بعد رفع التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 إلى جلالة الملك من طرف إدريس جطو الرئيس الأول للمجلس، تطبيقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور والمادة 100 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وتوجيهه الى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، نشر المجلس بداية الأسبوع الجاري التقرير كاملا ليطلع عليه الرأي العام.
يقدم هذا التقرير السنوي حصيلة عن أنشطة المحاكم المالية على مستوى مختلف مجالات اختصاصاتها، سواء القضائية منها أو غير القضائية، ولاسيما تلك المتعلقة بمراقبة التسيير التي همت عددا من الأجهزة العمومية الوطنية والمحلية
وينقسم التقرير الى جزأين، يتعلق الأول بأنشطة المجلس الأعلى للحسابات، فيما يهم الثاني المكون من تسعة كتب، أنشطة المجالس الجهوية للحسابات.
وقد أنجز المجلس خلال سنة 2015 ثمانية وعشرين مهمة رقابية، من بين المهمات المبرمجة برسم هذه السنة، في إطار مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم الرامج العمومية، كما تم اصدار 399 قرارا قضائيا فيما يتعلق بمادة التدقيق والبت في الحسابات و25 قرارا فيما يخص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون العامة.
كما قام المجلس بإحالة ثماني قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل.
وتعميما للفائدة، ستعمل « بيان اليوم» في شكل حلقات على نشر أهم الإختلالات التي عرفتها العديد من من القطاعات، الاجتماعية، والاقتصادية، والخدماتية، والبيئية…
بطء في تنفيذ المشاريع وتقاعس مساهمة الساكنة والمحسنين في برنامج تأهيل مدينة فاس
همت فحوصات المجلس الأعلى للحسابات، إستراتيجية تأهيل النسيج القديم لمدينة فاس، حيث أبدى تقرير المجلس في ثناياه ملاحظات وتوصيات مهمة، أهمها إكراهات القوانين المنظمة لمجالات التراث، وتعدد المتدخلين في النسيج القديم للمدن العتيقة، أضف إلى ذلك قصور وزارة الثقافة في إعداد إستراتيجية للتدخل في قطاع الأنسجة القديمة للمدن التاريخية.
وأكد ذات المصدر أن الوزارة المكلفة بالسكنى عملت من جهتها على التدخل من خلال تكليفها لشركة العمران بتأهيل المباني الآيلة للسقوط، التي رصدت 12013 منزلا قديما، وذلك من خلال اعتماد الوزارة على 70 اتفاقية لتمويل وإنجاز برامج على مستوى النسيج القديم بكلفة إجمالية تبلغ 3.027 مليون درهم، غير أنه سجل على البرنامج عدم تضمنه لرؤية منسجمة وأفقية تضم جميع المتدخلين في القطاع وتميز، بشكل واضح، ما بين النسيج القديم والمباني الجديدة الآيلة للسقوط.
وعلى مستوى سياسة إعادة تأهيل النسيج القديم للمدينة العتيقة بفاس لم تعتمد استراتيجية محكمة وخاصة بإعادة تأهيل نسيجها، مما حرمها من رؤية واضحة للمقاربات الواجب الأخذ بها في هذا الحقل، فضلا عن عدم توفر المدينة على مخطط للعمل الخاص بها، خصوصا وأنها سجلت من ضمن المآثر التاريخية لدى منظمة اليونيسكو.
ولم يخف التقرير اصطدام كل الجهود الرامية إلى القضاء على آفة تدهور البنايات الآيلة للسقوط بعدة صعوبات، وذلك بسبب تزايد عدد هذه البنايات، حيث انتقلت من 1.097 في سنة 1993 إلى 4.207 في سنة 2004 لتتراجع بعد ذلك إلى 3.666 بناية سنة 2012 إلى 2.977 بناية سنة 2015.
