المغرب يبرز بجنيف الحصيلة “الإيجابية” لتجربته في مجال العدالة الانتقالية

أبرز وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أول أمس الثلاثاء بجنيف، الحصيلة “الإيجابية” للتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية التي تم تنفيذها تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأوضح وهبي، في كلمة له بمناسبة افتتاح الحوار التفاعلي مع اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، أنه “بفضل هذا الورش، تمكنت المملكة المغربية من إرساء وتعزيز التسوية العادلة والمنصفة لملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتضميد جراح الضحايا وعائلاتهم”.
وأضاف الوزير خلال هذا الحوار، الذي ينعقد بمناسبة فحص التقرير الأولي للمغرب المتعلق بالاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، أن المغرب تمكن أيضا من جبر الضرر باعتماد منظور استراتيجي ومقاربة شمولية ومتكاملة لتحقيق مصالحة وطنية “صادقة وتاريخية” وإنصاف “حقيقي وفعلي”.
وبخصوص الاختفاء القسري، أشار الوزير، الذي يقود وفدا مغربيا مهما لهذا الحوار، إلى أن التجربة المغربية اتسمت بمميزات أساسية أهمها أن “المختفين قسرا كانت أعدادهم محدودة”، لافتا إلى أن جلهم ظلوا على قيد الحياة، مما مكن من مساهمتهم في الكشف عن الحقيقة ومواكبة مسار العدالة الانتقالية والاستفادة من مختلف التدابير والإجراءات الرامية إلى جبر أضرارهم.
كما أن هيئة الإنصاف والمصالحة، يتابع المسؤول الحكومي، اعتمدت مفهوم الاختفاء القسري كما ورد في الأعمال التحضيرية للاتفاقية، مسجلا أن هذه التجربة وبالرغم من أن ولايتها غطت حيزا زمنيا طويلا (43 سنة)، فقد تمكنت من القيام بأعمالها كاملة في ظرف خمس سنوات (شتنبر 1999-نونبر 2005) بما فيها إنجاز التحريات وإعداد المقررات التحكيمية والقيام بجلسات الاستماع العمومية والندوات الموضوعاتية وإصدار التقرير الختامي.
ولفت في هذا الصدد إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة تمكنت من توسيع اختصاصها الموضوعي ليشمل جميع أصناف الانتهاكات من “اختفاء قسري واعتقال تعسفي وتعذيب ومساس بالسلامة البدنية واغتراب اضطراري واختفاء داخلي والوفاة خلال أحداث اجتماعية والإعدام خارج نطاق القانون”.
وهكذا، يبرز الوزير، استفاد من التعويض ما يزيد عن 27 ألف من الضحايا أو ذويهم من مختلف أصناف الانتهاكات، بمبلغ إجمالي يقارب 212 مليون دولار أمريكي، علاوة على استفادة ما يزيد عن 20 ألف شخص من التغطية الصحية، وشمول برنامج جبر الضرر الجماعي ل 13 إقليما، بمبلغ يزيد عن 16 مليون دولار.
كما اعتمدت الهيئة، يتابع وهبي، برامج للتنمية الجهوية وفك العزلة عن هذه المناطق وإطلاق برنامج لإعادة تأهيل أماكن الاحتجاز والحفاظ على الذاكرة المرتبطة بها.
وبحسبه، فإن منجزات ورش العدالة الانتقالية تكاملت مع مكتسبات أوراش الإصلاح المتعلقة بتجديد مفهوم السلطة وإدارة الشأن العام والحقوق اللغوية ومدونة الأسرة والتنمية البشرية، والتي توجت دينامياتها الإيجابية باعتماد دستور جديد سنة 2011.
وتابع أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة كانت من بين مرتكزات الدستور الجديد الذي شكل محطة سياسية بارزة إضافية في تجسيد التوافق الوطني وتكريس إرادة الإصلاح من أجل استكمال بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات.
وأكد وهبي أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان “أصبحت من الماضي ” بالنسبة للمغرب، لاسيما بعد الحصيلة الإيجابية لنتائج العدالة الانتقالية التي مكنت من طي هذا الملف.
وأوضح أن هذه العملية والمكتسبات الدستورية والإصلاحات التشريعية والمؤسساتية العميقة، مكنت من تجريم كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ووضع ضمانات عدم تكرارها.
وقد شدد الوزير، الذي يقود وفدا مغربيا مهما لهذا الحوار، الذي ينعقد على مدى يومين في مقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف، أن هذه المكتسبات جعلت الاختفاء القسري “ممارسة مرتبطة بأحداث تعود إلى الماضي”، حيث لم يسجل بعد انتهاء عمل هيئة الإنصاف والمصالحة واعتماد دستور 2011 أية حالة ينطبق عليها وصف الاختفاء القسري.
من جهة أخرى، أكد الوزير أن المملكة المغربية ستظل حريصة على التعاون الوثيق والتفاعل البناء مع اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، داعيا إلى أن يساهم هذا الحوار التفاعلي في تعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ مقتضيات هذه الاتفاقية، والمساعدة على رفع التحديات، وفتح آفاق لتطوير التعاون لتنفيذ نتائج هذا الحوار بما يسهم في تعزيز مداخل الحماية والوقاية من أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان .
واعتبر أن هذا الحوار التفاعلي مع اللجنة، بوفد وطني متعدد الانتماء يضم القطاعات والمؤسسات المعنية، “يشكل لحظة هامة في مسار تفاعل المغرب مع هيئات المعاهدات”، مبرزا الدور المتميز للمملكة المغربية التي كانت من بين المساهمين في إعداد هذه الاتفاقية كما أنها من أوائل الدول الموقعة عليها.
وأشار المسؤول إلى أن المغرب ساهم كذلك في دعم الانخراط الدولي في الاتفاقية من خلال انخراطه في عضوية المبادرة العالمية من أجلها إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين والساموا، والتي أفضت إلى إجراء مشاورات موسعة قصد بلورة استراتيجية وخطة عمل مشتركة للدفع بالمصادقة العالمية على الاتفاقية وتنفيذها.
وضم الوفد المغربي المشارك في هذا الحوار ممثلين عن مختلف المؤسسات، لا سيما مجلسي البرلمان، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ورئاسة النيابة العامة، والمديرية العامة للأمن الوطني.

Top