برلماني سطات نموذجا…

يتابع الرأي العام الوطني هذه الأيام تطورات ملف برلماني عن دائرة سطات، أحالته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أول أمس الأربعاء، على أنظار الوكيل العام للملك، بعد أن كان قد جرى توقيفه يوم الأحد الماضي، وتفيد مصادر مطلعة أن الموقوف يتابع بتهم التزوير والنصب على مؤسسات بنكية وشركات وطنية بمبالغ تناهز: 63 مليار سنتيم.
من المؤكد أن هذا الملف سيكشف عن متورطين آخرين، وسيفضح تلاعبات وجرائم مالية متعددة، والمطلوب هو التحقيق الجدي والنزيه بشأنه.
حالة برلماني سطات ليست وحيدة، ولكنها تعتبر نموذجا لحالات عديدة متكررة، وتتداول قصصها عديد مجالس حديث بمختلف جهات البلاد، خصوصا عقب الانتخابات الأخيرة.
إن بعض هؤلاء «المنتخبين» حصلوا على عدد أصوات لافت للانتباه والاستغراب، وذلك بالرغم من أنهم غير معروفين بقوة في دوائرهم، وليس لهم أي مسار سياسي أو مجتمعي بارز وسط الناس، وهذا طرح الكثير من الأسئلة منذ ذلك الوقت، وها هو نموذج سطات يقدم لنا بعض الجواب بشأن ما حدث.
أيضا، تحدث المراقبون لاقتراع ثامن شتنبر الماضي عن توزيع مرشحين لمبالغ مالية ضخمة لنيل الأصوات أو من أجل إبعاد مرشحين محتملين من المنافسة، كما تم رصد هذا الإنزال المالي المهول بالعين المجردة في عدد من الدوائر، ونموذج برلماني سطات يجيبنا اليوم عن مصدر هذه الأموال التي تم تبييضها داخل الانتخابات، أي أنها نتاج عمليات نصب وتزوير وتدليس، ويمكن كذلك أن تكون من مصدر مشبوه آخر، ما جعلها مالا سهلا للتبذير ولشراء الذمم.
وفي المحصلة، أتاح الأمر لعدد من الفاسدين وأباطرة النصب والابتزاز أن يتسربوا للعملية الانتخابية وللمؤسسات التمثيلية، ومن ثم أن يساهموا في صنع الأغلبيات والتحكم في تدبير الشأن العام لبلادنا وشعبنا.
من المؤكد أن القضاء ومجلس الحسابات وهيئات المراقبة تبذل مجهودا للتخليق، ولا شك أن عددا من القوانين الموجودة تؤطر عمليات تمويل الانتخابات وحملات المرشحين، ولكن الواضح أن كل هذا لم ينفع كثيرا، وأن الخطر أكبر مما توقعته النصوص والمساطر الموجودة، وإنما هو يتعلق بتسرب كبار الفاسدين إلى ساحة السياسة، وإلى داخل المؤسسات الوطنية، وهو ما يهدد بتكبيل مختلف الانطلاقات والديناميات، ويحول السياسة عندنا إلى ممارسة ترتهن إلى الابتزاز والنصب، ويجري إفراغ مؤسساتنا التمثيلية من السياسة ومن كامل المعنى.
وفضلا عن القانون، لا بد من تنمية الوعي السياسي والمواطن وسط شعبنا وشبابنا ونخبنا، بما في ذلك داخل الأحزاب نفسها، لتمتين سلوك النزاهة، وتعزيز الحرص الجماعي على المصداقية، ورفض الرشوة وشراء الذمم، أي أن توسيع قاعدة التسييس، وتقوية عمل الأحزاب الجدية، ونشر التنوير والتوعية، كل هذا من شأنه كذلك تقوية رفض المجتمع لسلوكات الرشاوى الانتخابية وتسلل كبار المفسدين إلى داخل العمل السياسي والانتخابات والمؤسسات التمثيلية.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top