ووقف تقرير المجلس عند الإكراهات المعيقة لإتمام مشاريع إعادة تأهيل المدينة العتيقة لفاس، من ضمنها غياب التنسيق والتشاور حيث أدى غياب هذه النقطة إلى عدم وضوح آثار عمليات الترميم المنجزة على مستوى المدينة، باستثناء المباني المهددة بالسقوط، أضف إلى ذلك محدودية المساهمات المالية، من قبيل؛ عدم قدرة الساكنة على الانخراط، ومحدودية الصندوق الخاص للمحافظة على مدينة فاس لتمويل عملية إعادة تأهيل النسيج الحضري القديم، علاوة على ضعف مساهمة المحسنين، التي ظلت ضعيفة جدا، ولم تتجاوز المشاريع المنجزة داخل المدينة العتيقة منذ سنة 1993ستة مشاريع فقط.
وأبرز قضاة المجلس الأعلى للحسابات العوامل الاجتماعية الغير مساعدة على عملية إعادة التأهيل، وذلك من خلال الكثافة السكانية التي تشكل إحدى العوامل المساهمة في تشكل المخاطر (انهيار الجدران، تشويه المباني، غياب الشروط الصحية…)، فالدراسات التي قام بها البنك الدولي تقدر نسبة الأسر التي تسكن في دار واحدة بـ %35 أما باقي الدور فتقطنها ما بين 2 و10 أسر لكل دار.
وعبر المجلس الأعلى للحسابات عن قلقه إزاء النقائص التي يعرفها مستوى الحرف المرتبطة بإعادة التأهيل، على اعتبار نجاح هذه العملية، مرتبط بمدى توفر كفاءات بشرية ذات تكوين جيد، موثقين بعض الاختلالات المتجسدة في النقص التقني، وعدم إعادة الاعتبار للحرف، وصور الترسانة القانونية التي لا توفر حماية ملائمة للنسيج القديم، خاصة فيما يتعلق بالأنظمة الخاصة بالصفقات العمومية، والنظام القانوني العقاري، ونقائص في صيانة المشاريع المنجزة.
وعزز قضاة المجلس تقريرهم باستشهاد البنك الدولي الذي لاحظ الدور المحدود للوكالة في مسلسل إعادة تأهيل المدينة العتيقة، ثم محدودية نموذج تدبير خدمة إعادة التأهيل للمدينة العتيقة لفاس، إلى جانب عدم ممارسة بعض المهام، مشيرا إلى أن الوكالة لم تضطلع ببعض المهام المنوطة بها والمتمثلة في؛ بناء أحياء لإيواء جزء من ساكنة وأنشطة المدينة العتيقة، وتشييد وتجديد بنايات لإعادة إيواء السكان ونقل الأنشطة المعنية بالخدمات الجماعية.
***
مخزون ضعيف في الطاقة ومواطن بخيل في التبرع بالدم
أنهى قضاة المجلس الأعلى للحسابات تقريرهم السنوي، الذي همّ المخزونات الاحتياطية بالمغرب، بملاحظة النقص الهيكلي مقارنة مع المستوى القانوني المحدد في 60 يوما من الاستهلاك بالنسبة للمنتجات المكررة، لدى الموزعين، مسجلا أهم الفوارق لدى بعض المنتجات واسعة الاستهلاك مثل الغازوال وغاز البوتان، إذ رصد أن المخزون المتوفر بالنسبة للغازوال، عند نهاية سنة 2015 لا يكفي سوى لتغطية ما معدله 24.1 يوما من الاستهلاك كما لا يغطي مخزون غاز البوتان سوى 27.5 يوما من الاستهلاك خلال نفس السنة، وفيما يخص الوقود الممتاز، فإن المخزون المتوفر يغطي 34.8 يوما من الاستهلاك فقط.
وأفاد ذات المصدر أن مخزون الفيول لدى الموزعين يوجد في وضع حرج، إذ أن مستوياته لم تتجاوز خمسة أيام من الاستهلاك خلال سنة 2015، والذي يستعمل، أساسا، في إنتاج الكهرباء وبعض الصناعات الأخرى، وقد تم الوقوف أيضا على الفارق الكبير بالنسبة للمخزون من وقود الطائرات، الذي لا يمثل سوى 19 يوما من الاستهلاك.
