يخلد المغرب، يومه الثلاثاء 18 دجنبر 2018، على غرار باقي دول العالم، اليوم العالمي للمهاجرين. ويأتي الاحتفال بهذا العيد خلال هذه السنة، بعد المصادقة على “ميثاق الهجرة” للأمم المتحدة من طرف 160 دولة، بمدينة مراكش، مطلع الأسبوع الماضي.
فقد شهدت العاصمة الحمراء خلال الشهر الجاري، تنظيم المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، بمبادرة من المغرب وألمانيا. وكان هذا المنتدى أرضية نقاش لميثاق الهجرة، حيث أثنى العديد من المسؤولين الدوليين على التزام المغرب، ومشاركته الفعالة في حسن تدبير التدفقات العالمية للبشر.
اليوم العالمي للهجرة يعتبر، بالنسبة للمغرب، مناسبة لاستحضار الجهود التي بذلتها المملكة لمعالجة إشكالية “الهجرة”، وفي مقدمتها حصيلة سياستها الجديدة للهجرة واللجوء، بعد مرور سنتين على إطلاقها، والتي تمت بلورتها وفق مقاربة “إنسانية في فلسفتها وشمولية في مضمونها”.
ويأتي تخليد اليوم العالمي للهجرة، في ظل تصاعد مجموعة من الأصوات المتطرفة، المناهضة لظاهرة الهجرة، لاسيما في الأراضي الأوروبية، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا وأن العالم، يشهد في الوقت الحالي، تدفق موجات غير مسبوقة من المهاجرين وطالبي اللجوء، لم يسجل لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بفعل تضافر العديد من العوامل، بعضها ذات طبيعة سياسية وأمنية، في حين يكتسي بعضها الآخر بعدا اقتصاديا صرفا.
وبلغ عدد المهاجرين الموزعين اليوم في مختلف دول العالم، حوالي 240 مليون شخص، في الوقت الذي لم يكن يتجاوز فيه هذا العدد، قبل ثلاثة عقود، 170 مليون مهاجر، لاسيما وأن موجات الهجرة لم تعد مقتصرة على الانطلاق من بلدان الجنوب إلى نظيرتها في الشمال، بل أيضا، انضافت إليها مسارات جديدة تتمثل في الهجرة جنوب-جنوب، وبالخصوص، باتجاه البلدان التي توصف بـ”الصاعدة”، ومن بينها المغرب.
ويعتبر المغرب من بين الدول التي قامت بتسوية وضعية أزيد من 18 ألف مهاجر خلال سنة 2014. كما تم قبول كافة الطلبات المقدمة من طرف النساء والأطفال (أي بنسبة 100 في المائة)، والتي بلغت 10 آلاف و178 طلبا، علما بأن هذه العملية، التي انطلقت رسميا في نونبر 2013، استفاد منها مواطنون من 116 جنسية.
ولم يقف الأمر عند تسليم هؤلاء المهاجرين بطاقات الإقامة بالمملكة، أو تمكينهم من إعانات إنسانية، بل تعداه إلى إطلاق برامج لإدماجهم في الحياة النشيطة، ذلك أنه فضلا عن إطلاق حملة “روابط” للعيش المشترك، التي تهدف إلى حماية حقوق المهاجرين عبر برامج مع المجتمع المدني، جاء تنظيم الدورة الأولى لأسبوع المهاجرين أيضا بهدف تحقيق الإدماج الاقتصادي لهذه الفئة من خلال الإعلان الرسمي عن رزنامة الخدمات المقدمة لفائدة المهاجرين والإطلاق الرسمي لبرنامج الإدماج السوسيو – مهني للنساء المهاجرات عن طريق التكوين المهني.
كما يتعلق الأمر بإطلاق برنامج التكوين المهني للمهاجرين على المستوى الوطني (ما يقارب 1000 مستفيد)، وتنظيم المنتدى الجهوي الأول للإدماج الاقتصادي للمهاجرين بمدينة فاس بهدف تعبئة فعاليات القطاع العام والخاص من أجل إدماج المهاجرين في سوق الشغل.
وهكذا، وبالرغم من أن إشكالية الهجرة تتميز بتعقيداتها وتتسم بطابعها المركب، فقد نجح المغرب في تدبيرها بحكمة وعقلانية كبيرتين، وفق مقاربة مسؤولة تجاوزت المنظور الأمني الضيق، إلى مقاربة أخذت بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والحقوقية لهذه الإشكالية، وذلك بفضل استباقه للأحداث التي تعتمل في مختلف أنحاء العالم.
< يوسف الخيدر