رست سفينة مهرجان مقامات في دورته 14 في شاطئ الأصالة مرة أخرى، واختارت الملحون جسرا للعبور إلى موروث مغربي أمازيغي تمثل في ملحمة العشق “إيسلي وتسليت”، والتي خصص لها الحيز الأكبر من حفل قص شريط الدورة الجديدة من مهرجان تحول إلى حدث ثقافي وفني.
قبل حصة الإبحار في الموروث، توقف مهرجان مقامات لحظة عرفان تقديرا لعطاء رجل مميز رحل عنا، وهو عميد الأدب المغربي، عباس الجراري، وتسلمت حرمه درع الدورة 14 التي حملت اسمه من يد عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التي حضرت حفل الافتتاح إلى جانب الكاتبة العامة لوزارة الثقافة، وعمدة مدينة سلا ورئيس مجلس عمالة سلا ورئيس مقاطعة بطانة. وإمعانا في الاعتداد بالأصالة، كان صوت المقرئ الراحل عبد الرحمن بنموسى حاضرا بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاه عزف النشيد الوطني، كما هي عادة جمعية أبي رقراق في كل أنشطتها الإشعاعية.
فيما ألقى رئيس الجمعية، نور الدين شماعو، كلمة ركز فيها على تحول مهرجان مقامات إلى موعد سنوي مرتقب يحتفي من خلاله بإرث سلا ومعها باقي حواضر المملكة، ويستحضر التنمية والمستقبل الواعد الذي يلمسه المتأمل العابر من خلال مقارنة بين الأمس واليوم.
واختارت الدورة 14 من مهرجان مقامات، هذا العام شعارا محوريا تجلى في “الملحون… مسارات ومقاربات جديدة”، كما أهدت فعاليات الدورة الجديدة لفقيد الأدب المغربي الراحل عباس الجراري، المنظمة من طرف جمعية أبي رقراق وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة- وبتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عمالة سلا، وتدخل في إطار مواكبة تصنيف الملحون تراثا إنسانيا لا ماديا، وتمتد الفعاليات من فاتح إلى سابع يوليوز 2024.
فقرات الحفل الافتتاحي كانت مبتكرة، وجسدت روح التمازج بين مختلف مكونات الثقافة المغربية الأصيلة، فكان الملحون لسانا يحكي قصة حب أسطورية ما زالت تجلياتها إلى يومنا هذا من خلال موسم الخطوبة، وهو عبارة عن امتداد لعشق جارف وملحمة سطرها قلبا “إيسلي وتسليت”، الحصة الأولى حملت توقيع درامي سينمائي توثيقي، عبر شريط قصير تمازج فيه الأداء التشخيصي لممثلين مميزين وهم على التوالي: جمال أولاد بنشيبة، محمد المتوكل، سعيد بلكدار، محمد أبو سيف، طارق البقالي، إلهام بوطازومت، محمد زعر، كوثر بلكدار والطفل سليمان فنيش، والأداء الصوتي الشجي والقوي لكل من فاطمة حداد وسعيد بلمكي.
وخلف هذا الفريق الفني، يقف مهندس اللحظة صاحب الفكرة وتصميم الإخراج، المبدع عبد المجيد فنيش، ويوجد إلى جانبه في المساعدة على الإخراج، أحمد لحبابي، فيما الإنجاز التقني تكلف به داوود أسماخو، وفي المحافظة العامة نجد عمر بلعود، مهدي البكاري وعبد الرؤوف فنيش.
مباشرة بعد حصة الشريط القصير الذي أبدع وأمتع وجال بالحضور بإيجاز في ملحمة العشق الأمازيغية بأشعار ملحونية، كان هذا الأخير أي فن الملحون، حاضرا في الحصة الثانية، وعاد إلى سرد قصة واحدة بصياغات مختلفة، من خلال تركيب موسيقي لأربع قصائد أبدعها كل من توفيق أبرام، وأيوب كليدي، ومصطفى الخليفي، وعبد اللطيف التوير، وأنشدتها أصواتهم خلف تنسيق موسيقي للفنان التهامي بلحوات.
وقبل انطلاق الحفل، عند بوابة مركب التنشيط الثقافي والفني تابريكت الذي احتضن الفعاليات، تم استقبال الحضور الغفير بكتيب فيه برنامج الدورة 14 ورفقته قرص مدمج ضم 10 قصائد من عيون شعر الملحون لشعراء سلاويين مند القرن 17، وهي الخطوة التي تدخل في إطار مواكبة تصنيف الملحون تراثا لا ماديا من طرف اليونسكو.
سيكون موعد جمهور سلا وزوارها، في اليوم الثاني من مقامات، مع برنامج رواق باب فاس المخصص لتوقيعات الكتب، بتقديم كل من كتاب “شعر الملحون بحاضرة أزمور” لصاحبه الباحث عبد الإله جنان، وكتاب ثاني هو “ملحون تشكيل” لصاحبته الفنانة التشكيلية والشاعرة لبابة لعلج.
وفي اليوم نفسه، بالجانب العتيق من مدينة سلا، ستحتضن ساحة ضريح سيدي عبد الله بنحسون فعاليات الجزء الأول من ملتقى المديح والسماع، بمشاركة 3 مجموعات تمثل 3 طرق صوفية، وهي مجموعة الزاوية الحسونية، والزاوية التيجانية، وحصة لمجموعة المديح والحضرة للقيدوم الفنان عبد المجيد بن الصادق الجعفري.