أوصى المجلس الأعلى للحسابات بوضع اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي تحت إشراف رئاسة الحكومة، وذلك بالنظر للطبيعة الاستراتيجية التي تكتسيها.
كما حث المجلس، في تقريره السنوي 2023 – 2024 ، على وضع آليات للتنسيق والمساءلة للمتدخلين الرئيسيين؛ وكذا تحديث استراتيجيات ومخططات التخفيف والتكيف الوطنية، ولا سيما من خلال تحديد أهداف دقيقة وقابلة للقياس ومحددة زمنيا، فضلا عن ترتيبات لرصد وتقييم تنفيذها.
وأوصى، أيضا، بوضع مخططات جهوية للتكيف، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة، وبأهداف مضبوطة وتحديد للموارد اللازمة لتحقيقها وإجراءات رصد وتقييم تنفيذها؛ بالإضافة إلى وضع نظام متكامل لرصد وتقييم إجراءات التخفيف والتكيف، مع ضمان ترابط مصادر البيانات الخاصة بالمؤسسات المعنية.
وشملت التوصيات، كذلك، وضع آليات لتحسين تحديد وتقييم الاحتياجات ورصد الاستثمارات المناخية، وتعزيز دور القطاع الخاص في تمويل المناخ من خلال تقديم الحوافز المناسبة وتحسين إطار عمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وبخصوص الإجراءات والتدابير الوطنية لمواجهة التغيرات المناخية، أكد التقرير أنها تعرف مجموعة من الصعوبات، وذلك بالرغم من الجهود المبذولة من طرف الوزارة المكلفة بالتنمية المستدامة، مما يؤثر على تنزيل التدابير والإجراءات المقررة، ويعوق تحقيق الأهداف المتوخاة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز قدرة المغرب على التكيف مع آثار التغيرات المناخية. فعلى سبيل المثال، لم تشكل الطاقات المتجددة سوى نسبة 9 في المائة من الاستهلاك الداخلي الخام للطاقة في بلادنا سنة 2022، و22 في المائة من إنتاج الكهرباء خلال سنة 2023، يقول التقرير.
من جهة أخرى، أبرزت المهمة الرقابية حول قطاع الفلاحة في مواجهة التغيرات المناخية، أنه على الرغم من المجهودات المبذولة خلال العقود الأخيرة، فإن أثرها لا يزال غير كاف بالنظر لمحدودية التنسيق والالتقائية بين الاستراتيجيات الفلاحية والتوجهات الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالتغيرات المناخية.
وينطبق هذا الأمر، حسب التقرير، على التدابير المتخذة لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة من القطاع الفلاحي، حيث أن حجم الانبعاثات المسجلة سنة 2018 (20.729 جيجاغرام) يعادل حجم الانبعاثات المتوقعة لسنة 2020 (20.921 جيجاغرام) حسب التصور المرجعي المعتمد.
وتبعا لذلك، أوصى المجلس بالعمل على إعداد وتنفيذ مخططات العمل الموضوعاتية والمخططات الفلاحية الجهوية المدرجة في استراتيجية الجيل الأخضر، وملاءمتها لتحقيق الالتقائية والتناسق مع مختلف الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالتغيرات المناخية (الاستراتيجية الوطنية للتكيف، والاستراتيجية الوطنية لخفض انبعاثات الكربون على المدى البعيد، إلخ.)؛ وكذا بتبني مقاربة شمولية على مستوى القطاع الفلاحي تضمن التناسق والتكامل بين أهداف التنمية المستدامة والتدابير المتخذة للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع آثار التغيرات المناخية.
تعزيز التدبير المندمج للموارد المائية
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بتعزيز التدبير المندمج للموارد المائية من خلال الحرص على حماية أكبر للمخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية، والاستعمال المعقلن للمياه السطحية والموارد غير الاعتيادية.
وحث المجلس في تقريره على تشجيع اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية، ولا سيما تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة وتجميع مياه الأمطار، بالإضافة إلى تقليص الكميات المهمة للتسربات في شبكات النقل للرفع من مردوديتها، وحماية أفضل للسدود من ظاهرة التوحل، فضلا عن تسريع إنجاز المشاريع المتعلقة بالربط بين الأحواض المائية.
كما دعا إلى تعبئة التمويلات الضرورية من أجل إنجاز البرامج التي تستجيب للتحديات المطروحة، وبتسريع برامج التحول إلى الري الموضعي.
وذكر التقرير بإطلاق في سنة 2020 البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، بغلاف مالي قدره 143 مليار درهم، وذلك للتخفيف من حدة الأزمة المائية، خاصة في ما يتعلق بتأمين الماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الإنتاجية.
