بقايا قلب معطوب

من لطف الصباح أنه يرينا الأشياء التي نحبّها كالشروق البارع في ترويض قرص الشمس، والغيمات العابرة التي تحتّل بوابة السماء، وطيفك الناجي من قسوة الليل.
إنها الخيبة يا عدمي،
هذا الصباح المنعش، يجعلني أعيش لحظات عشوائية أقتبس منها وشوشات صوتي الداخلي، وصور من مخيلتي العبقرية وابتسامات اللحظات الأولى من سيناريوهات الحياة، أقتبس الأمل كموهبة أمارسها من حين لآخر وأغسل وحشتي الكبيرة في فنجان القهوة وأفتح نافدة الاعترافات
أضع رأسي بين كفي وأمتلئ بشوقي الموجه إلى ذاتي القديمة، لم يبق في شوارع روحي مكان ألوذ إليه أخذتِ الندوب كل المساحة
تؤرقني شراهة الليل في سحبي نحو زحمة الصمت، غريقة في عتمات الروح، اقتفي من مكائد الوحدة قاربا صغير أتجرد به من آثار الوجع القديم، انتعلتني الذكرى وسكبت ملامحي في علبة مثقوبة تطفو على شط مرير
تتسرب منها ابتسامتي، عفويتي شامتي وعسل عيوني
أسحب سيجارة بيد ترتجف وأدخن هزيمتي الأخيرة وألوي ذراع الحب الطويل
لا شيء هنا يدعو للتفاؤل… كل شيء يبدو حزينا
فقلبي الوسيم ليس على ما يرام
وأنا امرأة مطحونة بقسوة القدر
أستعير من البحر أمواجه وأختبئ خلف أفكاره
هناك حيث ترسبت مواجعي وتخترت أحلامي دفنت لحظات الفرح التي لم يمنحها لي الحب في مقبرة الحسرة وأغمضت عيني ومت مسمومة بتصحر هائل
شرد القدر قليلا.. ثم قال لي مبتسما؟
وأنتم جالسان معاً.. شوهد وهو يهش فراشة ربيعية عن وجهكِ المشرق.. ثم يطاردها في فضاء الرصيف فيقع متعثراً بأقدام أحد المارة على الأرض فتنهال على ظهره لسعات عصا المارة بالطريق.. وتعلَن الحرب الكونية الأولى في حياته بسبب فراشة
شوهد يركض صارخاً، وأنتِ خلفه.. وخلفكما يركض المارة متوعدون، غاضبون
أحدهم قال: شاهدت فراشة تطير خلف صبيين يركضان مذعورين في السوق.. وخلف الموكب كان يركض المجتمع!
صَوتها كالموسيقى، ومساحات صَمتِها خَرخَشة دفوفٍ ناعِمة
شِدقاها ضِفّتان، بينَهما تَمتَد ابتِسامةٌ تَفيض فِتنةً وعذوبة. هي، المرأةُ الطِفلة. هي التي تأسِرُ بِلا أصفاد، تُغوي ببَراءة، هي المَفتونةُ بالوَردِ والموسيقى والكُتُب، ونحنُ المَساكين المَفتونينَ بها.
ساحِرةٌ هي، لكنَّها أبعَدُ ما تكون عن الشَعوَذة تَفتِنُنا ببَراعةٍ لكن عن غيرِ قَصد، إنها تلك الأنثى التي تَتركُ لَمَساتِها الوَرديةَ على جُدرانِ العالَمِ المُمِلّةِ الفارِغة. باختِصارٍ يا عزيزي، هي الأنثى التي لا يُمكِنُكَ نِسيانُها
أجلس فوق أبيات القصيدة التي لم أكتبها بعد وأمشّط أفكاري المعتقة بالنبيذ وأُذيب أنفاس الزيزفون في فنجان بوحي، أصابعي مطرقة لطيفة أدلق بها بهرجة مشاعري
الفوضى والمطر ولوعة بأسي..
والتجاعيد تغدر بوجهي الجميل ونظرتي تحمل سرا عميقا
الرجل الذي أحبه يقف أمامي ألان
إنه يقوم بطلاء جدران غرفتي بقبلات جبانة
ربما أهذي…
مازالتُ على قَيدِ العَشوائيةِ والتِلقائية،
مازلتُ بلا مسارٍ مُحَدَّد، مازالت الفَوضى جُزئًا من قصَّتي الرَمزية، لكنَّني لأولِ مرّةٍ أفهَم…
أفهَمُني جيدًا، أفهَمُ تاريخي المُصَغَّر وحياتي كأنَّ الوعيَ قد انتَفَضَ في رَحمِ اللاوَعي، ورُفِعَ الستارُ عن الإدراكِ المُبطَّن. رغمَ كل الزَوبَعة، يُعانِقُني الاطمئنانُ المُطلَقُ لأقدارِ الله
مرحباً
بهدوء قال
أشتاقكِ.. فتذبل وردة في مكان ما.. وتطعن السماء غيمها
أيتها الغيمة الجافة، هذه خناجر حاجتي أشهرها في وجهكِ كي تتمزق في صدركِ المسافات
ويمطر حضوركِ غزيراً
أيتها المركبة من قصائد الشعراء وخيال الكتّاب
أيتها المستأنسة بوحشتها.. المزدحمة بذاتها..
أحبكِ مثلما لم يحدث من قبل، حتى في الخرافات والأساطير
وأنا أقول كل هذا لا أصل أبداً إلى ما أريد قوله.. كل هذا وينفرط مني البوح، يغيب أين
لا أعلم.. لا يمكن العثور عليه.. فيتوسد الصمت مخيلة المكان
