مدرسة الريادة: إشكالية التكلفة وخطأ إقرار أكثر من صيغة واحدة للكتاب المدرسي بالمغرب

منذ تعيين وزير التربية الوطنية والتعليم الأول والرياضة إثر التعديل الحكومي الأخير، والكل ينتظر قراراته الأولى خصوصا فيما يتعلق بإصلاح المدرسة المغربية وإقرار ما يعرف بمدارس الريادة. ومع حلول موعد مناقشة الميزانية القطاعية الخاصة بالتربية الوطنية ضمن لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب برسم السنة المالية 2025. بدأت الإرهاصات الأولى والعلامات الأولى لتوجه الوزير الجديد في البروز. فمناقشة الميزانية هذه تخللتها عدة معطيات وأرقام ثم توجهات وأهداف سيتم التركيز عليها مستقبلا وضمنها تحسين ترتيب المغرب في ميدان التعليم وكذا تحسين نتائج التقويم الدولي PISA الذي تحدث بخصوصه وزير القطاع بالتزام الوزارة بخصوص ذلك وترجمة هذا الالتزام بالرفع من ميزانية التربية الوطنية خلال الموسم الدراسي المقبل. وهذا ما بات جليا من خلال المذكرة الوزارية 21/2025 بخصوص التعبئة حول البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ PISA 2025.

1) إشكالية الأرقام والنسب واستمرار الوزارة في خطاب الطمأنة وتأكيد سلامة مسار الإصلاح:

من جملة الأرقام التي تستأثر بالاهتمام أكثر في معرض ردود السيد الوزير داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال إثر مناقشة الميزانية، نجد المبلغ الإجمالي لميزانية القطاع الذي انتقل من 87 مليار درهم إلى 92 مليار خلال سنة 2025. حيث أن نسبة ميزانية القطاع من الناتج المحلي الإجمالي ستبلغ 6% وهو ما جعل السيد الوزير يصف المغرب بكونه ضمن مصاف الدول الرائدة في هذا المجال بطموح تحسين ترتيب المغرب من الرتبة 75 إلى رتبة قريبة من ترتيب تركيا مابين 40 و45. فجدير بالذكر أولا بأن نسبة ميزانية التعليم بتركيا من الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت 18 %خلال سنة 2023، كما أن تحسين الترتيب بما يقارب 30 رتبة لن يتأتى إلا من خلال ميزانية ضخمة جدا ولعدة سنوات لا يمكن اختصارها في 3 سنوات التي تحدث عنها السيد الوزير. فالإمارات العربية المتحدة التي تحتل الرتبة 41 في ميدان التعليم نجد نسبة ميزانية القطاع فيها تصل 14.3% ثم الدنمارك المحتلة للرتبة الثانية عالميا نجدها تخصص 9.3% من ناتجها الإجمالي للتعليم. أما بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية فالجميع يعلم بأن كل ولاية لها قوانينها الخاصة ولها توجهاتها الخاصة في كل قطاع، فواشنطن تخصص 8.8 مليار دولار للتعليم بينما ولاية فلوريدا تخصص 22.8 مليار دولار من ميزانيتها للتعليم. من هنا يتضح بأن خطاب الوزارة قد اتسم في صيغتها الثانية بعد التعديل، باستمرار تغليب منطق الطمأنة والتلاعب بالأرقام لكسب التأييد خصوصا عند تصحيح نسبة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي من خلال إحصائيات صندوق النقد الدولي والتي تبلغ بالضبط 5.6% فقط، لتبقى الوزارة الوصية على القطاع والحكومة ككل من خلال برنامجها الحكومي، مطالبة ببذل مجهود أكبر والرفع من ميزانية التعليم أكثر إن كان فعلا إصلاح القطاع ضمن أولوياتها الاستراتيجية الآنية.

2) الكلفة المالية لمدارس الريادة وبيع الكراسات في المكتبات مؤشر بدلالات عميقة:

منذ التحاق الوزير الحالي للقطاع ومسألة الكلفة المالية تستأثر بالاهتمام الكبير، حيث طالب بكل المعطيات المتعلقة بذلك ثم حاول خلال ردوده داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال الإجابة عن مجموعة من الإكراهات المهددة للمشروع في الجانب المالي وخصوصا ما ذكره في الجانب المتعلق بالتكوين المستمر للمفتشين والأساتذة ومسألة الكتاب المدرسي أو كراسات الاشتغال في مدرسة الرائدة التي تقرر عرضها للبيع في المكتبات ابتداء من الموسم الدراسي 2025/2026. وهنا لابد من الإشارة إلى دبلوماسية السيد الوزير الكبيرة في مناقشة هذه النقطة الخاصة بالكلفة، حيث ابتعد بشكل واضح عن مناقشة مسألة المنحة الخاصة بالريادة ومبلغها المتزايد سنة بعد أخرى من جهة. ومن جهة أخرى لم يتطرق لمسألة تعويضات الفئات المتدخلة في التنزيل والتي لم تذكر في أية وثيقة رسمية ورغم ذلك تصرف لفائدة مستحقيها من الفئات المنزلة للمشروع، وذلك ابتعادا عن أية نقطة أو انتقاد مبطن لاعتماد التعويض أو المنحة الذي من شأنه خلق احتقان جديد داخل المؤسسات المحتضنة للمشروع.
غير أن قرار السيد الوزير برفع المجانية عن الكراسات المتعلقة بالريادة أو كتابها المدرسي ستكون له تبعات غير محمودة على سير المشروع نذكر منها:
> سيكون المغرب البلد الوحيد الذي يعتمد صيغتين من الكتاب المدرسي أولاهما صيغة متعددة الكتب موافقة للمنهاج الدراسي الرسمي، وثانيتهما صيغة تجريبية لمدرسة الريادة. وفي حالة السير في هكذا اتجاه، ستتحمل المدرسة المغربية العمومية انتقادات كبيرة خصوصا من الهيئات التقويمية الدولية وكذا المؤسسات المانحة للاعتمادات المالية.
> طرح كتاب تجريبي للبيع في المكتبات سيربك المشروع جراء تعارض مصالح الناشرين المادية بالخصوص مع ما سيترتب عن عملية التنقيح من تغيير سنوي على الأقل لهذا الكتاب. وهنا سيتكرر سيناريو كتب التعليم الأولى التي امتنع الناشرون عن طبعها إلى غاية بيعهم للمخزون القديم من الكتب آنذاك عند بدء العمل بالإطار المنهاجي للتعليم الأولي سنة 2018.
> طرح الكراسات للبيع في المكتبات سيجعل عمليات التنقيح سنوية وليست مرحلية أو أسبوعية كما هو المعمول به حاليا وبالتالي برمجة العمل الخاص بفرق التأليف بشكل سنوي سيكون غير قابل للتدارك والتصحيح خلال سير التنزيل على مدار الموسم الدراسي كما هو اليوم.

3) الانهيارات المؤثرة في أركان مشروع مدارس الريادة:

إن مناقشة الكلفة المالية للمشروع بالشكل الذي طرحه الوزير أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال قد أسقط السيد الوزير في خطأ الاعتراف بكون ما يشار إليه بكون مدارس الريادة تقصي المتفوقين ولا تأخذ احتياجاتهم بعين الاعتبار، حيث برر الوزير المكلف بالقطاع بكون هذه الفئة غالبا ما تنتمي لأسر تواكب أبناءها بالساعات الإضافية وهذا القول يحمل اعترافا بكون هذه الفئة لا تشكل أولوية لدى مهندسي المشروع، هذا علما أنها الفئة التي تحقق نتائج مرضية في المنافسات والأولمبياد الإفريقية وكذا تحسين معدل المتعلمين المغاربة في التقويمات الدولية التي أكد السيد الوزير التزام المغرب بتحسين نتائجها. ومن خلال ذلك فتحقيق الجودة للجميع متفوقين وغير ذلك هو السبيل الوحيد لتصحيح الوضع الواصف للمدرسة الرائدة بكونها مدرسة المتعثرين فقط وهو ركن أساسي من أركان المدرسة العمومية الرائدة فعلا.
كما أن مناقشة التبعات المالية للمشروع أيضا تؤشر على مناقشة صفقاته وطرق الصرف واعتمادات كل بند من بنوده، حيث يحتمل أن تحمل الأيام القادمة تغييرات في كل ذلك، عندما سيتضرر الركن الثاني المتعلق بالتحفيز إثر الحصول على المنحة مرة واحدة فقط ثم حذفها، وكل هذا بعد انهيار الركن الثالث المتعلق بحرية الرغبة في الانخراط خصوصا عند تحديد المؤسسات المقترحة للموسم الدراسي 2025/2026 والتي أصبح فيها الاختيار للمديريات الإقليمية بشكل فوقي دونما أي اهتمام برغبة الفاعلين المنتمين لتلك المؤسسات.
إن نجاح أي مشروع إصلاحي يستهدف قطاع التربية والتكوين ويطمح لتحسين مخرجات النظام التربوي بصفة عامة يستلزم بشكل قطعي تغيير النظرة اتجاه المدرسة من خلال جعلها ذلك الفضاء الذي يعد المتعلم للحياة ويدربه للانخراط الفاعل في تنمية مجتمعه، والتخلص من فكرة كونها فقط مكانا لتلقي المعلومات والمعارف التي بات عالم اليوم يزخر بعدة موارد بديلة للحصول عليها، وهذا ما يلزم الجميع بضرورة التفكير بكامل الجدية في تحقيق التحول المنشود من تعليم قائم ومحصور في مؤسسة تبرمج العقول فقط (عملية التمدرس) إلى مجال أوسع للتعلُم وليس للتمدرس. فمشكلة المدرسة التقليدية التي يسعى العالم لتجاوزها هو الخلط بين التمدرس والتعلم. وهذا ما باتت تعيشه المدرسة الرائدة من خلال دروسها الفوقية التي تنفي قدرة الفاعل المحلي على التخطيط والبرمجة بما يناسب مجموعة القسم والخصوصيات المحلية للفئة المستهدفة. زد على ذلك ضرورة اختيار الخلفيات النظرية والمقاربات المنهجية المواكبة لتطور علوم التربية وعلم التدريس ثم ضبط الاختيارات السياسية الكبرى في ضوء واقع المجتمع وحاجاته وطموحاته لإعادة النظر في ملمح خريج المدرسة المغربية مستقبلا.

 بقلم: سعيد اخيطوش

باحث في قضايا التربة والتكوين والسياسات التعليمية

Top