باحثون وخبراء يقاربون المداخل الأساسية لإصلاح مدونة الأسرة

كشفت الندوة التي نظمتها مؤسسة علي يعته، أول أمس السبت بأحد فنادق العاصمة الرباط، حول موضوع “المداخل الأساسية لإصلاح مدونة الأسرة” عن اختلاف جوهري في وجهات النظر بين متدخلين ينتمون لمشارب فكرية مختلفة، خاصة في مواضيع كان يعتقد أنها لم تعد مثار خلاف بين مختلف مكونات المجتمع المغربي من قبيل تزويج الطفلات دون سن 18 سنة، وإثبات النسب بالنسبة للأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج.
ففي الوقت الذي طالبت فيه سمية حجي الكاتبة العامة لمؤسسة علي يعته، بالمنع القطعي وتجريم تزويج الطفلات دون سن 18 سنة انسجاما مع اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، وبالنظر لما يمثل ذلك من انتهاك صريح، وصارخ لحقوق الطفلات المغربيات، وهو ما ذهب إليه عبد اللطيف اليوسفي نائب رئيس مركز محمد بنسعيد ايت ايدر، الذي أكد على ضرورة حصر سن الزواج في 18 سنة وتحصينه بالتجريم، كان لعبد الجبار الراشدي عن مؤسسة علال الفاسي، موقف مغاير، حيث طالب بإعمال التدرج في منع تزويج الطفلات دون سن الرشد القانوني، وترك المجال لبعض الاستثناءات، لأن العرف في نظره يكون، أحيانا، أقوى من القانون، مما يستوجب يقول الراشدي “ترك المجال للإذن القضائي في بعض الاستثناءات، مع وضع المزيد من الشروط لتضييق هذا الاستثناء”.
من جانبه، لم يبتعد كثيرا، عمر المغيبشي الكاتب العام لمؤسسة عبد الخالق الطريس للتربية والثقافة والعلوم، عما ذهب إليه ممثل مؤسسة علال الفاسي، حيث دعا إلى تقنين السلطة التقديرية المخولة للقاضي، في مسألة الإذن بتزويج الطفلات دون سن 18 سنة، حيث قال في هذا الجانب “يجب معالجة تزويج القاصرات بشكل جذري انسجاما مع التحولات التي يعرفها مغرب القرن 21، باستثناء بعض الحالات” وهي الحالات التي حصرها في وضعية الطفلة القاصر التي قد تكون فقيرة أو يتيمة، وأن تزويجها، يمكن، في نظره، أن ينقذها من الشارع ومن وضعية الهشاشة.
وكان الخلاف، أيضا، ظاهرا في مسألة إثبات النسب بالنسبة للأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج.
ففيما دعت سمية حجي الكاتبة العامة لمؤسسة علي يعته، إلى اعتماد الخبرة الجينية لإثبات نسب الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج، وإلزام الأب بإقرار أبوته، وعدم حصر اللجوء إلى هذه الخبرة على الحالات المتعلقة بالأطفال نتاج ما يعتبر “علاقة شرعية سواء زواج أو خطوبة، ويستثني أبناء “العلاقات غير الشرعية”، معتبرة ذلك متجاوزا ويمس في الجوهر حقوق الأطفال وحمايتهم، انسجاما مع المادة 32 من الدستور، يذهب عبد الجبار الراشدي عن مؤسسة علال الفاسي، عكس ذلك، ويرى أنه من غير الممكن المساواة بين طفل هو نتاج علاقة شرعية، وآخر هو نتاج علاقة غير شرعية.


