النهوض بوضعية الأشخاص المسنين بالمغرب.. مؤشرات أزمة تلوح في الأفق

أوصى مجموعة من الخبراء والباحثين بضرورة النهوض بأوضاع الأشخاص المسنين في المغرب وتوفير ضمانات الحياة الكريمة لهم، في إطار مجتمع يعتني بجميع فئاته، مع تعزيز الخدمات الموجهة لفائدتهم على جميع المستويات. وشددوا في ذات الوقت على أهمية البحث والتكوين في هذا المجال بهدف توفير الموارد البشرية الكافية والمؤهلة لهذا الغرض.
وأكد المشاركون في اليوم الدراسي حول موضوع “التكفل بالأشخاص المسنين”، الذي نظم بالدار البيضاء يوم السبت الماضي، بمبادرة من مجموعة (AMH) وبتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، أن شيخوخة الساكنة تعد ظاهرة عالمية بحيث ستتضاعف نسبة الأشخاص البالغين أكثر من 60 سنة تقريبا من 12 إلى 22 بالمئة بين 2015 و2050 من مجموع الساكنة. كما سيتضاعف عدد الأشخاص المسنين البالغين أكثر من 80 سنة ثلاث مرات في أفق 2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة. ومنذ سنة 2020، أصبح عدد الأشخاص البالغين أكثر من 60 سنة أكبر من عدد الأطفال أقل من 5 سنوات.

تحديات كبيرة ووضع قابل للانفجار

وأضاف المشاركون في اليوم الدراسي، الذي أطره عدد من الأساتذة والباحثين في مجالات الصحة والطب والسوسيولوجيا، أن المغرب لا يشكل الاستثناء في هذا السياق، وإن كان الأمر يعتبر ظاهرة حديثة بالنسبة إلينا. ويتوقع أن تصل نسبة الأشخاص المسنين في المغرب إلى 15 في المئة (أزيد من 6 ملايين)، في أفق 2030، فيما سيصل عددهم إلى 10.4 ملايين في 2050، بنسبة 23.8 بالمئة من مجموع الساكنة. ويصل متوسط الأمل في الحياة حاليا إلى 73 سنة للذكور، و79 سنة للإناث.
وبقدر ما تؤشر هذه الأرقام إلى تغير كبير في الطبيعة الديموغرافية للمجتمع المغربي، بقدر ما تحيل على العديد من المتغيرات الأخرى التي تجعل من وضعية المسنين ببلادنا، كما يقول المشاركون في اللقاء، بمثابة “قنبلة موقوتة قابلة للانفجار”، مستقبلا، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية للنهوض بفئة الأشخاص المسنين، وضمان سبل التكفل والرعاية لهم، ضمن احترام شروط الكرامة والمواطنة الدامجة ومباديء حقوق الإنسان.

خصاص مهول في الخدمات والحماية الاجتماعية

وأوضح المتدخلون أن قيم التضامن والتآزر المؤسسة على الموروث الديني والثقافي ببلادنا، ما زالت تجعل من الأسرة والجيران الفاعل الرئيسي في عملية رعاية الأشخاص المسنين، سواء على المستوى المادي أو في جانب خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية. وحسب دراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط حول الأشخاص المسنين، صرح 44.1 بالمئة من هؤلاء بأنهم يتلقون دعما ماديا من الأبناء بصفة منتظمة، خاصة في الوسط القروي (بنسبة 48.1 بالمئة) مقارنة مع المدن (40.4 بالمئة). وتختلف نسبة تلقي هذا الدعم بين الإناث (51.2) والذكور (36.4 بالمئة). وترتفع نسبة المستفيدين حسب السن حيث يصرح 34.7 بالمئة من الأشخاص المسنين من فئة 60 إلى 64 سنة بتوصلهم بمساعدة مادية بصفة منتظمة من طرف الأبناء، مقابل 54.9 بالمئة من المسنين البالغين أكثر من 75 سنة.
وتتضح أهمية ودور هذا الدعم بالنظر إلى ضعف التغطية الاجتماعية التي تقدمها صناديق التقاعد. وتمنح أنظمة التقاعد الوطنية تغطية “جزئية فقط” لفائدة هاته الفئة تصل إلى 26 بالمئة على مستوى جهة الدار البيضاء – سطات، كما توضح ذلك دراسة تمثيلية أجريت لفائدة مجموعة (AMH) على مستوى الجهة منذ سنوات (2018-2019) وتم استعراض نتائجها ضمن أشغال اللقاء. وينعكس ذلك على التغطية الصحية إذ استنتجت نفس الدراسة أن نسبة المستفيدين من تغطية صحية وطبية من هاته الفئة على مستوى الجهة لا تتجاوز 12.6 بالمئة، الجزء الأكبر منها يقيم في الوسط الحضري بنسبة 9.5 بالمئة. في نفس الإطار، وعلى المستوى الوطني، يشير تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (2018) أن ثلثي الساكنة النشـيطة ببلادنا (60 فـي المائـة) هي غير مشمولة بنظـام لمنـح معاشـات التقاعـد، وأن زهـاء نصـف السـاكنة النشـيطة (46 فـي المائـة) لا يسـتفيدون مـن تغطيـة صحيـة. ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع حجم المشتغلين في القطاع غير المهيكل الذي يظل في غالبيته خارج أي نظام للحماية الاجتماعية أو التغطية الصحية. وكل ذلك ينذر بخصاص مهول على مستوى الولوج إلى الخدمات الصحية التي تصبح أساسية بالنسبة إلى هاته الفئة مع التقدم في السن وتفاقم الأمراض المزمنة، والخطيرة أحيانا.
وعلى مستوى آخر، تعاني هاته الفئة من وضعية اجتماعية آخذة بدورها في التأزم بالنظر إلى التطورات التي يشهدها المجتمع من خلال التحول من الأسرة والدار الكبيرتين إلى الأسرة النووية والمساكن ذات المساحة الصغيرة، وارتفاع ظاهرة الهجرة إلى الخارج في أوساط الأبناء، مما يجعل المسنين يعانون من وحدة كبيرة بصفة متزايدة، ويواجهون خطر الإهمال الذي لم يعد مقتصرا على المجتمعات الغربية بل يكاد يصبح واقعا للأسف بالنسبة إلى عدد من الأشخاص المسنين في بلادنا أيضا. وتفيد دراسة أجرتها إحدى شركات القروض الوطنية وعرضت نتائجها في اليوم الدراسي أن 63 بالمئة من الأشخاص المسنين الذين شملتهم الدراسة صرحوا بأنهم يعانون من الوحدة الدائمة أو العرضية، وأن 30.7 بالمئة صرحوا بكونهم غير قادرين على القيام بالمهام اليومية، بينما صرح 16.1 بالمئة فقط أنهم يستفيدون من منحة التقاعد.
“سوق استثمارية واعدة”

