثاء في لقاء تواصلي بالرباط آراءه حول عدد من النصوص التشريعية بشأن منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، إلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد يمكن من الانتقال من منطق الشحن إلى منطق التعلم والاستقلالية الفكرية.
ففي رأي له حول مشروع مرسوم يتعلق بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي، دعا المجلس إلى “استحضار مستلزمات +المدرسة الجديدة+ عبر إعمال النظرة النسقية التي يقتضيها الإصلاح الشمولي والعميق للمنظومة التربوية، وإلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد يمكن من الانتقال من منطق الشحن إلى منطق التعلم والاستقلالية الفكرية حيث تتمفصل الكفايات اللغوية مع سائر الكفايات التي تسهم في التكوين الفكري والثقافي”.
كما حث على إطـلاق أشغال اللجنة الدائمة للمناهج والبـرامج والتكوينات قصد وضع الإطار الذي ستخضع له تطبيقات الهندسة اللغوية على المستوى البيداغوجي، من قبيل مواصفات الملمح اللغوي للمتعلمين، وتدقيق الكفايات اللغوية المستهدفة حسب المراحل والأسلاك والمستويات التعليمية، وتدقيق كيفية إعمال التناوب اللغوي.
وشدد المجلس على ضرورة استباق الأجرأة بإعداد الموارد البشرية، من خلال تحديد الشروط النظامية لولوج مهنة تدريس اللغات أو التدريس بها، والشروط البيداغوجية للتكوين والتدريس والتقييم المهني، لاسيما تحديد معايير ومستويات التحكم في الكفايات اللغوية اللازمة لممارسة التدريس باللغات، فضلا عن تدقيق مواصفات وكفايات مدرسي المواد اللغوية وفق الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات.
وأوصى بمواكبة إرساء التناوب اللغوي بالتعليم المدرسي عن طريق تشخيص مستوى التحكم في لغة التدريس والارتقاء بالأداء المهني للمدرسين، وإعداد هيئة التفتيش التربوية ومؤطري المكونين بشكل منسجم مع الاختيارات المعتمدة للهندسة اللغوية، بالإضافة إلى توجيه البحث في مجال التربية نحو قضايا راهنة ومستقبلية في مجال تدريس اللغات والتدريس بها.
كما أكد على ضرورة تحديد الآجال القصوى لتنفيذ التدابير الإجرائية للهندسة اللغوية على صعيد كل سلك ومستوى وكل مكون من مكونات المنظومة التربوية، وعلى ضرورة ضبط محتوى النص بخصوص التعاريف والمحددات الموجهة لتطبيقات الهندسة اللغوية المستهدفة، لاسيما البعد المفاهيمي الموظف لإعمال مبدأ التناوب اللغوي باعتباره خيارا ديداكتيكيا، فضلا عن تدقيق المقاربة المعتمدة في هذا الشأن ومستويات إدراجه.
وشدد على ضرورة إرساء البنيات وتحديد أدوار المتدخلين على كافة المستويات مع تفعيل مبدأ التفريع، لا سيما فيما يتعلق بالبنيات الإدارية للبحث والابتكار البيداغوجي لتطوير اللغة العربية والأمازيغية، وتجديد وتطوير الدعائم الديداكتيكية لباقي اللغات المعتمدة جهويا.
وحث على اعتماد التتبع والتقييم لاسيما عن طريق إجراء تقييمـات مؤسساتية منتظمة للمناهج والبرامج والتكوينات المتعلقة باللغات ، وإجراء تقييم للهندسة اللغوية المعتمدة حاليا، فيما يخص الانفتاح على اللغات الأجنبية، ومراجعـة مراحـل إدخـال اللغـات والانتقال اللغـوي أخذا بعين الاعتبار خصوصية المرحلة العمرية بكل مستوى تعليمي.
من جهة أخرى، لاحظ المجلس أن مجمل مواد مشروع المرسوم المتعلق بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي انحصرت في التذكير بالأهداف والمبادئ الأساسية المرتبـطة بتطبيق الهندسة اللغوية بدل تفصيلها وترجمتها إلى إجراءات عملية وتطبيقية، نوعية وكمية، واضحة الآجال، ومحددة من حيث الجهات المسؤولة و/ أو المعنية بتطبيقها.
كما سجل أن هذا المشروع استند في تقديمه على كل من القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، مؤكدا أن مضمونه لم يستحضر هذه القوانين في حين أنها تحدد الإطار المؤسساتي لإرساء التعدد اللغوي وتتضمن أحكاما تطبيقية في هذا الشأن.

