> فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى
ما بين الطموح في النهوض بثقافة التبرع المنتظم بالدم ومواجهة النقص المزمن المسجل في توفيره، وبين تحديات مواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها قطاع الدم سواء في الجانب العلمي أو التنظيمي والتي باتت تفرض إعادة النظر في منظومة تحاقن الدم التي يعود تاريخ وضعها إلى نحو 40 سنة، وبالتحديد سنة 1974، يتوزع طموح المدير الوطني لمركز تحاقن الدم والعاملين بالمركز، فالأمر يتعلق بالدم المادة الفريدة التي اختار المغرب أن يجعلها خدمة عمومية، خاصة وأنها في غالب الأحيان ما تكون الخيط الرابط بين المريض وبقائه على قيد الحياة، فكيف ياترى يتم مقاربة مختلف هذه الجوانب التي قد تعد محورية لتوفير مادة الدم ومشتقاته والتي تقف يوميا عليها حياة العديد من المواطنات والمواطنين، وأعتقد أن تفكيك بنية المقاربة المعتمدة لن يتم إلا عبر زيارة للمركز الوطني لتحاقن الدم في محاولة لفهم المؤسسة التي تضطلع بمختلف تلك المهام.
المركز الوطني لتحاقن الدم مؤسسة في قلب المنظومة الصحية الوطنية
مؤسسة في قلب المنظومة الصحية، هذا هو الانطباع الذي يبدو لك لأول وهلة وأنت تصل إلى مقر المؤسسة بمدينة العرفان بالرباط، والتي تم تحويل مقرها إلى حي يضم مختلف المؤسسات الاستشفائية الجامعية بالرباط بل وحتى البحثية، وأهمية المركز الوطني لتحاقن الدم ومبحث الدم تتأكد من خلال المهام التي يضطلع بها.
ويقول الدكتور محمد بنعجيبة مدير المركز الوطني لتحاقن الدم، أن المركز الذي يعد مؤسسة تابعة لوزارة الصحة، مسؤول عن السياسة والإستراتيجية والبرامج التي تتعلق بالدم، فخطة العمل الخاصة بالقطاع هي من مهام المركز، كما أنه يتكلف بشراء المعدات والكواشف التي تشتغل بها المراكز الجهوية، وهو أيضا مسؤول عن التكوين ومنح رخص إنشاء بنوك الدم جديدة للدم، حيث أن المدراء الجهويين لمراكز تحاقن الدم لا يمكنهم إنشاء بنك للدم دون الرجوع إلى مسؤولي المركز الوطني.
وحينما تسأل الدكتور بنعجيبة عما يعنيه بـ»السياسة»، يوضح أن للمركز برنامج وإستراتيجية تمتد على سنوات 2012 -2016، وهي تتضمن أهداف مسطرة، يأتي على رأسها النهوض بالتبرع بالدم التطوعي وسط المواطنات والمواطنين لإنقاذ حياة المرضى الذين تتوقف حياتهم على هذه المادة، والتي يجب قبل أن تصل إليهم أن تخضع لجميع التحاليل التي تؤكد سلامتها وخلوها من الأمراض المعدية الخطيرة من مثل السيدا والتهاب الكبد الفروسي، والسيفيليس.
إجابات الدكتور بنعجيبة، لبيان اليوم، تبرز أن التحدي الذي يعمل المركز من أجل رفعه يتمثل أساسا في توسيع ثقافة التبرع المنتظم والمستمر بالدم لدى المغاربة، خاصة وأنه المادة التي رغم التطور العلمي الهائل، فإنها تبقى المادة الثمينة بمثابة جزء من جسم الإنسان، لم يتم التوصل إلى تصنيعها أو وضع بديل لها، بل ولن نجدها في الصيدليات، لأن المغرب اختار نهجا يجعل إحدى مؤسسات الدولة الجهة المشرفة حصرا على القطاع.
