محمد حجيوي
في وقت أعلن فيه المغرب، بشكل رسمي، تعليق كل أشكال التواصل مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أبدى الاتحاد استعداده لتقديم التوضيحات والضمانات الإضافية للإجابة على انشغالات المغرب من أجل عودة التواصل والتعاون بشكل كامل في أقرب وقت ممكن، وهو ما توقعه خالد الناصري، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، حيث قال في تصريح لبيان اليوم، إن الرسالة الجدية التي وجهها المغرب للاتحاد الأوروبي، لها ما بعدها، حتى يفطن الاتحاد، إلى أن مصلحته لا تكمن في محاولة إضعاف المغرب، وأن هناك خطوطا حمراء لا تقبل المملكة بتجاوزها.
ويأتي تعليق التواصل مع الاتحاد الأوروبي، على خلفية قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي بالطعن في الاتفاق الفلاحي المبرم مع المغرب.
وعبرت الحكومة المغربية، وهي تسجل رد فعل مجلس الاتحاد الأوروبي ضد هذا القرار، بالسرعة المطلوبة وبإجماع كافة الأعضاء، عن خيبة أملها العميقة تجاه غياب الشفافية في طريقة تدبير هذه المسألة من طرف بعض مصالح الاتحاد، مشيرة إلى أنه بعد بداية تعاون واعد في هذا الشأن، فإن التفاعل المنتظم والشفاف والمكثف، الذي التزمت به السلطات الأوروبية العليا تجاه المغرب، قد ترك المجال، مع الأسف، لموقف غير حبي وغير منتظر، يتعارض مع مبادئ الاحترام اللازم التي يجب أن تسود العلاقة بين الشركاء.
وفي سياق ذلك، أوضح خالد الناصري، أن موقف الحكومة المغربية له ما يبرره، من دون شك، وذلك بالنظر إلى نوعية العلاقة التي يفترض أنها متميزة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وفي تطور لاحق، أوضحت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية أن “قناعتنا هي أن شراكة حقيقية تتطلب الإنصات، والتقاسم، والتضامن، والاحترام المتبادل بين الشركاء”.
وأكدت موغيريني أن “العديد من الاتصالات قد جرت على جميع المستويات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول هذه القضية منذ شهر دجنبر، وأن المغرب تم إخباره بشكل كامل في جميع مراحل هذا المسلسل، في إطار القيود القانونية التي يتم تطبيقها”، مذكرة بأن “الاتحاد الأوروبي والمغرب طورا، على مدى سنين، شراكة مستدامة توجت باتفاق شراكة يغطي مجالات متعددة من تعاوننا الثنائي”.
وأضافت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية “أن الاتحاد الأوروبي سيبقى على اتصال مع السلطات المغربية في الأيام القادمة”، مؤكدة على أن الاتحاد سيقوم بتقييم “في أسرع وقت ممكن للآثار المترتبة عن الوضعية الحالية بالنسبة لبرامج التعاون القائمة بيننا”.
وإلى ذلك، وأوضح مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوة صحفية عقدها عقب انعقاد المجلس الحكومي أول أمس الخميس بالرباط، أن الحكومة المغربية جددت رفضها القاطع لقرار المحكمة الأوروبية، الصادر في 10 دجنبر 2015، مستنكرة الطابع السياسي للقرار الذي استند على اعتبارات لا أساس لها من الصحة، واعتمد منطقا مغلوطا فيه خرق للقانون الدولي ويتنافى مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقال الخلفي في هذا الصدد “إنه، وفي انتظار التوصل بالتفسيرات الضرورية، وتقديم الضمانات اللازمة من الجانب الأوروبي، بخصوص علاقته مع المغرب، فإن الحكومة قررت تعليق التواصل مع المؤسسات الأوروبية، باستثناء ما يتعلق بالاتصالات المرتبطة بهذا الملف”.
وأكد الوزير مصطفى الخلفي على أن روح الشراكة الحقيقية، كما برهن المغرب على ذلك دائما، بخصوص القضايا الكبرى التي تهم أوروبا، تقتضي الاستماع والتشارك والتضامن والاحترام المتبادل بين الأطراف، في كل الظروف والأحوال، معبرا عن رفض المغرب أن يتم التعامل معه كمجرد موضوع لمسطرة قضائية، أو أن يتم تقاذفه بين مختلف مصالح ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن من شأن التمادي في هذا الموقف أن يهدد بعمق الثقة المتبادلة، بل وحتى استمرار الشراكة بين الطرفين.
وكان المجلس الحكومي قد خصص جزء من أشغاله لتطور العلاقات بين بروكسيل والمغرب، حيث استمع، في هذا الإطار إلى عرض مفصل، قدمه كل من وزير الفلاحة والصيد البحري والوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، بخصوص آخر التطورات في موضوع الطعن ضد الاتفاق الفلاحي المبرم بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته، أبلغ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، قرار الحكومة القاضي بتعليق كافة أشكال التواصل مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، إلى سفيره بالمغرب، موضحا له أن المملكة المغربية “مضطرة لقطع الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي إلى أن يتم توضيح الأسباب التي جعلته في المرحلة الماضية لا يتعاون معنا بالشكل المطلوب على مستوى مصالحه القانونية”، مؤكدا أن هذا القرار سيستمر إلى غاية إعطاء الضمانات من قبل الاتحاد الأوروبي بأنه سيتعامل، في المستقبل، مع المغرب كشريك رئيسي وأساسي.
وقال بنكيران لسفير الاتحاد الأوربي بأن “المغرب يعتبر القرار الأخير للمحكمة الأوروبية قرارا خطيرا وكبيرا، يقتضي أن نتعامل مع الاتحاد الأوروبي، على أساس مستقبل تطورات هذه القضية” مؤكدا على أن التعامل مع هذا الملف سيكون مختلفا لما كان عليه الأمر في المرحلة الماضية.
وأكد رئيس الحكومة للسفير الأوروبي، أن هذه القضية، بالنسبة للمغرب، ليست قضية تجارية أو متعلقة ببضائع يمكن أن توضع عليها هذه التسمية أو تلك، فالمغرب تعامل كدولة صادقة ووفية مع الغرب كحلفاء تربطه معه مصالح مشتركة، لكن يضيف بنكيران، أن “قضية الصحراء ليست عادية بالنسبة للمغرب وليست قضية ثانوية، بل هي قضية وجود أو عدم وجود ويجب أن تكون الأمور واضحة بالنسبة للأوروبيين”.
وفي سياق متصل، ذكر مصطفى الخلفي، أنه تم إحداث لجنة وزارية، تضم وزارات الشؤون الخارجية والتعاون والداخلية والفلاحة والصيد البحري، لمتابعة تطورات هذا الملف عن كثب، واقتراح الإجراءات التي قد يتم اتخاذها، عند الاقتضاء، لصيانة المصالح الوطنية المشروعة.
وأضاف الخلفي أن المغرب باعتباره شريكا ملتزما تجاه شركائه، وحريصا في نفس الوقت، على الدفاع عن حقوقه، فإنه يحث الاتحاد الأوروبي على تحمل مسؤولياته، للحفاظ على علاقات تضامنية حقيقية، متوازنة وهادئة، وفية لما تم بناؤه بجهود دؤوبة على مدى قرابة خمسين سنة، ومتشبثة بالقيم المشتركة والمصالح المتبادلة، التي تجمع الطرفين.