إنه يساهم في تفعيل مواجعي كل مرة حين أتذكرك وحين تتسكع كلماتك في منفى ذاكرتي وحين تنطفئ قناديل الصدق في وجه التداعي، خلف كل سعادة مؤقتة خيبة كبيرة هكذا عودتني دائماً، جعلت الاكتئاب يصيبني مرتين مرّة لما رأيتك نسخة تستأنس بمآسي الآخرين ومرة أخرى لما لمحتُ ثقباً في أجنحتك في حين كنتَ مصرّ على جعلنا نراك تحلق
وقتها أدركت أنك تعاني من روح مشوّهة وعطب بالغ لا شفاء منه، لطالما أحدثت ضجيجا داخل روحي كونك فارغ تماماً فالأشياء الفارغة دائما تحدث ضجيج
لطالما أذيتك بالحقيقة التي جعلتك تراني دقة قديمة، طريقاً طويلا أو بالأحرى مجرة وسط السماء
تلك الحقيقة التي لم تترك لي مجالا للبقاء في حقلك الملغم بالكذب
أعلم أن ملامحي التي تهرب منها ستظل تلاحقك لأنه لا مفر من عيناي التي رممت بها أحلامك البعيدة، لا مفر من ابتسامتي التي راهنت بها أحزان تاريخك الكئيب
أنا المرأة التي داعبت جيوب خواصرك الوهمية حوّلت الأسى إلى أكبر كمية ممكنة من المتعة وألقت عليك محبّتها في الوقت الذي أنكرتك الحياة، العائلة والأصدقاء، لست جميلة ولا مثالية لكني مغرية جدا للحب
فكرة أن تبقى لجانبي مدة طويلة ترعبك أليس كذلك؟
لو أني توقفت تلك الليلة عن العبور لما كنتُ اليوم ها هنا أرمي عليك بقايا قلبي المعطوب وشظايا روحي المكلومة، لما كنتُ اليوم أستجدي الحنين في رسائل ليلكية وأُلقي بأضلعي المُجهَدة عحافة ليل طويل وأتوّسد دموع مشاعر مُستهلكة.. لما كنتُ عصفور مسجون يبحث عن الحرية
كما لو أني لا أعرف كيف يتنفس المرء هكذا أحببتك، ما أبعدني عن الشعور بالطمأنينة في خضم هاته اللحظات البعيدة التي تُغرقني في صوتي الداخلي، صوت يقول أني ملطخة بالحيرة، بتخيلات فنتازية لا أساس لها من الممكن، صوت يجعلني أذهب وأجيء بين التيارات المتناوبة التي تشّد ع قلقي ع خوفي وع انفعالاتي المشتعلة، تساورني الكثير من الشكوك حول كل هذا الوقت الذي أصرفه في التفكير بك، في السؤال كيف تبدد أيامك المُتعبة؟
أيعقل هذا؟ كيف لغائب ملطخ بالغدر أن يكسب كل تلك الأهمية؟
كيف لصراع داخلي أن يكون مهلك هكذا؟
أنا متعبة جدا من استخدام الكلمات، نص واحد لا يكفي ليخلصني من هذا الثقل، أبجدية واحدة لن تُسعف هذا الكم الهائل من الحزن الذي يسير في كل الاتجاهات، أغنية واحدة قد تعيدني إلى منفى مرصع بالذكرى، تعيدني إلى أمس متقّلب الأهواء جعلني أتخبط بين الحبّ واللاحب بين الوعي و اللاوعي يحشرني في زاوية ملغومة
تفاصيل كثيرة كان لها تأثير زمني عميق على أيامي، مشاهد غزيرة التقطتها بأجنحة قلبي سوف تخبرك يوماً عن العطب السميك الذي أحدثته بها،
تحاصرني عيونك الحائرة حيث أخطو وتلك الأحاديث التي تدور في صمت بيننا تمتص وميض حبّنا المنطفئ،
هل لك أن تدرك كيف لحديث قلب مبتور أن يكون الأخطر على الإطلاق؟
لم تعد صباحاتي تلمع كما في السابق حين كنت تستدير بعيدا عن الحياة وتأتيني ع أجنحة غيمة لتجعلني أفضل، لتملأ يومي بضحكات تحمل كل أحلام العالم، لتكون العمود الفقري الذي يمنحني التوازن، لتعيرني كل الانتباه حين تورطني في شعور مختلف
كأنك لازلت لم تدرك بعد أنك الشيء الجميل الذي كان يحدث في كل صباحاتي؟
ماذا لو..؟
ماذا لو جعلتَ هذا الصباح يمطر؟
ماذا لو حوّلت أحزاني إلى شجرة كرز؟
ماذا لو كنتَ لي ربيعاً و شتاء في آن واحد؟
ماذا لو خطونا معاً و أشرقنا من صدفة سعيدة؟
ماذا لو كانت الحياة عادلة وخاطبتنا بالحبّ؟
ماذا لو ابتكرنا شعور جديد لا يعيشه سوانا؟
تسحرني فكرة أن نلتقي مرة أخرى بين كلمات منسية بين خطيئة قديمة وعواطف تملؤها الوحشة، المهم أن نلتقي ولو في حيوات أخرى
لطالما كنتُ متهورة للغاية وغير مهذبة حين يتعلق الأمر بالكتابة وأظنني لازلت وسأظل…

هند بومديان

Top