الاندحار الذي مس العلاقات المغربية التونسية، وتسبب فيه السلوك الأخرق والبليد لحاكم تونس قيس سعيد، توقعه الكثيرون منذ مدة، وذلك بسبب تواتر الإشارات السلبية والتصرفات العدائية في حق بلادنا من لدن القيادة التونسية.
قمة طوكيو لتنمية إفريقيا (تيكاد8)، التي تقام أمس واليوم بتونس، مثلت فقط النقطة التي أفاضت الكأس، ولذلك كان يجب وضع النقط على الحروف من لدن السلطات المغربية، والتعاطي بحزم وصرامة مع العداء المتكرر والمجاني الذي يقترفه قيس سعيد منذ وصوله إلى رئاسة تونس في حق بلادنا وحقوقها الوطنية المشروعة.
لقد بقيت علاقات المغرب وتونس دائما إيجابية، وسجل العديد من المراقبين والعارفين تشابه الكثير من المقومات بين البلدين، واعتبارهما المؤهلين، قبل غيرهما، في المنطقة المغاربية، لبناء تكامل اقتصادي واستراتيجي بينهما، كما أن المغرب لم يتردد يوما في بعث الإشارات الودية تجاه تونس، ويذكر الجميع زيارة جلالة الملك وجولاته الحميمية والتلقائية في شوارع تونس دعما لاستقرارها ورفضا لما مسها من أعمال إرهابية، ولكن، في مقابل كل هذا، لم تصدر أي إشارة إيجابية من قيس سعيد تجاه بلادنا، وكان «حياده» المزعوم في قضية وحدتنا الترابية أقرب إلى العداء، بل ومرادفا له، وفهم الجميع أن تونس، على عهده، ماضية في الانجرار نحو هيمنة النظام العسكري الجزائري، والاصطفاف ضمن دوائر لعبته المجنونة ضد المملكة.
وحتى هنا بقي المغرب يجد لتونس الأعذار والمبررات، ويتفهم اضطرارها بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وهشاشة الأمن والاستقرار لديها، ولم يغير مواقفه الودية والداعمة، لكن حاكم تونس لم يستوعب مختلف هذه الإشارات، ولم يحسن قراءة نبل السلوك المغربي، وحرص المملكة على العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين.
النظام السياسي التونسي بقيادة قيس سعيد لم ينجح في صياغة جواب مقنع عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية التي يعاني تحت وطأتها أهلنا الطيبون في تونس، ولم يحقق لهم الأمن الضروري والاستقرار السياسي والمؤسساتي، ولهذا يتفاقم اليوم غضب الكثيرين في تونس، وتعاني البلاد من تراجعات مؤسفة على الصعيدين السياسي والثقافي، وذلك بسبب الأزمات المتواترة والمستمرة إلى اليوم، ونجح قيس سعيد، بدل ذلك، فقط في وضع بلاده رهينة لدى نظام الجار المتربص، ولدى أطراف دولية وإقليمية أخرى، ويضيف اليوم لكل ما سبق سقطة جديدة، من خلال استهداف المملكة المغربية ووحدتها الترابية بشكل مبتذل ومهين له ولبلاده قبل أي شيء آخر.
وحتى قمة (تيكاد8)، التي استضافتها بلاده، تسببت خطوته المعادية للمغرب في إفشالها، وسجل الكل تدني مستويات تمثيل الدول المشاركة وأيضا ما صدر عن العديد من المتدخلين من أسف لغياب المغرب عن المؤتمر، وكذلك التوضيح المعمم من لدن الشريك الياباني، وكل هذا أفضى إلى انتقادات واسعة صدرت من داخل تونس، من طرف سياسيين ونقابيين ومحللين، تحمل المسؤولية لحاكم تونس في كل هذه الإساءة التي اقترفها في حق بلاده.
من المؤكد أن اليقظة الديبلوماسية المغربية ضرورية، خصوصا الآن بعد أن اقترف قيس سعيد ما اقترفه، ولكن، مع ذلك، يجب التأكيد على أن سقطات حاكم تونس الحالي توالت وتعددت، ويعاني من تبعاتها الشعب التونسي أولا، وها هو اليوم يضع نفسه، بوضوح، في صف خصوم وحدتنا الترابية، ولم يترك لأي كان أي فرصة لمساعدة بلاده لتفادي مثل هذا الاندحار، وحتى التوضيحات اللاحقة التي صدرت عقب الموقف المعلن عنه من طرف المغرب، لم تنجح في رفع الالتباس، وإنما عرت موقف العداء أكثر، ومن ثم يحق للمغرب رفع صوته اليوم عاليا ضد إساءات حاكم أخرق، وأن يقول له: «باسطا».
<محتات الرقاص