بدعم من وزارة الثقافة و الاتصال تعرض الفنانة التشكيلية مريم بلمقدم مسارها الفني مابين 9 و 28 نونبر الجاري برواق باب الكبير (الوداية – الرباط ) تحت عنوان « مسار فنانة 1997-2017 « .
حول تجربتها الفنية، كتب الناقد الفني أحمد الفاسي : « حينما يتشكل فن ما من انبثاقات عفوية وغير مراقبة ويخلق، بالرغم من ذلك، الدهشة والاعجاب عبر الانسجام المذهل الخالي من كل تصنع أو تكلف وعبر وفرة الخيال تنطلق عملية الفهم والإدراك بشكل حدسي وبدهي، فهل يؤشر الأمر على العودة القوية للفن وقد صدر عن الحياة مباشرة، حيا، ونضرا، ومتوهجا، مقابل عنجهية وغرور الفن الذي يطلق عليه تفكيري القائم على مفاهيم وتصورات، ومقابل هيمنة معينة للصورة الإلكترونية التي تُضجر بدل من أن تغري ؟ مقلق هو البديل ويدعوا للتفكر.
قبل تسع وستين سنة، حين افتتن جان دوبوفيه، الفنان والمنظر الأول للفن الخام، وانتشى أمام أعمال فنانين رسموا من دون الخضوع للتعلم، ومن دون الاستناد إلى نماذج موروثة، وانضم إليه أندريه بروتون خلال فترة زمنية معينة، قبل أن يتحالف بصوت عال، مع الاتجاه ذاته القائم على البحث عن فن لم يفسده التصنع والتكلف. وحين عبر بيير گوديبير، الكاتب والناقد الفني الفرنسي، فيما بعد، مثل الفنان التشكيلي أحمد الشرقاوي ذاته عن افتتانهما أمام رسوم البدوية الشعيبية طلال العفوية، الشعيبية ذاتها التي ستعرض أعمالها فيما بعد في السياق ذاته، وفي القاعات ذاتها، إلى جانب أعمال بيير أليشنسكي آخر ممثلي حركة الكوبرا، الفنان والشاهد على مرحلة وما يزال؛ تلك الحركة الخلاقة غير الخاضعة للتوجيه بل تستمر في التدفق حرة وسيدة نفسها، في مواجهة سيل عارم من ألمعارف وفيض من الاتجاهات ، فالحيرة تظل قائمة.
تقدم لنا مريم بلمقدم من دون أن تقصد ذلك، مثالا أكثر تعبيرا عن إما الاذعان لفن عقلاني أو الاستسلام لغرائب وتحف رسم يمنح الامتياز للأنا، بل للبعد الإنساني المنفلت وقد تحرر من رقابة العقل. ، فإن موهبتها تضعنا أمام أعمال ذات وضع خاص. فهي ليست فنانة فطرية تماما، وليست معاصرة عمدا، بل هي فنانة تشكيلية تبدع من دون أن تعير اهتماما لمخاطر الأسلوب الذي ابتدعته لنفسها، معتمدة على تأثرها، والانطباعات التي أوحت لها بها حياتها في المجتمع. إن مريم ترسم بلا تصنع أو قصد مفكر فيه مليا؛ وليست مبدعة وسيطية، ولا فنانة استثنائية، كما أنها ليست شخصية معتزلة، ولكنها تتمتع بعفوية تكاد تلامس الشعور الغريزي عفوية متبصرة. لا ريب أن طبعها الانعزالي والنُّسكي، كما بالنسبة لكثير من الفنانين، ولكن المفرد نوعا ما، يمنحها شخصية ذات هيئة خاصة.
طا لما ظل تطلعنا مرتبطا ، مجاملة ، بمبدعين متفردين نوعا ما ،إ لا أن الاكتشاف يضعنا امام أعمال ذات وضع خاص.لا فطرية أصلا ولا عصرية عن قصد. إنها فنانة تشكيلية تبدع من دون أن تعير اهتماما لمخاطر ألأسلوب الذي أبدعته اعتمادا على مشاعرها و مؤثرات المجتمع حولها.
مرآة حية
وما دامت الفنانة التشكيلية ثابثة في مقارباتها وغير مقلدة ، فهي مرآة حية بكل بساطة، بل مرآة تنبض بالحياة. إنها تشير وتحيل على الواقعيين الجدد عبر مغامرتها في الواقع ، وليس الواقع المشوه الذي يُنظر إليه عبر نَسخه مفاهيميا. إنها تستمد مواضيعها، وتختار موادها، وطريقة نسخ طويتها من أعماق ذخيرتها الخاصة، وتسمح للإبداع وحده أن ينضح.
حين نقارب فن مريم مقاربة وصفية لا شيء يربك عملنا، ولا شيء يثير حيرتنا ؛ فهو إبداع يجعلنا نقف مشدوهين أمام هذا التجريد المغزول بمزاجية مرهفة ذلك أن الأبجدية شفافة وواضحة؛ والإلهام يستمد نسغه من عاطفة جياشة ، إبداع مرتبط بالراهن بامتياز تبدو معه العلاقة بالفن المعاصر طبيعية وبدون زخرفة.
فن مريم ليس روحانيا لكنه يحيل على رؤى عميقة ومعبر عنها من خلال الفعل الوحيد وهو الرسم. بيد أن النضج واضح وملموس، والجمال الذي تعكسه الأعمال يبدو مثيرا للاهتمام،والاستغراب .
إن الفنانة تواجه عنفها الداخلي، المنغلق في وجه البيئة الخارجية بالرغم من أنها تتقبل كل شيء ما دامت تعمل عبر النبضات (والخفقان) التي يتحكم فيها ويوجهها مخيال في حالة مخاض لا تنتهي.
عالم مريم بلمقدم مشكل من نزوات وأهواء عارضة، ورغبات طارئة، ومن دفقات من عاطفة على اللوحة ، غير عابئة بحدود القول لكن المعنى حاضر، بارز للعيان، حقيقي وواقعي لأنه مشكل من انكشا فات تمليها قوة العفوية المستترة وحدها.
نفس هذه ألأعراض والظواهر التلقائية المنطلقة بدون قيد هي التي خالجت قبلها الفنانين الفوفيين والتعبيريين كما المتحررين .
لقد بقيت أعمال مريم بلمقدم بعيدة عن الناس لفترة طويلة جدا، بالرغم من أنها جديرة بأن تحتل مكانتها تحت الشمس في متحف مخصص للفن الذي يكشف نفسه حيا بألوان زاهية نابضة بالحياة، بلا مساحيق وتصنع ولا خدع، ولا إملاءات تجار الفن أو المقرِّرين غير المرئيين.
> أحمد الفاسي – تعريب : عبد العزيز جدير ( ناقد فني )