يواصل مهرجان مكناس الدولي لسينما التحريك رحلته بين عروض لجديد الأفلام، وعقد لندوات ودروس الماستر كلاس، وإقامة لورشات تكوينية لمواكبة الطاقات المغربية الفنية الشابة في المجال، وتسلط هذه الدورة الضوء على سينما التحريك الهولندية، من خلال المشاركة الوازنة والمتميزة للمخرج ميشيل دودك دويت والمنتج وليام تيجسن.
فيما تستقطب الدورة العديد من الأسماء الوازنة دوليا في مجال سينما التحريك، من أمثال ميشال أوسلو، كلود باراص، ودافيد سيلفرمان و بيل بليمطون.
وجدير بالتذكير، أن المنافسة الرسمية تجري بين خمسة أفلام ذات قيمة عالية: وهي “المنتقمة” (الولايات المتحدة الامريكية)، “السلحفاة الحمراء” (فرنسا – بلجيكا – اليابان )، إضافة إلى “حكايات إفريقية” (الجزائر)، وكذا “ايتيل وارنيست” انجلترا (لوكسمبورغ ) “حياة متفائلة” (كندا) ويعرض الفيلم بحضور المخرجة آن ماري فليميينغ، مثل كل أفلام المسابقة سالفة الذكر.
وكانت الدورة السادسة عشرة من المهرجان الذي ينظم في إطار شراكة بين المركز الثقافي الفرنسي في مكناس ومؤسسة عائشة، قد انطلقت مساء يوم الجمعة الماضي، بحفل تسليم جائزة عائشة الكبرى للتحريك وكانت من نصيب كل من بينوم صابرينا تيمسيت وعمر الهمزي من المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، عن مشروعهما الذي لاقى ترحيبا من طرف لجنة التحكيم التي نوهت بقيمته التقنية والفنية.
وتميز حفل الافتتاح كذلك، بحضور العديد من الشخصيات الرسمية أبرزها عامل مدينة مكناس عبد الغني الصبار، وصارم الفاسي مدير المركز السينمائي المغربي، وسفيرة هولندا بالمغرب والقنصل الفرنسي بفاس.
وفي قاعة العروض بالمركز الثقافي الفرنسي، التي غصت عن آخرها بالمدعوين، تناول الكلمة في البداية مدير المركز الثقافي الفرنسي بمكناس ألان ميلو، معتبرا أن نقطة القوة في هذا المهرجان كونه استطاع على مر دوراته اكتشاف كفاءات وإبراز مواهب مغربية، وعن الدورة الحالية أكد ان “البرمجة رائعة وتعد بلقاءات جميلة”.
ومن جهته عبر جان مارك برتون مدير المعاهد الفرنسية بالمغرب عن سعادته بلقاء الجمهور في هذه التظاهرة التي تطورت على امتداد السنوات وحازت على اعتراف وإشعاع دوليين.
وقد استقطبت الدورة التي تتواصل حتى الثاني والعشرين من الشهر الجاري، العديد من الأسماء البارزة في مجال سينما التحريك عالميا من بينها دافيد سيلفرمان مخرج السلسلة الأمريكية الشهيرة عائلة سيمسون، التي تحتفل هذه السنة بموسمها 30 والحاصل 4 مرات على جائزة “إيمي أووردس” لأفضل مخرج، وضيف الشرف ميشال اوسلو الذي فوجىء باستدعائه الى المنصة لتسلم درع التكريم عن مجمل أعماله، مختصرا كلمته في مفردة “شكرا”.
ومعلوم أن ميشال اوسلو من بين الضيوف البارزين، وقد نال شهرة كبيرة بفيلمه “كيريكو والساحرة” وهو عمل غني بأحاسيس متناقضة وممتعة، تتأرجح بين الإضحاك والتخويف.
وقال المدير الفني للمهرجان محمد بيوض: “إننا نحاول تقديم أفضل برمجة ممكنة، لمختلف الأعمار وللطلبة على الخصوص”.
وأكد اعتزازه بحجم الشخصيات الفنية الحاضرة قائلا: “نحن فخورون بحضور شخصيات، من أمثال ميشال أوسلو، كلود باراص، ودافيد سيلفرمان، لقد كان استقطاب هذه الأسماء حلما حققناه أخيرا.
الندوة
وقد تميز صباح يوم السبت الماضي بعقد ندوة صحافية، ضمت كل من دافيد سيلفرمان وكلود باراص وميشال أوسلو وبيل بليمطون في مواجهة ممثلي وسائل الاعلام لتقاسم تجربتهم الغنية في مجال سينما التحريك.
وقد أجمع المتدخلون على حقيقة أن سينما التحريك تعرف تطورا متواصلا منذ سنوات، لكنه تطور تعترضه بعض العقبات، على رأسها الحصول على التمويل الكافي لانجاز هذه الاعمال التي يتطلب الاعداد لها مجهودا ومدة زمنية طويلة نسبيا.
واعتبر بيل بليمطون أن الاكراه الذي تعيشه سينما التحريك في الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل في صعوبة التوزيع في مجتمع يسود فيه الاقبال على الجنس والعنف.
عروض فيلمية متميزة:
“Ma vie de courgette”
ويشهد مسرح المركز الثقافي الفرنسي بمكناس منذ عشية الانطلاق عروضا فيلمية تقطع الأنفاس، في إطار المسابقة الرسمية.
وكان فيلم الافتتاح تحت عنوان “Ma vie de courgette” للمخرج الفرنسي كلود باراص، الذي يحكي قصة فتى صغير في التاسعة من عمره، إسمه كورجيت هذا الاسم الذي يحيل على نوع من الخضار (القرع الأخضر)، الطفل كورجيت بعد أن يتسبب في مقتل أمه خوفا وعن غير قصد، يجد نفسه وحيدا دون أهل، بعد أن عانى كثيرا من إهمال والدته المدمنة على تناول الكحول.
