بنعبدالله: تبوء المغرب مراتب متقدمة يفرض بناء اقتصاد وطني قوي

أكد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن تبوء المغرب مراتب متقدمة على المستوى العالمي، لن يتأتى، فقط بتحقيق المزيد من المكتسبات في مسار البناء الديمقراطي، بقدر ما يقتضي بناء اقتصادي وطني قوي في إطار مقاربة اقتصادية واضحة، تقوم على ربط القرار السياسي بالقرار الاقتصادي.
وأوضح نبيل بنعبد الله الذي حل ضيفا على مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، أول أمس الخميس بالرباط، أن احتلال المغرب لمراتب متقدمة على المستوى العالمي مرتبط بمدى قوته ومتانة جبهته الداخلية التي لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود نمط تنموي ديمقراطي واقتصادي وعدالة الاجتماعية تقوم على الانصاف والتوزيع العادل للثروات، مشيرا إلى أن ذلك لن يستقيم، أيضا، دون ربط للقرار السياسي بالقرار الاقتصادي وأن تصبح الحكومة هي التي تقرر فيما يحدث في الساحة الاقتصادية بالنسبة لكل القضايا الأساسية، ما عاد تلك القضايا الجوهرية ذات البعد الاستراتيجي التي تتعين أن تخضع إلى مستوى أعلى وهو المؤسسة الملكية طبقا لما هو منصوص عليه في الدستور.
وجدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية التأكيد على أن الحقل السياسي المغربي، يعتمر بمن هم يتابعون النضال والتضحية والمثابرة ويبحثون عن استقلالية القرار ويواجهون تحديات كثيرة ويواصلون النضال من أجل إقرار نظام ديمقراطي حقيقي، كما يعتمر أيضا بمن قرروا أن يسايروا الموجة بأي شكل من الأشكال وأن يقبلوا بما يحدث ويبرروه بأي شكل من الأشكال، مشيرا إلى أن الأمر ذاته، أي التحكم الموجود في الحقل السياسي هو موجود كذلك في عالم الاقتصاد وفي عالم الإعلام، مضيفا بهذا الخصوص، أن في المجال الإعلامي هناك من قرر أن يحافظ على نقاوته وعلى طهارته الفكرية وعلى استقلالية ما يكتب وهناك، في الوقت ذاته، من قرر أن يتبع الموجة.   
وفي المجال الاقتصادي، قال بنعبد الله، خلال هذا اللقاء الذي أداره محمد الشيكر رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، “إن حزب التقدم والاشتراكية قرر أن يفكر بشكل عميق، في العديد من القضايا التي باتت تعتمر الاقتصاد الوطني، وباتت تطرح إشكالية تفرض على الجميع طرح سؤال الحكامة في المجال الاقتصادي لمعرفة من يتخذ القرار الاقتصادي في المغرب”، مشيرا إلى أن استقلالية القرار السياسي والاقتصادي مرتبطة بمصداقية مختلف الفاعلين كيف ما كانوا.
وفي السياق ذاته، أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن هناك طفيليات لا تريد لهذا المجتمع أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وتريد أن تمنع أحزابا سياسيا من التحليق بجناحيها بحرية وبشكل مستقل، وتريد أن تتحكم في المسار السياسي للمغرب وفي مختلف مستويات القرار الأخرى، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من المجالات.
وأضاف محمد نبيل بنعبد الله، أن الصراع، بهذا المفهوم، هو قائم وموجود باستمرار، وبالتالي، يقول المتحدث “إن العفاريت كما سماها عبد الاله بنكيران أو جيوب المقاومة كما سمها عبد الرحمان اليوسفي أو الطفيليات كما نسميها نحن، هي موجودة، وأن البعض يسعى إلى استعمال عدد من المستويات من أجل مقاومة الإرادة في التغيير العميق”.
وتابع بنعبد الله، أن هناك أوساطا تعتبر أن دستور سنة 2011 جاء بشكل متقدم أكثر من اللازم، مقارنة مع الواقع الذي يوجد عليه المجتمع المغربي اليوم، وأن هذه الأوساط رغم أنها لا تصرح بذلك علنا، فهي موجودة وتصرف هذا الخطاب بطرق مختلفة، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره حزبا متزنا ومسؤولا، كما كان دائما، يعي جيدا أن بلورة الدستور الجديد لا يمكن أن تتم هكذا، بين عشية وضحاها، لأنه يعي جيدا طبيعة الصراع وطبيعة موازين القوة في البلاد، مؤكدا على أن  الدستور الحالي هو دستور  متقدم في عمقه وفي توجهاته الأساسية، يتطلب الوقت الكافي لبلورته، بل يتطلب، أيضا، التوفر على النخب القادرة على بلورته وعلى الأحزاب السياسية التي تتوفر مصداقية وعلى استقلالية القرار،  لبلورة هذا الدستور.
 ويرى نبيل بنعبد الله، على المستوى، أن هناك من يريد أن يسير في هذا التوجه وفي هذه الطريق، وفي المقابل هناك من لا يستسيغ أن يفقد كل، أو جزء، مما يتوفر عليه من سلطة، في مجال ما، سواء كانت مرتبط بقرار إداري أو اقتصادي أو انتحابي أو اجتماعي، أو غيرها من مستويات السلطة، وهو ما ينعت، بحسبه، ب “الدولة العميقة” التي تنظر بشكل سلبي إلى أي تطور في النمط الديمقراطي المغربي.
