المغرب وفلسطين -الحلقة 14-

تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات 

في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية

انتفاضة الأقصى الثانية.. حين انتفض الشارع العربي والمغاربي دعما لـ”أطفال الحجارة”

تعتبر انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت في 28 شتنبر 2000 واحدة من أبرز فصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ شكلت نقطة تحول في مسار المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد انطلقت شرارة الانتفاضة عقب زيارة استفزازية قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، أرييل شارون، إلى المسجد الأقصى في القدس، وهو ما أشعل غضب الفلسطينيين وزاد من حدة التوترات في الأراضي المحتلة.
كانت هذه الزيارة بمثابة الشرارة التي اشتعلت وأخرجت الفلسطنيين للمقاومة ومواجهة الانتهاكات من قبل الاحتلال في حقهم. إذ كان الاحتلال الإسرائيلي قد مارس على مر السنين اعتداءات متواصلة على حقوق الفلسطينيين.
وإذا كانت تعتبر الانتفاضة الثانية رد فعل على زيارة شارون للمسجد الأقصى، فإنها لم تكن مجرد رد فعل على حادثة واحدة، بل كانت تعبيرًا عن رفض الشعب الفلسطيني للظلم المستمر والاحتلال الوحشي الذي فرضته القوات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية. فمنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وتعرض الفلسطينيين لسياسات التهجير والمصادرة اليومية، عانى الشعب الفلسطيني كثيرًا من القمع العسكري والممارسات الاستيطانية، التي جعلت حياته اليومية جحيمًا مستمرًا.
ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، كانت هذه الانتفاضة بمثابة استجابة طبيعية للممارسات الوحشية التي تستهدف وجودهم وحقوقهم. على الصعيد الفلسطيني، كان الرد على تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في انتفاضة الأقصى شديدًا، حيث نزل الفلسطينيون إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم المشروعة في الحرية والكرامة. وقد شهدت الانتفاضة تحولًا نوعيًا في أساليب المقاومة، مع تزايد العمليات الاستشهادية التي كانت تقابل بعنف غير مسبوق من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
القوات الصهيونية لم تتردد في استخدام كامل قوتها العسكرية، حيث شنت هجمات بالطائرات الحربية والدبابات، وقامت بقصف المناطق الفلسطينية، مما أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية.
ومع استمرار القمع الوحشي من الاحتلال الإسرائيلي، الذي سعى بكل الوسائل إلى سحق الانتفاضة الفلسطينية، كانت الحصيلة الفادحة للأحداث واضحة، فقد عملت قوات الاحتلال على تدمير المنازل والمزارع، وملاحقة الفلسطينيين عبر الحواجز العسكرية، مما فاقم من معاناة الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من هذه الهجمات الوحشية، فشلت القوات الصهيونية في كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي ظل ثابتًا في مقاومته، مؤكداً على أن حريته وحقوقه لا يمكن أن تكون عرضة للتنازل.
إن المسؤولية عن تصعيد الصراع وتحويله إلى حرب مفتوحة تقع بشكل كامل على عاتق الاحتلال الإسرائيلي. فقد رفض الاحتلال كل محاولات السلام، واستمر في سياساته الاستيطانية والعسكرية في الأراضي الفلسطينية، مما فاقم من معاناة الفلسطينيين وعمق الجراح. وعلى الرغم من الجهود المستمرة لإحلال السلام، إلا أن الاحتلال كان دائمًا يرفض الحلول العادلة، ويصر على تكريس احتلاله واستمرار سيطرته على الأرض الفلسطينية.
على الصعيد الاقتصادي، كانت انتفاضة الأقصى ضربة قاسية للاقتصاد الفلسطيني، الذي كان يعاني أصلاً بسبب سياسات الاحتلال التي فرضت حصارًا خانقًا على الأراضي الفلسطينية، ومنعت حركة التجارة وأغلقت المعابر. وتسبب القصف المتواصل للمنازل والمدارس والمستشفيات في تدهور الوضع الإنساني، وأدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية الفلسطينية، مما جعل حياة الفلسطينيين أكثر صعوبة.
أما على الصعيد السياسي، فقد ظل الاحتلال الإسرائيلي يعزز من مستوطناته في الأراضي الفلسطينية، ويضاعف من عنف قواته ضد المدنيين الفلسطينيين، بينما استمر الفلسطينيون في مقاومة هذا الاحتلال بكل السبل المتاحة. ومع فشل محادثات السلام، كان الاحتلال هو المسؤول عن تعقيد الوضع أكثر فأكثر، مما جعل الوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية أكثر تعقيدا.
أدت هذه الأحداث إلى انتفاضة واسعة في الشارع العربي والمغاربي، حيث خرجت آلاف التظاهرات الشعبية بمختلف العواصم تنديدا بسياسة الاحتلال. وهنا في المغرب، كان تفاعل الشعب المغربي مع انتفاضة الأقصى الثانية سريعًا وحماسيًا.
فمنذ اندلاع الانتفاضة، خرجت الحشود المغربية في مظاهرات حاشدة في مختلف المدن، مرددة شعارات تدين الاحتلال الإسرائيلي وتؤكد على دعم القضية الفلسطينية. المغاربة، الذين لطالما كان لديهم ارتباط قوي بالقضية الفلسطينية، عبروا عن تضامنهم العميق مع الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الصهيوني. حملت المظاهرات الرايات الفلسطينية وصور الشهداء، وتوحدت الأصوات في مطالبات بتحرير فلسطين ووقف الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الصعيد الرسمي، عبرت الحكومة المغربية عن دعمها الثابت للقضية الفلسطينية، حيث أدانت الاعتداءات الوحشية التي كانت ترتكبها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين، وأكدت على دعم المغرب المتواصل للفلسطينيين.
إلى جانب ذلك، العديد من الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية المغربية بادرت بتنظيم حملات لجمع التبرعات لصالح الفلسطينيين، كما تم إرسال المساعدات الطبية والإنسانية إلى المناطق الفلسطينية المتضررة. كذلك شارك المثقفون والإعلاميون في المغرب في نشر الوعي حول ما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظلم، من خلال المقالات والبرامج الإعلامية التي تركز على انتفاضة الأقصى وتداعياتها.
هذا التفاعل العميق يعكس الالتزام العاطفي والسياسي الذي يربط الشعب المغربي بالقضية الفلسطينية، ويؤكد على أن فلسطين ستظل قضية المغاربة الأولى، وقضية كل المغاربة والعرب مهما كانت التحديات ومهما حاول الاحتلال اختراق الوعي الثقافي والسياسي للشعوب.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top