المسؤولون حائرون..

اجتمعوا، قرروا، لكنهم لم ينفذوا، حدث هذا قبل ثلاث سنوات بمقر وزارة الداخلية، واليوم سيعودون للاجتماع لتناول نفس الموضوع، لكن هذه المرة بمقر جامعة كرة القدم.
الأمر بتعلق بموضوع الشغب المرافق للمباريات الرياضية، وخاصة في رياضة كرة القدم التي حطمت كل الأرقام ومست معظم الشرائح والأعمار.
سبق أن تم الاتفاق على 12 إجراء، ومنذ ذلك الحين تطرح تساؤلات حول عدم تفعيل المقتضيات التي تقررت بحضور مجموعة من القطاعات الحكومية منها وزارة الداخلية، العدل والحريات، الشباب والرياضة، مديرية الأمن الوطني، بالإضافة إلى جامعة كرة القدم، والعصبة الاحترافية.
كما أن اللجان المحلية والهيئات المشتركة التي تم تشكيلها خاصة تلك المتعلقة بالشروط الواجب اتخاذها داخل الملاعب المحتضنة لمباريات البطولة الوطنية لكرة القدم، بقيت حبرا على ورق.
فبمقر أم الوزارات، سبق أن أعلن عن إستراتيجية لاحتواء الظاهرة، تنخرط فيها كافة القطاعات المعنية، كونت لجان محلية للإشراف على تنفيذ هذه الإجراءات، مع ضرورة حضور ممثل النيابة العامة بالاجتماعات التحضيرية قبل وخلال المباريات. لكن لا شيء من ذلك تحقق، وانتظر المسؤولون اندلاع الأحداث الأخيرة هذا الموسم بمدن أكادير ومراكش ووجدة والرباط، وتصاعدها بشكل متزايد وصل إلى مرحلة الخطورة، ليقرروا العودة مرة أخرى للاجتماع، وكأن الأمر مجرد استهلاك ظرفي وإعلامي موجه للعموم.
إنه بالفعل تطور خطير يصل إلى مستوى السلوك الجماعي المنظم والمبني على التخطيط والانتقام بغرض الإساءة والتخريب وحتى نية القتل، فأعمال الشغب والعنف المرافقة للأنشطة الرياضية، أصبحت تعرض حصيلتها أسبوعيا على غرار الأنشطة الرياضية ونتائج المنافسات، لتتحول إلى عناوين صادمة لواقع حقيقي، رغم الاحتياطات الاحترازية والتدابير الأمنية المتخذة أسبوعيا، والتي تحول جنبات الملاعب والقاعات والأحياء المجاورة لها إلى ثكنات عسكرية حقيقية.
منحى خطير دخله العنف والشغب المرافق للأحداث الرياضية، وتطوره ينذر بكارثة حقيقية، في وقت ما يزال التعامل العام والرسمي والأمني والإعلامي مع هذا الشغب والعنف المتزايد، كظاهرة عابرة، تبرز في بعض الحالات المحدودة، في حين أن الأمر تحول إلى واقع خطير يقتضي اتخاذ مخطط استعجالي لمواجهة تطور هذا الإجرام المنظم، والذي وصل إلى حدود العمل الإرهابي.
فلتتخذ إجراءات عملية لا يجب أن تنحصر فقط في معاقبة الأندية أو اتخاذ عقوبات فردية لا تصل إلى مستوى حجم كل هذا الإجرام المنظم، إن الأمر خطير، وبالتالي لا بد من مواجهته بأقصى العقوبات في حق المتسببين فيه، سواء كانوا أفرادا أم جماعات.
صحيح أن هناك مسؤوليات مباشرة في كل ما يحدث، بدء من المسؤولين عن النادي، مرورا بالمكلفين بالأمن والتنظيم داخل الملاعب وخارجها، وجمعيات المحبين والإلترات، وصولا إلى الإعلامي المتخصص، كل هؤلاء المتدخلين وغيرهم يتحملون نصيبا من المسؤولية في تحول المباريات الرياضية إلى مرادف للتخريب والتكسير والاعتداءات التي تؤدي أحيانا إلى القتل والعاهات المستديمة.
لكن النظرة الموضوعية للأشياء تفرض إبراز عوامل أخرى غير المباشرة، لكنها تساهم بقوة في تأجيج شرارة الأحداث، منها ما هو تربوي ونفسي واجتماعي واقتصادي، لتجد الرياضة نفسها عرضة لمشاكل قطاعات أخرى، حيث تتحول الملاعب والقاعات الرياضية إلى فضاءات لتفريغ كل المكبوتات، ويصبح “الخصم” الرياضي بمثابة عدو يستحق القتل والنسف، وينسحب هذا الوصف على كل ما يحيط بالملعب من أشخاص وممتلكات عامة وخاصة…
المؤكد أن المقاربة الأمنية تتزايد أهميتها مع تطور وتوالي الأحداث، إلا أنه لابد من تدخل جوانب أخرى لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بالموضوع من خلال مقاربة شمولية مندمجة يشارك فيها الباحث الاجتماعي والفاعل الاقتصادي والطبيب النفسي والسلطة القضائية والمسير والحكم وكل المتدخلين، دون أن يستثني دور الإعلام الرياضي الذي يمارس في بعض الأحيان سواء عن قصد أو دونه نوعا من الإثارة بهدف البيع وجلب القراء، إلا أن ذلك يأتي بنتائج عكسية تماما، مع ضرورة إشراك الجمهور المعني بالأمر أكثر من غيره.

محمد الروحلي

Top