وفسر الراشدي موقفه، بكون الطفل الناتج عن علاقة غير شرعية، هو ناتج عن علاقة عابرة، قد تكون لحظة سكر أو غيرها من الوضعيات التي لا يمكن مقارنتها بمؤسسة الزواج، مشيرا إلى أنه من أجل الحفاظ على حقوق هذا الطفل الغير شرعي، يتعين اللجوء إلى قانون الكفالة، بأن يكفل الأب البيولوجي الذي هو من ارتكب الخط ء، ولده المولود خارج مؤسسة الزواج، حتى يبلغ سن الرشد أي أن ينزله منزلة الإبن، باستثناء النسب والإرث.
من جانبها، أكدت عائشة ألحيان رئيسة اتحاد العمل النسائي، على أن على المغرب الذي وضع قانونا لمحاربة الاتجار في البشر، أن يضح حدا لتزويج الطفلات دون سن 18 سنة، وعدم ترك أي استثناء للقضاء، تحت أي مبرر كان، مشيرة إلى أن أي استثناء في هذا الاتجاه هو شرعنة للاتجار بالبشر، وهو ما يفرض في نظرها، تجريم هذه الظاهرة، إلى جانب تجريم زواج الفاتحة بالنظر لما ينتج عنه من مآسي ومن عنف داخل بيت الزوجية.
وشددت عائشة ألحيان، على أن القول بأن العالم القروي والفقر والهشاشة هي عوامل تبرر زواج الطفلات دون سن 18 سنة، هو تبرير لإخفاقات الدولة في ضمان التعليم لعموم الأطفال المغاربة، وفي عدم التغلب على الفوارق المجالية، مشيرة إلى أن أي إصلاح للمدونة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المواثيق الدولية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وذلك من أجل بلورة قانون عصري حداثي، ينسجم مع التغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي.
من جانبه، أكد عبد المقصود الراشدي الرئيس المؤسس لجميعة الشلعة للتربية والثقافة، على أن أي إصلاح لمدونة الأسرة يتعين أن يضع في صلب أولوياته مصلحة الفضلى للطفل، وهو ما يفرض في نظره، حصر سنة الزواج في 18 سنة، مع تحصينه بالتجريم القانوني، انسجاما مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب.
ويرى الراشدي أن الهدف الذي يتعين أن يكون من وراء إصلاح المدونة هو الوصول إلى المساواة بين المرأة والرجل داخل المجتمع والتي تعتبر بحسبه، رافعة أساسية لأي تقدم مجتمعي، مشيرا إلى أن مفهوم الدولة الاجتماعية الذي ترفعه الحكومة الحالية، تفرض وضع المرأة في صلب هذا المفهوم، خاصة المرأة التي لم تتح لها فرص التعليم أو التشغيل، على اعتبار أنه لا يمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية دون تمكين المرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
إلى ذلك دعت الوزيرة السابقة نزهة الصقلي رئيسة مجموعة أوال حريات، إلى المنع القطعي لتزويج الطفلات دون سن 18 سنة، مشيرة إلى أن القول بإمكانية تزويج الطفلات بمبررة اليتم أو الفقر، هو عقاب إضافي لهؤلاء الطفلات، معتبرة تزويجهن جريمة شنعاء في حقهن، وجب التصدي لها وتجريمها بقوة القانون.
كما دعت نزهة الصقلي إلى ضرورة التخلي عن مفهوم رب الأسرة كمفهوم وصفته ب”الكارثي” وهو غير موجود قانونا، وجعل الولاية القانونية على الأطفال مشتركة بين الرجل والمرأة، واعتبار النفقة التي يؤديها الرجل هي مجرد مساهمة في نفقة الأسرة، وهي نقطة أساسية، في نظر المتحدثة، بالإضافة إلى مطالبتها بحل مشكل الزواج المختلط سواء بالنسبة للرجال أو النساء، حيث تحرم المرأة من الإرث إذا لم تكن مسلمة، والتركيز على اقتسام الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج، وتضمينها في العقد حتى تكون إلزامية، إضافة إلى مطالبتها بحذف المادة 400 من المدونة الحالية وتعويضها بفتح مجال البحث في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأكدت رئيسة مجموعة أوال حريات، على أن كلمة “إعادة النظر” التي وردت في الخطاب الملكي السامي، تحيل على أن الغاية من هذا الورش الإصلاحي هو الوصول إلى إصلاح عميق وجذري لمقتضيات المدونة الحالية، والقطع مع منطق القوامة التي تمنح للرجل سلط متعدد، وعلى رأسها الوصول إلى الموارد حيث هو من يأخذ التعويضات العائلية، وهو من له صلاحية تزويج بناته، وهو من له السلطة الكاملة على الأسرة، بالإضافة إلى كون الأطفال يأخذون نسب الأب وليس الأم التي حملتهم في رحمها تسعة أشهر، وأن الأب هو من له حق الولاية القانونية، لوحده، على الأبناء وكأنهم ملك حصري للأب دون الأم التي تعتبر بهذا المنطق، مجرد وعاء.
وأوضحت نزهة الصقلي، أن مفهوم القوامة يتعين أن يتغير بشكل كلي، وأن تبقى المساواة بين الجنسين هي من يؤطر مدونة الأسرة، لأن المساواة، بحسب الصقلي، هي قيمة إنسانية كونية لحقوق الإنسان وهي أيضا، من المثل العليا لكل الديانات والشرائع، وأن إقرار المساواة يمكن أن يساهم في إشاعة ثقافة الحوار بين مختلف أطراف المجتمع، ويحفظ كرامة المرأة، وينبذ العنف والكراهية بين الزوجين في حالة الطلاق.
يشار إلى أن هذا اللقاء الدراسي الذي توزع على جلستين أدارته كل من خديجة الباز عضوة المكتب المسير لمؤسسة علي يعته، ورشيدة الطاهري عضوة مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية وخبيرة في مقاربة النوع.
وكان رشيد روكبان رئيس مؤسسة علي يعتة، قد أكد في كلمة له بالمناسبة على انخراط المؤسسة، القوي، في ورش إصلاح مدونة الأسرة، من منطلق المرجعيات الفكرية والمبادئ والقيم التي طالما دافع عنها الوطني الغيور الراحل علي يعته التي تتشرف المؤسسة بحمل اسمه، مشيرا إلى أن المؤسسة تأمل في أن تساهم في هذا الورش الوطني والمجتمعي في تحقيق الغايات الكبرى المرتبطة بالمناصفة والمساواة وحماية حقوق النساء والأطفال والأشخاص في وضعية هشة، وتعزيز المكتسبات والإنجازات التي حققتها بلادنا في حماية الحقوق والحريات.
وطرح رشيد روكبان العديد من الإشكالات المرتبطة بالمداخل الأساسية لإصلاح المدونة، في افق تحقيق الدمج العرضاني لمبدأ المساواة بين طرفي العلاقة الزوجية، وتبني مقاربة تقدمية حداثية بنَفَسٍ ديمقراطي وحقوقي جديد، تستند على نسق مفاهيمي عصري يتلاءم مع روح ونص الدستور، وينسجم ومقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان.

< محمد حجيوي
< تصوير: رضوان موسى

Top