انتخابات الجزائر

جاءت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الخميس الماضي في الجزائر مختلفة عن المآلات التي أفضت إليها الاقتراعات التي عاشتها كل من تونس ومصر والمغرب، وبدا كما لو أن التغيير  الذي شهدته البلدان المذكورة وجد الباب موصدا أمامه في الجارة الجزائر. تشريعيات 10 ماي 2012 في الجزائر عززت إذن قوة النظام ورئيسه عبد العزيز بوتفليقة، حيث احتل حزب السلطة الأول (جبهة التحرير الوطني) المرتبة الأولى بفارق أصوات كبير جدا عن بقية الأحزاب، وأيضا عن الحزب الذي جاء ثانيا، أي حزب الوزير الأول الحالي (التجمع الوطني الديمقراطي)، وفي المقابل لم يحصل التكتل المشكل من ثلاثة أحزاب إسلامية سوى على 48 مقعدا، إلى جانب حزب إسلامي آخر لم يتجاوز سبعة مقاعد، وحزب إسلامي خامس نال أربعة مقاعد فقط، أما جبهة القوى الاشتراكية فلم يزد عدد ما حصلت عليه من مقاعد على 21، في حين لم يتجاوز حزب العمال اليساري 20 مقعدا.
النتائج المشار إليها ستتيح لنظام بوتفليقة فرض ما يريده على مستوى الدستور المتوقع تعديله من طرف البرلمان الجديد في النصف الثاني من العام الجاري، كما أن النتائج قد تتقوى ميدانيا خلال الانتخابات البلدية المقررة في أكتوبر المقبل، وقد تكون حاسمة في اتجاه الانتخابات الرئاسية لعام 2014، خاصة أن كثيرا من المحللين يعتبرون أن الجزائريين صوتوا يوم الخميس لفائدة بوتفليقة وليس لحزب جبهة التحرير.
لقد وجه الرئيس أكثر من خطاب للشعب يحثه على الإقبال على التصويت، ولعب على موضوع التدخل الأجنبي، وعلى العشرية الدموية، بل لم يتردد في إحدى خطبه في القول بأن انتماءه الحزبي معروف، ما اعتبر توجيها واضحا للتصويت، وبعد الإعلان عن النتائج، يرجح إما أن يرد الحزب الأول تحية الرئيس بمثلها ويفرض في الدستور المقبل ما يمكنه من تجديد ولاية بوتفليقة مرة أخرى، وإما أنه سيشرع في إعداد مرشحه الخاص للرئاسيات بارتباط مع قرار المؤسسة العسكرية ومع الأوضاع الصحية للرئيس.
وبصفة عامة، فإن نتائج انتخابات الجزائر كشفت ما يفكر فيه النظام العسكري هناك، ومكنته من إعادة إنتاج ذاته، ما سيفرض على جيرانه بالخصوص مواصلة التعامل مع نفس العقلية، ونفس الوضع القائم.
أما الشعب الجزائري، فإن نسبة المقاطعة وعدد الأوراق الملغاة يوم التصويت، تؤكد مستوى الخيبة والإحباط بداخله، كما أن الجبهة فازت، رغم كل الهزات التنظيمية التي عاشتها في الفترة الأخيرة، لكونها تمتلك ماكينة نافذة في مجموع البلاد وفي الإدارات، أي أن السلطة هي الفائزة في الحقيقة.
نتمنى مع ذلك أن ينجح النظام الجزائري في قراءة نبض الشارع المحلي، ويدرك حجم وأسباب خيبات الشباب، وألا يتوقف عند النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية، ويستوعب بدل ذلك حتمية انخراط الجزائر في التحول الديمقراطي المتنامي إقليميا وعالميا، وضرورة تغيير ديبلوماسيتها ورؤيتها لنفسها ولمحيطها وللعالم، وهذا هو الاختيار الملاذ الذي سيكون حقيقيا ودائما.
[email protected]

*

*

Top