طريقة التكوين في اللغات الوطنية والأجنبية

كما دعا إلى اعتماد تغيير جذري ووظيفي في طريقة التكوين في اللغات الوطنية والأجنبية مع إرساء التناوب اللغوي وتوفير موارد بيداغوجية متجددة ورقمية وتأطير ملائم.
واقترح المجلس ضمن رأي بشأن مشروع مرسوم بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.04.89، بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، ومشروع قرار يهم دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة، مواكبة المشروعين، بمجموعة من التوصيات منها توفير مستلزمات وشروط التفعيل الأمثل لنظام الأرصدة القياسية ولشهادة التأهيل الجامعي (لما بعد الدكتوراه)، واعتماد بدائل مناسبة لمشروع نهاية الدراسة وكذا مراجعة منظومة التوجيه والإرشاد الجامعي وإعادة التوجيه،خاصة بمؤسسات الولوج المفتوح.
ومن هذه التوصيات أيضا بذل مجهود لوجستيكي وبشري ومالي يضمن لجميع الطلبة كيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية إمكانية متابعة دروسهم عن بعد بكل أريحية ودون تمييز، استحضارا للمادة 33 من القانون الإطار 51.17.
ويقترح مشروع المرسوم، موضوع طلب الرأي، تغيير وتتميم المواد 1و5 و6 و8 و9 الواردة في المرسوم رقم 2.04.89، ويتعلق الأمر أساسا باعتماد شهادة الإجازة والإجازة في علوم التربية، وإحداث نظام للأرصدة القياسية بأسلاك التكوين بالمؤسسات الجامعية، وكذا شهادة التأهيل الجامعي.
ويتمثل أهم ما يقترحه مشروع القرار في تحديد عدد الأرصدة القياسية لكل فئة من الوحدات (معرفية، لغات، مهارات قوة)، مع حذف مشروع نهاية الدراسة (PFE) والتداريب المهنية، كما يتيح إمكانية إعادة التوجيه مع الاحتفاظ بالأرصدة القياسية المكتسبة.

التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي

وأكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، اليوم الثلاثاء بالرباط، على ضرورة إطلاق دينامية جديدة للإصلاح الشامل لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، على أساس التنسيق بين جميع مكونات المنظومة والالتزام بالآجال المحددة في القانون-الإطار.
كما شدد المجلس، في رأي حول مشروع مرسوم بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي تم عرضه خلال لقاء تواصلي خصص لتقديم آرائه حول عدد من النصوص التشريعية بشأن منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، على ضرورة اتساق مجموع مكونات الإصلاح البيداغوجي في أفق بناء “المدرسة الجديدة”.
ودعا إلى الارتكاز على مجموعة من المستلزمات القبلية، على رأسها إصدار النصوص التشريعية المؤس سة التي تهم إحداث اللجنة الدائمة للتجديد والملاءمة المستمرين للمناهج والبرامج والتكوينات، وإعداد الأطر والدلائل المرجعية، وبلورة نموذج جديد للارتقاء بمهن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، فضلا عن وضع إطار وطني مرجعي للإشهاد والتصديق وإحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل.
وأوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بملاءمة مضمون مشروع المرسوم المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي مع مقتضيات القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والنصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به، بما يمكن من إرساء منظور مهيكل جديد للتوجيه ومن تحقيق الشروط اللازمة لضمان أجرأته الفعلية بكل نجاعة. وأشار المجلس إلى أن تفحص هذا المشروع، في صيغته الجديدة، لم يمكن من توضيح الرؤية من حيث ماهية التوجيه، والمفاهيم المهيكلة له وكذا المقاربات المعتمدة في هذا الشأن، بما يضمن إرساء نظام توجيه موحد ومندمج وشامل لكل من التعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي والتعليم العتيق ومحو الأمية.

المواكبة اليقظة لإنجاح الإصلاح
وأكد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الحبيب المالكي، أن المجلس ملتزم بالمواكبة اليقظة لإنجاح الإصلاح، خدمة للارتقاء الدائم والفعلي بميادين التربية والتكوين والبحث العلمي والابتكار.
وأوضح المالكي أنه واثق من أن المجلس “سيتمكن من المضي قدما، من أجل تحقيق الإصلاحات المنشودة في منظومتنا التربوية، ووضع أسس مدرسة جديدة”. وسجل أن الآراء، التي تمت المصادقة عليها من طرف الجمعية العامة الاستثنائية، تشكل ثمرة سيرورة من النقاشات والإسهامات الوجيهة، وعملا جماعيا، أدمج مختلف الآراء ووجهات النظر، مضيفا أن هذه الدورة الاستثنائية، التي تكللت نتائجها بالنجاح، شكلت فرصة نحو تعزيز السعي الجماعي لإرساء الانخراط في مواكبة وتقوية ودعم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
وأشار إلى أن هذه الآراء تشكل أيضا فرصة لتعزيز التفاعل اليقظ مع كل سياسات وبرامج الإصلاح، لا سيما المنصوص عليها في القانون الإطار رقم 51.17، الذي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس، يعتبره إطارا تعاقديا وطنيا ملزما.
وفي هذا الإطار، أفاد المالكي بأنه تم التداول والمصادقة على أربع طلبات رأي أحالها رئيس الحكومة على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. ويتعلق الأمر بآراء المجلس في مشروع القانون 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، وفي مشروع مرسوم بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي ، وفي مشروع مرسوم تحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي.

Related posts

Top