وأكد المجلس الأعلى للحسابات أن السعة التخزينية الإجمالية للسدود ارتفعت من 18,7 مليار متر مكعب سنة 2020، إلى 7,20 مليار متر مكعب عند متم سنة 2023، وذلك بفضل تشغيل مجموعة من السدود الكبيرة، التي تم الشروع في إنجازها قبل إطلاق البرنامج، مع تسجيل تأخر في تنفيذ بعضها مقارنة مع التوقعات.
وبخصوص تدبير الطلب والاقتصاد وتثمين الماء، بلغت المساحة المجهزة بنظام السقي الموضعي، حتى نهاية سنة 2023، حسب التقرير، حوالي 50 في المائة من إجمالي المساحة المسقية على الصعيد الوطني، مقارنة بـ43 في المائة سنة 2020.
ورغم الجهود المبذولة لتحديث شبكات السقي الجماعي وتوسيع نطاق استخدام الري الموضعي لتحقيق الاقتصاد في استهلاك المياه، فإن ذلك لم يمكن من الحد من زيادة الطلب على مياه السقي.
وأبرز التقرير أن البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 يروم أيضا إعادة استعمال 100 مليون متر مكعب سنويا من المياه العادمة المعالجة في أفق سنة 2027، مشيرا إلى أن حجم المياه التي تمت معالجتها وإعادة استعمالها خلال سنة 2023 بلغ حوالي 37 مليون متر مكعب، لكن ذلك اقتصر فقط على القطاع الصناعي وسقي المساحات الخضراء، فيما لا يزال اللجوء إلى هذا النوع من المياه جد محدود في القطاع الفلاحي.
وفيما يخص المخاطر التي قد تواجه تحقيق أهداف السياسة المائية، أوضح تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنها تشمل احتمال تفاقم الوضعية المائية الحرجة بسبب التغيرات المناخية، وتأخر إنجاز مشاريع محطات التحلية، وتلك المتعلقة بالري الموضعي، وكذا مشاريع الربط بين الأحواض المائية، بالإضافة إلى مشاريع السدود، وخاصة في المناطق التي تعرف تساقطات مطرية مهمة.
كما تشمل هذه المخاطر تأخر إنجاز مشروع الربط لنقل الكهرباء المتأتية من الطاقات المتجددة، قصد تزويد محطات تحلية مياه البحر، إضافة إلى إشكالية تعبئة التمويلات الضرورية.
حكامة التزويد بالماء الصالح للشرب
وعلى صعيد التنمية المجالية وتدبير المرافق العمومية الترابية، سجل المجلس في إطار المهمة الرقابية حول التزويد بالماء الصالح للشرب أن الموارد المائية المعبأة تبقى غير كافية لتغطية الحاجيات الوطنية، بحيث تتمركز أزيد من 50 في المائة من الموارد المائية السطحية، بحوضين مائيين يغطيان 7% من مساحة المملكة، في حين أنه من المتوقع أن تسجل الحاجيات الوطنية من الماء الصالح للشرب، ارتفاعا بنسبة 44% في أفق 2050.
كما سجل المجلس أن شبكات الجر والتوزيع تعرف ضياع كميات مهمة من المياه قدرت في 653 مليون متر مكعب في السنة، منها 320 مليون متر مكعب من الماء الصالح للشرب، فضلا عن كون إعداد مجموعة من اتفاقيات الشراكة شابته نقائص تتعلق أساسا بغياب الالتقائية، هذا بالإضافة إلى تأخر إنجاز مشاريع الربط بين الأحواض المائية وأشغال بناء ستة سدود مهمة وكذا تعثر إنجاز 78 مشروعا متعلقا بإنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب بكلفة ناهزت 3,9 مليار درهم.
وعلى هذا الأساس، أوصى المجلس بالحرص على إعطاء الأولوية لتزويد السكان بالماء الصالح للشرب، وعلى تسريع وتيرة تنزيل المشاريع المبرمجة للتزويد بالماء الصالح للشرب، لا سيما الكبرى والمهيكلة، مع الحرص على انسجام والتقائية تدخلات مختلف الفاعلين، وتفعيل آليات تقييم وتتبع المشاريع. وحث أيضا على إجراء عمليات افتحاص منتظمة لشبكات توزيع الماء الصالح للشرب، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين مردوديتها، من خلال الرصد الاستباقي للتسربات المائية، ولحالات الربط غير القانوني بتلك الشبكات.
ودعا المجلس أيضا إلى تشجيع البحث العلمي والتكنولوجي في مجال الماء، من خلال ربط شراكات بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية من جهة، والجامعات والمدارس العليا من جهة أخرى، بهدف تطوير التقنيات المستعملة لخفض كلفة إنتاج المياه غير الاعتيادية، خاصة تحلية المياه؛ مع ضرورة مراعاة البعد البيئي.