ومن جانب آخر، سلطت المداخلات الضوء أيضا على العجز الذي تشهده بلادنا في مجال الخدمات الصحية وبنيات الاستقبال الموجهة للأشخاص المسنين، بحيث لم يتجاوز عدد دور “العجزة” (وهو تعبير لا يخلو من الوصم) أو دور الرعاية للمسنين، 32 مؤسسة حسب تقرير التعاون الوطني سنة 2005، وهو الرقم الذي يمكن أن يكون قد عرف بعض التحسن خلال قرابة عقدين من الزمن، لكن مع ذلك يظل العرض جد ضعيف بالنظر إلى الحاجيات المتزايدة. كما تفيد التقارير أن أغلب البنيات الموجودة لا تتوفر على التجهيزات الضرورية وتفتقر إلى خدمات في المستوى وإلى الأنشطة الترفيهية، خاصة بالنظر إلى عدم الكفاية، سواء من الناحية العددية ومن حيث مستوى التكوين، في الموارد البشرية المؤهلة، وهو ما يطرح، حسب المتدخلين، الأهمية الحيوية لتعزيز التكوين والتأهيل في مجال المساعدة الطبية والمرافقة للأشخاص المسنين، في مؤسسات الاستقبال وحتى في المنازل، في إطار الاستعداد لمواجهة التحديات الكبيرة التي يقبل عليها المغرب تجاوبا مع احتياجات فئة ستشهد ارتفاعا مضطردا خلال السنوات القليلة القادمة.
وتمت الإشارة في هذا الاتجاه إلى دور الجامعة في تكوين أجيال من المرافقين والمساعدين الاجتماعيين، وهو ما بادرت إليه كلية بنمسيك، على سبيل المثال، من خلال تجربة الإجازة المهنية المختصة التي شرعت فيها منذ سنوات.
وفي نفس السياق، ركز بعض المتدخلين أيضا على الجانب الاقتصادي والاستثماري للظاهرة، معتبرين أن الخدمات الموجهة للأشخاص المسنين تعد بمثابة “سوق استثمارية واعدة”، تشمل مجالات الرعاية الطبية والصحية، بنيات الاستقبال، أدوات المساعدة الطبية، خدمات الرعاية في المنازل، الأنشطة الترفيهية والأسفار. وأشاروا أن من بين الأسباب المحفزة لهذا النوع من الاستثمار كذلك، من الناحية المادية، أن الأشخاص المسنين، في حال إرساء أنظمة حماية اجتماعية ملائمة، يتوفرون على مصادر دخل مستقرة نسبيا بفضل مداخيل التقاعد من جهة، والملكية العقارية من جهة ثانية. وتمت الإشارة إلى أهمية تجويد السياسات العمومية في هذا المجال، مع ضرورة انخراط القطاع الخاص في هذه الجهود. وفي هذا الصدد، استعرضت الجهة المنظمة ورقة تقديمية حول مشروع وحدة صحية واجتماعية (قطاع خاص)، تم إطلاق خدماتها مؤخرا بالدار البيضاء (بوسكورة) لفائدة الأشخاص المسنين الذين يحتاجون إلى رعاية صحية وإعادة التأهيل بما يضمن لهم مستوى أفضل من الاستقلالية.

سميرة الشناوي

Top