وعلى مستوى النفط الخام، فإن المخزون القانوني الذي ينص على توفير 30 يوما من المبيعات من قبل شركة التكرير لا يتم احترام سوى نصفه، حيث لم يغط المخزون الاحتياطي غير 15.7 يوما من المبيعات خلال شهر يوليوز 2015.
وفيما يخص المنتجات الغذائية وقف مجلس إدريس جطو، على التوزيع المتفرق لمخازن القمح الطري بين عدد كبير من المشتغلين، حيث يضل التخزين التقليدي بالمستودعات مهيمنا بنسبة %65 من السعة الإجمالية مقارنة بالتخزين في الصوامع، علما أن هذا الأخير يوفر تخزينا أكثر جودة ويتيح تتبعا أسهلا وأكثر دقة، وعلى الرغم من أهميتها، تتميز هذه الطاقات بتمركزها في ثلاث جهات بالوسط الشمالي بحوالي %62 من الطاقة الإجمالية وهي جهات فاس-بولمان والدار البيضاء ودكالة-عبدة.
ومن جهة أخرى يبين وضع المخزون الاحتياطي للسكر أن مستواه لدى المستغل يتجاوز عموما مستوى التخزين القانوني، حيث تجاوز حجم السكر المخزن سنة 2015، شهرين من الاستهلاك، كما تم الوقوف عند أهمية واردات السكر الخام من إجمالي إنتاج السكر الأبيض، إذ شكلت هذه الواردات في المتوسط حوالي %66 خلال الفترة ما بين 2013 و2015، وتشكل هذه الوضعية تبعية للسوق الخارجية للسكر مما يشكل خطرا على تأمين الإمدادات من هذا المنتج في السوق الدولية ويعرضها لتقلبات أسعاره، علاوة على هذا، يتبين أنه لم يتم تعديل التنظيمات لتدرج الآثار المترتبة على الوضع الجديد من أجل تأمين تموين السوق الوطنية.
وأفادت دراسة المجلس أن التنظيمات المتعلقة بالمخزون الاحتياطي للأدوية تفتقر إلى الدقة في بعض المقتضيات الخاصة بالمنتجات المعنية على مستوى التخزين الاحتياطي، كما أنها لا تشمل بعض المنتجات الأساسية مثل المستلزمات الطبية، موضحا أن هذه التنظيمات لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنتجات الصيدلية التي تعد بالآلاف، حيث قامت وزارة الصحة بإعداد تطبيق معلوماتي بالمخزون الاحتياطي وتتبعه مما قد يمكن من تصحيح هذا الوضع، وهي نقطة تحتسب للوزارة المعنية.
وفيما يخص وضعية مخزون الدم في المغرب، اتضح أن مستوياته لا تزال محدودة بالمقارنة مع الاحتياجات ولا تسمح بتعزيز تأمين التزويد بهذه المنتجات، رغم التطور المهم المسجل مند سنة 2010 بخصوص التبرعات فإن الكميات المتوفرة لا تزال محدودة والتبرعات لا تتجاوز %0.9 من مجموع الساكنة إذ لا يزال هذا المستوى أقل مما هو عليه في معظم البلدان والمستويات الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، ولتوفير احتياجات البلاد من منتجات الدم، توصي هذه الأخيرة أن يكون مستوى التبرع من %1 إلى %3من الساكنة.
****
عشوائية في شعب التكوين المهني العام والخاص
أفادت فحوصات قضاة مجلس الأعلى للحسابات، لمستندات القطاع الوزاري المكلف بالتكوين المهني لسنة 2015، أن منظومة هذا الأخير تتسم بغياب خريطة توقعية للتكوين المهني، مع تأخر في إعداد وتفعيل إستراتيجية مندمجة للتكوين المهني، لاسيما صعوبة التحكم في حاجيات سوق الشغل، إضافة إلى غياب مرجع وطني للمهن والحرف والكفاءات المنجزة لجميع القطاعات.
