استنفرت ظاهرة انهيار طوائف النحل بالعديد من المناطق المغربية، خلال الأيام الماضية، مختلف الفاعلين والمسؤولين بالمجال الفلاحي، خاصة أن هذه الظاهرة التي سبق وشهدتها عدد من الدول قبل عقدين من الزمن، كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرفها المملكة.
وأعلنت الحكومة، مساء أول أمس الأحد، عن تخصيص 130 مليون درهم لتنزيل مجموعة من الإجراءات والتدابير الآنية من بينها دعم مربي النحل لإعادة إعمار خلايا النحل؛ فيما شكل “أونسا” لجنة خبراء من عدة تخصصات لمواصلة الأبحاث حول هذه الظاهرة.
وعلى إثر اكتشاف ظاهرة انهيار طوائف النحل عند المربين ببعض المناطق في الآونة الأخيرة، عقد رئيس الحكومة يوم السبت 29 يناير 2022 جلسة عمل عبر طريقة التناظر المرئي مع وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مرفوقا بالمدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) والمدير المركزي لسلاسل الإنتاج، تدارس من خلالها الحالة الراهنة لهذه الظاهرة والأسباب المساعدة لظهورها وكذا السبل الكفيلة بمواجهتها والتقليل من آثارها على سلسة تربية النحل.
وخلال هذا الاجتماع، نقلا عن بلاغ صحفي، لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ألقى المدير العام لـ “أونسا” عرضا حول الإجراءات المستعجلة التي تم اتخاذها والنتائج الأولية للتحريات والتحاليل المخبرية التي قامت بها المصالح البيطرية الإقليمية التابعة له، بتعاون مع ممثلي الفيدرالية البيمهنية المغربية لتربية النحل والتي خلصت إلى أن: هذه الظاهرة جديدة وتشمل بعض المربين ببعض المناطق بدرجات متفاوتة؛ كما استبعدت التحريات المخبرية أن يكون مرض ما من أمراض النحل قد تسبب في حدوث هذه الظاهرة.
إضافة لذلك، قام مكتب “أونسا” بتشكيل لجنة خبراء متعددة التخصصات لمواصلة الأبحاث والدراسات حول هذه الظاهرة. كما يعمق المكتب التقصيات الميدانية بتعاون مع مهنيي تربية النحل بهدف تحديد العوامل المساعدة لهذه الظاهرة.
وجاء في البلاغ نفسه، أنه بعد مناقشة معمقة لأسباب حدوث هذه الظاهرة والسبل الكفيلة للتقليص من آثارها على قطاع تربية النحل، تم إعداد برنامج خاص لدعم المربين المتضررين، وذلك بتخصيص مبلغ 130 مليون درهم لاتخاذ إجراءات آنية من بينها دعم المربين لإعادة إعمار خلايا النحل المصابة عبر توزيع طوائف نحل جديدة والقيام بحملة وطنية لمعالجة خلايا النحل ضد داء الفارواز والقيام بحملات تحسيسية لفائدة مربي النحل خاصة ما يتعلق بالممارسات الجيدة لتربية النحل.
وأشار المصدر نفسه، إلى أن ظاهرة “انهيار طوائف النحل” سبق وأن تم تسجيلها في عدد من الدول عبر العالم خاصة بأوروبا وأمريكا وأفريقيا. وربطت الدراسات والأبحاث المعمقة التي تم إجراؤها بهذه الدول وجود هذه الظاهرة بأسباب متعددة تتداخل فيها مجموعة من العوامل، من بينها المناخية والبيئية التي تتميز خصوصا بارتفاع درجات الحرارة وقلة التساقطات المطرية وتأثيرها على وفرة المراعي وما يترتب عنها من قلة الموارد الضرورية لتغذية النحل، وكذا العوامل المرتبطة بالحالة الصحية للمناحل والطرق الوقائية المتبعة، علاوة على ممارسات تربية النحل.
هذا وعزا الخبير الفلاحي محمد الهاكش، هذه الظاهرة إلى إشكالية الفلاحة الصناعية، موضحا أن الفلاحة الصناعية تعتمد بشكل كبير على المواد الكيماوية، وتقتل مفهوم التنوع البيئي، مردفا: “عندما نقوم أيضا بزراعة واحدة على امتداد آلاف الهكتارات الوضع مختلف عن الفلاحة التي تنوع بين الخضر والفواكه وبالتالي تترك مجالا للزهور والنباتات حيث يمكن للنحل أن يتحرك ويقتات”.
وأوضح الهاكش، في تصريح سابق لجريدة بيان اليوم، أنه للحصول على كيلوغرام من العسل حسب أهل الاختصاص تقطع النحلة ما مجموعه 40 ألف كيلومتر، وبالتالي فهذه النحلة يجب أن يكون لها رأس يوجهها عند الذهاب وأيضا كي تستطيع العودة”، إلا أن النحلة حسب الخبير الفلاحي، تفقد هذه الحاسة بسبب المبيدات الكيماوية، خاصة مبيدات النيوكوتينويد néonicotinoides، مما يحجب هذا للتوجيه وبالتالي لا تتذكر كيفية العودة، فتضيع.
وشدد الخبير الفلاحي ذاته، على أنه يجب إعادة النظر في الطريقة التي تقيم بها الفلاحة، وترشيد استعمال المواد الكيماوية الخطيرة جدا “والتي تستعمل مع الأسف ومنها ما هو محظور دوليا”.
وأضاف الهاكش، أن تساقط الأمطار لن يغير من الوضع، معتبرا أنه إذا استمر التعامل مع قضية الزراعة بهذا الشكل الاصطناعي سيكون الأمر خطيرا وسنضطر كما يفعلون الآن في أمريكا إلى استعمال “الدرون” للتلقيح لأن لن يتبقى هناك أي نحل.
وأشار الهاكش، إلى أن “فرنسا مثلا كل سنة تفقد 30% من النحل، وهذا مرتبط بالصناعة الفلاحية وبالمواد والأسمدة الكيماوية التي يقتلون من خلالها الحشرات والأعشاب الضارة، داعيا إلى اعتماد الزراعة الايكولوجية واحترام الطبيعة واستخدام أسمدة وأدوية طبيعية بدل الكيماوية.
عبد الصمد ادنيدن