> عمر الرويضي
يوم السبت 28 نونير كان جمهور «الويكاند المسرحي للشباب» بالمركب الثقافي «كمال الزبدي» على موعد مع عرض مسرحية «اعترافات رجل ميت» لفرقة بصمات (برشيد)، وهي مسرحية مونودرامية من تأليف الراحل قاسم مطرود، وتشخيص وإخراج «يوسف هنون».
ما ميز العرض هو الأسلوب الدرامي الذي تبناه المخرج، والذي اتخذ المونودراما مبررا لتقوية الحس الفردي عوض العمل الجماعي، وهو ما انعكس فعلا في الممثل / المخرج الذي خول لنفسه احتكار الخشبة دون منازع، وأوجد لنفسه فرصة لإطلاق مواهبه التمثيلية المتميزة، كما أن انفراده المطلق بالخشبة مثل عنصر جذب مهم سمح له باستعراض مهاراته التشخيصية، إذ كان أسلوب الشخصية الجسدي مدروسا، وهو أسلوب فرضته الضرورة الدراماتيكية للعرض من خلال إعطاء الممثل مساحات أرحب لتجسيد الشخصية تلافيا للسرد والإخبار باعتبارها عناصر تضحى مملة في هذه الحالة.
ما يلاحظ خصوصا في اللحظات الأولى لبداية العرض، هو الاندهاش الذي أصاب الجمهور المسرحي على مستويين: الأول هو الإلقاء المسرحي الذي كان بلغة عربية فصيحة، استطاع الممثل أن يتقنها سواء على مستوى التلفظ أو مخارج الحروف، وكذلك في بعض حالات النبر والتنغيم الصوتي تجاوبا مع الوضعيات الدرامية التي استلزمها النص.
أما المستوى الثاني فقد انعكس من خلال الدهشة والانبهار من الأسلوب الذي تبناه المخرج والشخصية واستعصى بذلك على الجمهور المسرحي القبض على خيوط العرض والتحكم فيه، فوجد نفسه متأرجحا بين آهات الدراما وقهقهات الكوميديا.
لم تتقيد الشخصية المسرحية بلحظة تاريخية معينة أو بزمن نفسي واضح، ولا بفعل درامي مبني… بل هيمن التوتر بشحنات درامية متطورة، وهو ما يعكس صراع الأفكار في الشخصية الواحدة التي تمكنت من أدواتها المسرحية وعبرت عنها بلغة شعرية تغري المتلقي المسرحي وتلزمه بالمتابعة من خلال جرس الكلمة وتوظيف عبارات مجازية تدغدغ مشاعر المتلقي وتجعله مادة متحكم فيها يصعب عليها التخلص من الوثاق التواصلي الذي ورطت نفسها فيه منذ بداية العرض.
لقد ساهمت عدة مكونات في إتقان الشخصية لدورها، أهمها التفاعل الضمني للعناصر المشكلة للعرض، إذ تفاعلت قطع الديكور المشكلة من قطع قماش متناثرة ومبعثرة، إلى جانب الدمية الموجهة إلى الخشبة… تفاعلت مع المؤثرات الصوتية والإضاءة لخدمة الممثل ومساعدته على أداء دوره.
عموما يمكن اعتبار هذا العرض ورطة رومانسية وأنانية جميلة، ونرجسية وجبروت يمارسه هذا الذي أطلق لنفسه العنان لاجتياح حواسنا باعتبارنا متلقين، وخلق فينا سحرا خاصا استطاع بفضله أن يلوي ذراع مشاعرنا ويجبر قلوبنا على الخفقان بناء على رغبته في إفهامنا ما لم نفهمه بعد.
انتصارا للمونودراما
الوسوم