قدمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية صورة قاتمة عن واقع الصحافة المغربية والأوضاع العامة للصحافيات والصحافيين المغاربة والانتهاكات التي تطولهم أثناء مزاولتهم لمهنتهم أو بسببها.
وشخصت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في ملخص تركيبي لتقرير هم واقع الصحافة بالمغرب بين مارس 2019 ومارس 2021، واقعا مزريا تأن تحت وطأته وسائل الإعلام المغربية ومئات الصحافيات والصحافيين.
وسجلت النقابة في تقريرها الذي نشرته بمناسبة اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف 3 ماي من كل سنة، استمرار الانتهاكات التي تطول الصحافيين أثناء مزاولتهم لمهنتهم أو بسببها، سواء على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أو على مستوى التضييق على حريتهم باعتبارها شرطا أساسيا لممارسة مهنية حقيقية.
في هذا السياق، وعلى مستوى فعلية الحقوق خلال جائحة كورونا، رصدت النقابة الوطنية للصحافة المغرب أن الصحافيين والصحافيات المغاربة عاشوا خلال هذه السنة ظروفا قاسية جدا بسبب تداعيات انتشار وباء كورونا، وذلك بالرغم من الدعم المالي الاستثنائي الذي خصصته الحكومة في السنة الفارطة لدعم المقاولات الصحافية الورقية والإلكترونية وقطاعي الطباعة والنشر، مشيرة إلى أن هذا الدعم جاء ليغطي الأجور المعتادة دون أية تحفيزات ولا تعويضات توازي الجهود الجبارة التي بذلها الصحافيون في مواجهة ظروف صعبة جدا هددت حياتهم، والتي لقي على إثرها البعض حياتهم.
في نفس الإطار، سجلت النقابة استمرار بعض الممارسات الماسة بكرامة الصحافيين من قبيل الاقتطاع من الأجور من قبل مجموعة من المؤسسات، بالرغم من حصولها على الدعم، فضلا عن قيام مؤسسات أخرى بتسريح العاملين والعاملات بها وهضم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
ونبهت النقابة إلى استمرار هذه الممارسات وعدم الاكتراث بالتنبيهات التي تثيرها النقابة في دفاعها عن الصحافيات والصحافيين، فضلا عن مراسلاتها لكافة المؤسسات الإعلامية، وكذا المؤسسات العمومية الأخرى لضمان كرامة الصحافيات والصحافيين وعدم إهدار حقوقهم وهضمها.
وعلى مستوى انتهاك حرية الصحافة والصحافيين، سجلت النقابة أن حرية الصحافة ظلت تراوح مكانها في بلادنا خلال السنة الفارطة، حيث سلطت الضوء على العديد من الإكراهات التي تعيق هذه الحرية، من قبيل الرقابة الذاتية على الصحافيين بسبب تخلف القوانين المنظمة لحرية النشر والصحافة، أو بسبب الرقابة الصارمة التي يفرضها كثير من مديري النشر ورؤساء التحرير لاعتبارات اقتصادية أو حتى سياسية في بعض الأحيان. كما سجلت، أيضا، استمرار متابعة الصحافيين في قضايا تتعلق بالصحافة والنشر بقوانين أخرى غير قانون الصحافة، خاصة بالقانون الجنائي، وهو السلوك الذي قالت النقابة إنه “يفرغ قانون الصحافة والنشر من محتواه ويجرده من أية مشروعية أو أهمية”.
وتابعت النقابة، في نفس الصدد، “عرفت هذه المرحلة الإصرار على متابعة بعض الصحافيين في حالة اعتقال رغم توفرهم على جميع ضمانات الامتثال للقرارات القضائية، وبغض النظر عن موضوع المتابعات الذي يبقى من اختصاص القضاء فإن روح العدالة تقتضي إعطاء الأولوية لقرينة البراءة بما يستوجب ذلك من متابعة في حالة سراح”، مشيرة بالأساس إلى قضيتي الصحفيين سليمان الريسوني وعمر الراضي، حيث طالبت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمتابعتهما في حالة سراح مع حفظ حقوق جميع الأطراف من مشتكى بهما ومشتكين، مع تسريع المتابعة.