ويؤكد ذلك من خلال الإعلان أن المركز يراهن أن يتم في نهاية 2016، رفع تحدي التبرع المنتظم والمستمر، ولم يفت الدكتور بنعجيبة أن ينبه في هذا الصدد إلى أن التركيز يهم توسيع التبرع التطوعي، على اعتبار أن هناك نوعين من التبرع، تبرع عائلات المرضى، والتبرع التطوعي الذي يأتي تلقائيا من المواطنات والمواطنين، مستطردا بالقول «نركز في سياستنا على التبرع التطوعي الذي يعد أحد التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، خاصة وان التبرع التطوعي تسجل فيه نسبة عالية من السلامة، والوصول في نهاية 2016 إلى جعل جميع المتبرعين مائة في المائة متطوعين وبشكل منتظم».
وحول الوسائل التي يستعملها المركز لتحقيق هذا الهدف بجعل مادة الدم التي تعد إحدى المواد الثمينة التي لم تخضع للتسليع متاحة للمرضى، أفاد الدكتور بنعجيبة أن المركز الوطني يقوم بمعية المراكز الجهوية الستة عشر، على تخصيص فرق متنقلة والرفع من عددها هدفها وضع بنية قريبة من المواطنين للتبرع بالدم، مقرا في ذات الوقت بوعي المركز بأهمية تأهيل العنصر البشري في مجال التواصل مع المتبرعين الطوعيين لخلق نوع من العلاقة التي تمكن من جعل المتبرع الظرفي متبرعا منتظما.
كما يحرص المركز في ذات الوقت على توفير الدم في جميع المؤسسات الاستشفائية بحيث يتم إنشاء بنوك للدم بها يمكن عبرها تلبية حاجيات المرضى في الحين، يؤكد المتحدث.
عمل لايخلو من إكراهات عديدة
بهذه العبارات يبدأ مدير المركز الوطني إجابته حينما تطرح عليه سؤالا يخص أبرز التحديات التي واجهها خلال مدة خمس سنوات أي منذ تسلم مهامه على رأس المركز الوطني لتحاقن الدم.
«الإكراهات عديدة»، لكن أبرزها تلك التي تتعلق بضرورة تجديد منظومة تحاقن الدم، فالمنظومة متقادمة إذ تعود إلى سنة 1974، في حين الاحتياجات تتزايد والتطور العلمي يتسارع، مما بات يفرض على المركز التوفر على الإمكانيات لمسايرة هذا التطور ومواكبة كل هذه التحديات التي تخص تدبير القطاع، يقول المدير
ولأن التطور لا يمكن في بعض الحالات إلا بالاستفادة من تجارب مقارنة، يوضح بنعجيبة، أنه في فرنسا مثلا، عرفت منظومة تحاقن الدم تطورا متسارعا حيث انتقلت من مركز وطني إلى وكالة تم إلى مؤسسة عمومية، مضيفا «نحن في المغرب نتطلع إلى تحويل المركز إلى وكالة، وهناك نقاش يسير في هذا الاتجاه، علما أن مشروعا كان قد تم طرحه قبل سنوات من طرف المديرة السابقة للمركز الوطني لتحاقن الدم، الراحلة البروفيسور نفيسة بنشمسي».
وللمزيد من التوضيح لسبب الطموح في تحويل المركز الوطني إلى وكالة ولو أنه، حسب ما يتداول في فرنسا، أن ما تم الوصول إليه هناك أصبح متجاوزا وبات يتطلب إصلاحا جديدا، يشير الدكتور بنعجيبة، أن منظومة تحاقن الدم المعمول بها في المغرب تقادمت ولم تعد تساير التطور الحاصل والحاجيات المتزايدة، فمن جانب هناك تحدي ديمومة نظام ضمان السلامة الذي يتطلب مواكبة التطورات العلمية للكشف عن الأمراض الجديدة كالسيدا وغيرها، ومن جهة ثانية بات الواقع يفرض التوفر على مزيد من الموارد البشرية خاصة وان استراتيجية المركز تراهن على الرفع من عدد المتبرعين المنتظمين، والتمكن من تحقيق ذلك يتطلب موارد بشرية وماليةّ.