كما وقفت دراسة المجلس عند إنجاز دراسات قطاعية من طرف مجموعة من الفاعلين بدون تنسيق مسبق مع قطاع التكوين المهني، مبرزا المواكبة الغير كافية للاستراتيجيات القطاعية، من حيث ضعف تتبع وتقييم مردودية منظومة التكوين المهني، وكذا محدودية المؤشرات المعتمدة من أجل تقييم منظومته، من قبيل؛ معدل الإدماج، ومعدل الطلب، وغياب نظام معلوماتي مندمج من أجل تتبع اشتغاله.
وسُجل على مستوى تثمين عرض التكوين المهني، كثرة المتدخلين وهيمنة مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل على محدودية التدابير المتخذة من أجل تحسين جاذبية التكوين المهني لدى الشباب، إضافة إلى محدودية نظام التوجيه بين التربية الوطنية ومؤسسات التكوين المهني، وكذا أنظمة الجسور الداخلية والخارجية.
ورصد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره على مستوى تدبير التكوين المهني في الجانب القانوني والحكامة صعوبة تنمية التكوين بالوسط المهني، ثم ضعف التدابير المتخذة من أجل تشجيع التكوين أثناء العمل، وكذا غياب إطار قانوني ينظمه، مع ضعف تأطير نظام العقود الخاصة بالتكوين المهني، ناهيك عن غياب المراقبة المادية للعقود، لاسيما ازدواجية الأنظمة الأساسية للتكوين المهني، وعدم فعالية الهيئات المكلفة بتنسيق وتقنين عرضه.
وأسهب تقرير مجلس إدريس جطو، في تنميط برامج التكوين المهني، ملاحظا غياب مخططات عمل من أجل تعميم المقاربة المرتكزة على الكفاءات، إضافة إلى غياب تقييم شامل لوضعية إرساء المقاربة المرتكزة على الكفاءات، علاوة على غياب دليل المكون ودليل الدعم.
وأبرز ذات المصدر، عدم تعميم المقاربة المرتكزة على الكفاءات من طرف جميع القطاعات المعنية بالتكوين المهني، ووجود شعب للتكوين المهني ببرامج ومستويات مختلفة، فضلا عن غياب لائحة عامة لشعب التكوين المهني.
وفيما يتعلق بمؤسسات التكوين المهني الخاص، أبدى المجلس ملاحظات جمة حول تدبير تراخيص فتح واستغلال هذه المؤسسات، من حيث عدم إنجاز الدراسة الأولية لطلبات الترخيص بفتح مؤسسات التكوين المهني الخاص، ثم نقائص مرتبطة بدليل معايير التكوين، دون الحديث عن تقييم مساطير التأهيل والاعتماد، التي رصد فيها نهج مساطير معقدة تتعلق بتأهيل الشعب الاعتماد، مع اقتصار شروط التأهيل على مراقبة احترام شروط الترخيص بفتح واستغلال مؤسسات التكوين المهني الخاص.
وأبرز ذات المصدر على مستوى تقييم شروط منح تأهيل الشعب واعتماد مؤسسات التكوين المهني الخاص، عدم احترام شروط التأهيل عند منح الاعتماد، وفي هذا الصدد مكن افتحاص عينة من ملفات طلب الاعتماد من رصد الاختلالات التالية، أولاها عدم ربط مدة صلاحية الاعتماد بمدة صلاحية تأهيل الشعب، ثم تجديد الاعتماد رغم عدم الموافقة على تجديد تأهيل إحدى الشعب الملقنة، إلى جانب نقائص في تتبع أنشطة لجن الامتحانات في مؤسسات التكوين المهني الخاص المعتمدة.
وفيما يخص إحداث وتفعيل مؤسسات التكوين ذات التسيير المفوض، لوحظ غياب النص القانوني المحدث للمدرسة العليا للابتكار والموضة، إضافة إلى منح إعانات مالية لمؤسستين للتكوين رغم عدم توفرهما على شعب للتكوين المهني.
إعداد: يوسف الخيدر(صحافي متدرب)