بالإضافة إلى ذلك، سجلت النقابة استمرار الاعتداءات الجسدية التي تستهدف الصحافيين والصحافيات أثناء القيام بواجبهم خصوصا من طرف القوات العمومية، مبرزة أن هذه الانتهاكات تواصلت لسنة أخرى بالرغم من التنبيهات والبيانات والمذكرات الصادرة، “وهو السلوك الذي يطرح أكثر من إشكال” وفق تعبيرها. فيما بالمقابل، سجلت النقابة بارتياح تعامل قوات الأمن والدرك الملكي والسلطات المحلية مع الصحافيين والصحافيات خلال الفترة الطويلة التي استغرقتها التدابير المتخذة لمواجهة انتشار وباء كورونا.
إلى ذلك، وعلى مستوى الحق في الحصول على المعلومة، قالت النقابة في تقريرها، إنه بالرغم من مرور أكثر من ثمان سنوات عن صدور القانون رقم 13/31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة فإن الترتيبات القانونية المتعلقة بتنزيله على أرض الواقع لا تزال متعثرة إلى اليوم.
وأضافت النقابة أنه بالرغم من صدور منشور رقم 2 المتعلق بتعيين الشخص أو الأشخاص المكلفين بالحصول على المعلومة على مستوى الهيآت المعنية، فإنه إلى حد اليوم لم يتم نشر لائحة بهؤلاء الأشخاص كما ينص على ذلك القانون، “وهذا يؤشر على انعدام الجدية والمسؤولية فيما يتعلق بالتنزيل السليم لهذا القانون” حسب تعبيرها، مشيرة إلى أن الصحافيين المغاربة يواجهون صعوبات كبيرة، ويبقى المواطن محروما من حقه في الحصول على المعلومة الذي يعتبر حقا من الحقوق والحريات الأساسية.
من جهة أخرى، وعلى مستوى الأوضاع المادية والمهنية للصحافيين، أكدت النقابة أنه لا يمكن عزل الأوضاع المادية والمهنية للعاملين في قطاع الإعلام عن حرية الصحافة والنشر، مسجلة في هذا الإطار، أن هذه الأوضاع تزداد سوء وتراجعا، لاسيما وأن الاتفاقية الجماعية تجاوزت مدتها بأكثر من 12 سنة ولم تعد تستجيب إلى الحد الأدنى من ضمان شروط الكرامة بالنسبة للصحافيين، مطالبة بالإسراع بتحيينها، خصوصا في ظل الظروف الحالية.
هذا، وقدمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية استمرار عدد من الانتهاكات في مؤسسات القطب العمومي والقنوات العمومية ووكالة المغرب العربي للأنباء، وفي مقدمتها مصادرة الحق في الممارسة النقابية، وإهدار مبالغ مالية طائلة مقابل منتوج لا يرقى إلى قيمة ما صرف عليه، ولا يرقى إلى تطلعات المغاربة، فضلا عن تسجيل انتهاكات أخرى من قبيل طرد الصحافيين وعدم القدرة على تقديم خدمة إعلامية عمومية حقيقية في إطار التعدد والاختلاف، غياب المراقبة والمحاسبة، وغيرها من أوجه الانتهاكات والاختلالات التي رصدتها النقابة في تقريرها.
كما قدمت النقابة، في ملخصها للتقرير الذي سينشر خلال الأيام المقبلة، رصدا لأخلاقيات المهنة، والتي قالت إنها تعرضت خلال هذه السنة إلى خروقات واختلالات غير مسبوقة في بعض وسائل الإعلام، خصوصا الالكترونية، منها حيث السب والقذف والتشهير ونشر الأخبار الكاذبة واستغلال صور الأطفال والقاصرين والإساءة إلى صورة المرأة، وغيرها من مظاهر الإساءة إلى مهنة الصحافة والإعلام.
إلى ذلك، أشارت النقابة إلى أن تقريرها لا يتفق مع بعض التقارير الدولية الخاصة بأوضاع حرية الصحافة في المغرب، مناشدة المنظمات الصادرة لهذه التقارير التحري واعتماد المصادر ذات المصداقية.
< محمد توفيق أمزيان