الانضباط لنظام الجهوية وللخريطة الصحية
وفيما يتعلق بالتنظيم في حد ذاته، وما إن كان الأمر يعني إعادة التوزيع الجغرافي للمراكز الجهوية وفق نظام الجهوية الجديد، أم مجرد تغيير في ضوابط ومساطر العمل، يفيد المدير أن الأمر يتعلق بالانضباط لنظام الجهوية فضلا عن الانضباط للخريطة الصحية، وهما عنصران يشكلان المرجعيات التي يسعى المركز الوطني الانضباط لقواعدهما .
وشدد في هذا الصدد، أن المركز الوطني يعمل لإقرار نظام جديد يتلاءم هاذين المرجعين ،فضلا عن اعتماد الإدارة الإلكترونية، حيث تم اقتناء نظام التدبير المعلوماتي لمؤسسات تحاقن الدم في المغرب وهو معمول به على مستوى الدار البيضاء والرباط وسيعمم على باقي المراكز الجهوية لتحاقن الدم، حيث يوجد قيد التكييف مع منظومة التنظيم للقطاع، مشيرا بهذا الخصوص أن العملية معقدة حيث أن دولا مثل بلجيكا قضت عشر سنوات في عملية تكييف منظومتها على اعتبار أن الأمر يهم معطيات دقيقة لايمكن تسجيل أي خطأ بشأنها، لذا يجب التروي عند وضعها.
وكشف من جانب آخر، أن المشكل الذي يواجهه المركز يتعلق بالتداخل الحاصل في المهام بين مختلف المسؤولين في المجال الصحي وبين المركز، ويتم حاليا العمل من أجل إقرار نظام جديد بحيث يصبح للمركز الوطني لتحاقن الدم الاستقلالية المالية والاستقلالية في التدبير .
وما يسجل حاليا أن الكلفة المالية للقيام بالمهام التي يضطلع بها المركز الوطني لتحاقن الدم، تأتي نسبة منها من وزارة الصحة التي تساهم في ميزانية التسيير بنسبة 25 في المائة، وميزانية الاستثمار، فالمركز لم يكن لديه قبل 2010 ميزانية مخصصة للاستثمار لكن منذ 2011 أصبح يحصل على الميزانية الاستثمار والتي عبرها بات المركز يقتني التجهيزات العالية التقنية والتي تعد ضروري التوفر عليها لضمان توفير المركز لمادة الدم ومشتقاته ذات جودة تطابق المعايير الدولية .
ولأن مواجهة الخصاص في الدم ومشتقاته، قد تعتبر المهمة التي من أجلها تم إحداث المركز، فماذا نعني أصلا بالدم ومشتقاته، يفيد بنعجيبة أن منتجاب الدم ثلاث أنواع ينتجها المركز، ويتعلق الأمر بكريات الدم الحمراء التي يمكن تخزينها لـ42 يوم، والصفائح الدموية التي يمكن تخزينها ل 5 أيام فقط والمصل الذي تصل مدة تخزينه إلى سنة كاملة .
تعدد النداءات بالتبرع الطوعي بالدم ودينامية المجتمع المدني
وحينما تسأل المسؤول عن المركز عن تعدد النداءات التي أطلقها خلال السنة المنصرمة في اتجاه المواطنات والمواطنين للتبرع بالدم، يكشف بنعجيبة أن هناك فترات يقل فيها عدد المتبرعين وقد ينعدم خاصة أيام العطل المطولة، والمركز لاينتظر حتى يصل المخزون إلى الصفر لإطلاق نداء بالتبرع، بل بمجرد ما تصل الكمية إلى نسبة معينة لاتتعدى تلبية حاجيات يومين يتم إطلاق النداء.