بعد الاستماع اليه لدى الشرطة يتم ترحيله الى مأوى الأيتام حيث يعتقد كورجيت أن حياته قد انتهت، لكنه لا يلبث أن يكتشف حياة جديدة الى جانب أطفال من سنه، لكل واحد منهم قصته الخاصة التي لا تقل عن مأساته، تتشكل صداقة قوية بينه وبين الأطفال النزلاء، مثل سيمون، أحمد، أليس، وبياتريس، وهم أطفال لم تكن الحياة رحيمة معهم، وشوهت شخصياتهم التي صارت تتأرجح بين القسوة والحنان المفرط، ويتغير مصير كورجيت بعد التحاق نزيلة جديدة بمأوى الأيتام وهي طفلة لا تتجاوز العاشرة، تدعى كامي، التي تجعل الجميع يكتشفون الجمال والحب والعديد من القيم التي ستؤثث صداقتهم وتفتح أمامهم أبواب السعادة التي ظلت مقفلة في وجوههم.
ويتميز هذا الفيلم بزخم قوي من العواطف المتباينة حيث تتقاطع قسوة الحياة دون سند، مع النظرة الطفولية البريئة للواقع، وفي سياق جعله المخرج كلود باراص بفنية عالية، لا يحول دون بلوغ السعادة في النهاية.
هذا الفيلم ومنذ عرضه للمرة الأولى بمهرجان كان خلال فقرة خمس عشرية المخرجين، لم يتوقف عن نيل الجوائز فقد نال جائزة كريستال الفيلم الطويل وجائزة الفيلم الطويل من المهرجان الدولي لسينما التحريك بأنسي، كما عادت له جائزة السينما الأوروبية لأحسن فيلم تحريك، ونال جائزتا سيزار أحسن فيلم تحريك وجائزة احسن اقتباس، لقد حاز الفيلم 15 جائزة في المجموع من مختلف المهرجانات عبر العالم،وحقق ايرادات جيدة مقارنة بباقي أفلام سينما التحريك.
وقد اقتبس كلود باراص قصة الفيلم عن رواية للكاتب الفرنسي جيل باريس وهي تحت عنوان ” Autobiographie d’une courgette “.
“Louise en hiver”
هذا الفيلم ومدته ساعة و15 دقيقة من إخراج جان فرنسوا لاغيوني بمشاركة الممثلة دومينيك فرو، تم عرضه أول أمس السبت ويحكي قصة لويز وهي امرأة مسنة تجد نفسها قد تأخرت عن موعد آخر قطار يغادر المدينة السياحية الشاطئية، وتضطر للبقاء لوحدها داخل المدينة المحاصرة بين البحر ووعورة التضاريس الجبلية، بعد أن غادر جميع مرتادي المدينة، تعتقد المرأة العجوز أن عائلتها سوف تأتي لاصطحابها من مدينة مهجورة يقف على أبوابها فصل الشتاء القاسي، لويز ليست وحيدة رغم ذلك، فمعها أشباح من الماضي تستيقظ فجأة، وبرفقة موج البحر الهائج كأحلامها القديمة وذاكرتها المنسية، في واقع يحيل على رواية روبنسون كورزوي الشهيرة، ترفض لويز الاستسلام أو الهزيمة رغم كل العراقيل التي تنتصب أمامها وتجعل من مسألة مغادرتها للمدينة أمرا مستحيلا، تقرر لويز تحويل القضية الى تحدي والى رهان يتعين عليها ان تكسبه، تتداخل الصور في رأس لويز وتتساءل عن زوج وأبناء وأحفاد محتملين لكنها لم تعد تتذكر، فتعود لمعانقة طفولتها الاولى وشبح جندي معلق يتحدث اليها… تتذكر والدتها وعشيقيها الأولين، فتهجر بيتها وتبني لها كوخا خشبيا إلى جانب البحر… وبالصدفة تلتقي لويز بكلب تم التخلي عنه في المدينة المهجورة فتتولد عن هذا اللقاء قصة صداقة جميلة، فوجود الكلب الذي اطلقت عليه تسمية بيبر منحها شحنة من الحياة ودافعا اقوى لكسب الرهان، لكنها تتحطم مع اختفاء الكلب عدة أيام وبعد البحث عنه، تستسلم وتحاول الانتحار غرقا… لكن في هذه اللحظة يظهر بيبر ويأخذ بيدها الى شاطىء النجاة.
بعدها يسمعان صفير القطار وقد عاد محملا بالمصطافين والسياح ايدانا بعودة الصيف من جديد وما يحمله من حياة صاخبة للمدينة عادوا ليطردوا شبح الوحدة القاسية عن العجوز لويز التي تكتشف أنها وجدت حياتها ومبتغاها في الوحدة، فتقرر الابتعاد عن الصخب الذي يحدثه المصطافون رفقة كلبها وصديقها بيبر.
إنه فيلم جميل، على المستويين الفني والتقني، يتحدث دون سوداوية أو مبالغة عن وحدة الشيخوخة، والانسحاب التدريجي من الحياة، عن برودة الموت التي تقترب شيئا فشيئا.
لويز في فصل الشتاء أو”Louise en hiver” هو خامس فيلم طويل للمخرج جان فرنسوا لاغيوني خلال تجربة طويلة في مجال التحريك تفوق 30 سنة، حاز خلالها سنة 1978 على السعفة الذهبية فئة الفيلم القصير عن فيلمه ” La Traversee de l’Atlantique a la rame”
مبعوث بيان اليوم إلى مكناس: سعيد الحبشي