وأضاف قائلا»أحيانا حينما ينزل المخزون وتفاديا لحصول الأزمة قد نلجأ لنقل الدم من مراكز أخرى، فـ»خلال الأسبوع الماضي نقلنا الدم من مكناس إلى الرباط تفاديا لحصول خصاص، فالأمر يتعلق بحياة أشخاص ولايمكن أن نخاطر بجعل المخزون في مستوى معين قد لايكفي خلال العطلة الأسبوعية التي كانت مطولة لتزامنها مع فترة أعياد مثلا «
وبالنسبة لحجم التبرع وإن كان يختلف من جهة لجهة ، يكشف أنه بالطبع يختلف، ففي وجدة يصل إلى 2 في المائة، فيما النسبة الوطنية تصل إلى 0,95 في المائة، علما أن منظمة الصحية العالمية توصي بأن يصل المعدل الوطني على الأقل 1 في المائة، وتوصي في ذات الوقت أنه من الأفضل أن يبلغ 3 في المائة.
وأكد على تسجيل رقم مهم في عدد المتبرعين طوعيا بالدم، خاصة وأن جلالة الملك خلال السنة الماضية شارك بدوره في العملية التحسيسية الوطنية بتبرعه بالدم، وأوضح عبر معطيات هذا التقدم المسجل في عدد المتبرعين بالإشارة إلى أنه ما بين 2000 إلى 2010 تم الرفع من عدد المتبرعين بشكل كبير، وقد مر ذلك بمرحلتين، ما قبل سنة 2010، حيث بلغ عدد المتبرعين 99 ألف متبرع، ومرحلة ما بعد 2010 حيث سجل حجم التبرعات رقما مهما حيث وصلت إلى 111 ألف « فهناك عمل جبار تم القيام به على مستوى التحسيس» يستطرد المتحدث.
ولكن رغم ذلك يشير المسؤول أن معدل التبرع بالدم في المغرب لم يتجاوز خلال السنة المنصرمة نسبة 0.95 في المائة من الساكنة، أي بواقع 280 ألف متبرع، 15 في المائة هم فقط من جددوا تبرعهم، حيث يستأثر التبرع التطوعي في المغرب بنسبة 87 في المائة،وأكد أن إقناع المواطنين بالتبرع لثلاث مرات في السنة سيسهم في الرفع من عدد المتبرعين إلى قرابة 900 ألف، وهو ما يمثل 3 في المائة من نسبة السكان الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
وحينما تسأل عن مساهمة الدينامية التي سجلت على مستوى المجتمع المدني في الرفع من حجم المتبرعين، يؤكد الدكتور بنعجيبة على أهمية مساهمتها في ذلك، مشددا على ضرورة ذلك وملحاحيته فالمركز وضع مسؤولا واستراتيجية خاصة بالتبرع لكن مع ذلك لابد من مشاركة فعلية وحثيثة للمجتمع المدني وقيامه بحملات داخل المؤسسات التعليمية لغرس قيمة التبرع وثقافتها في الجيل الصاعد.
و في رده حول أهمية اعتماد المعتقد الديني لحث الناس على التبرع، في حين أن الأمر يجب أن يكون عملا إنسانيا يتم القيام به بشكل تلقائي اعتمادا على قيم إنسانية ،اعتبر أن العامل الديني عامل أساسي ويستعمل في جميع المراكز المنتشرة في مختلف بلدان العالم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتم تنظيم حملات للتبرع بالكنائس ، قائلا» نحن في المركز الخطاب الذي نستعمله لحث الناس على التبرع يختلف حسب الفئات المستهدف إقناعها ، حيث نشتغل وفق منظومة متكاملة تختلف حسب البيئة التي نشتغل فيها إذا أردنا الوصول إلى النسبة التي رفعناها كتحدي، والخطاب يجب أن يكون مستمدا من الواقع المجتمعي «.