وعرف المسؤول الحزبي، مفهوم التحكم في المجال السياسي، كونه كل محاولة هادفة إلى تطويع القرار السياسي والقرار الحزبي، أي عوض أن تكون هناك أحزاب تتخذ مواقف وقرارات بكل حرية، تجد هناك من يسعى إلى تطويع هذه القرارات والمواقف وجعلها مرتبط بأوساط من خارج الوسط الحزبي، مشيرا إلى أن التحكم لم يكن وليد اليوم، بل عرفه المغرب منذ الاستقلال، لكن المتغير هو أن التحكم في تلك الفترة، يقول نبيل بنعبد الله “كان ينتمي إلى أجهزة الدولة، واليوم من يتكلف بهذه المهمة لا مسؤولية لديه في الدولة، ويستمد قوته من قلة الشجاعة والجرأة الأوساط السياسية والاقتصادية”، متسائلا حول أقصى ما يمكن أن يحدث لحزب سياسي قرر أن يحافظ على استقلالية قراره، خاصة عندما يتعلق الامر بمجموعة من الأحزاب؟.
وبحسب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فإن مواجهة التحكم تقتضي صحوة حقيقية لمختلف الفاعليين السياسيين وأن تكون هناك ردة فعل قوي تحذر مما يمكن أن يقع، وأن تبرز أن مسلسل التحكم لا مستقبل له، ويهدد بناء اقتصاد وطني ويهدد البناء الديمقراطي الذي سار عليه المغرب بتظافر جهود المؤسسة الملكية والقوى الوطنية والديمقراطية في هذه البلاد.
وحول ما إذا كانت هناك ضرورة لبناء توافقات سياسية في المرحلة الراهنة، أوضح بنعبد الله أن التوافق يكون حول القضايا الكبرى وفي مقدمتها القضية الوطنية، لكن الباقي من القضايا الأخرى يتعين، في نظره أن تخضع للممارسة السياسية العادية.
وفي هذا الاتجاه، انتقد المسؤول الحزبي، بعض الأصوات الداعية إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطنية، قبل الاستحقاقات التشريعية المقبلة، وقال في هذا الصدد “نحن لسنا في وضعية استثنائية حتى تكون هناك دعوة إلى حكومة ائتلاف وطنية”.
وبالنسبة للعلاقة المتوترة بين الحكومة والمركزيات النقابية، والأسباب التي تحول دون بناء توافق معها، أكد نبيل بنعبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية يقول أن هناك حاجة إلى ميثاق اجتماعي، مشيرا إلى أن البلدان التي تعتبر صاعدة، أرست قواعد ميثاق اجتماعي قبل البناء الديمقراطي، على غرار ما وقع في كوريا الجنوبية مثلا، عكس المغرب الذي قرر توسيع الفضاء الديمقراطي بما له من سلبيات وإيجابيات، مشيرا إلى أن الوصول إلى ميثاق اجتماعي يقتضي من الأطراف الثلاث : الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب المقاولات، أن تجلس فيما بينها وأن تتفق على قرارات ذات طابع اجتماعي، وفي الوقت ذاته على قرارات جريئة ومؤلمة في بعض الأحيان، وأعطى مثالا على ذلك بإصلاح نظام التقاعد، الذي يقتضي من الحكومة أن تقدم بعض المكافأة الاجتماعية، حتى تكون عادلة، وفي نفس الوقت يقتضي من النقابات أن تلتزم بالسلم الاجتماعي.
وأضاف نبيل بنعبد الله، أن الحكومة والنقابات كانتا على وشك التوصل إلى اتفاق، لكن بعض النقابات صعدت من نبرتها في آخر لحظة، وعرقلت التوصل إلى ذلك الاتفاق، مشيرا إلى أن القرار النقابي أيضا بات مهددا وأن التحكم بدأ يمس المجال النقابي أيضا، وبالتالي، لم يعد هناك، بحسبه، مجال فيه الطهارة فقط، ما يجعل الأمور، اليوم، غير ناضجة للوصول إلى ميثاق اجتماعي.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أنه من غير الممكن مقاربة موضوع الإصلاح دون حكومة قوية، كيف ما كان نوع هذا الإصلاح الذي لا يستقيم إلا بحكومة مسؤولة أمام المواطنين ومنبثقة من صناديق الاقتراع.
من جانب آخر، دعا نبيل بنعبد الله إلى الحفاظ على الخدمة العمومية بالشكل الذي ينسجم مع طبيعة المرحلة، مشيرا إلى المشكل ليس في الحفاظ على المؤسسات، ولكن في الحفاظ على الخدمة العمومية، على اعتبار أن المرفق العام هو أساس المساواة والعدل والانصاف، مشيرا إلى فتح الباب في جميع المجالات، لا يستقيم دون إصلاح المستشفى العمومي والمدرسة العمومية ودون تطوير الخدمة العمومية وجعلها في خدمة الجميع، وليس في خدمة أقلية من المواطنين.  
وحول موقع المغرب في خضم ما يجري على المستوى العالمي والجهوي، أوضح الأمين العام لحزب الكتاب، أن المغرب استطاع أن يحضر نفسه، حسب المستطاع، لمواجهة التحديات المطروحة، والدليل على ذلك في نظره، هو أنه خلال الأربعين سنة الأخيرة، استطاع، بداية، أن يفتح أكثر فأكثر باب البناء الديمقراطي وهو مدخل أساسي لأي مسلسل تنموي، واستطاع عبر مراحل أن يصل إلى دستور 2011 وإلى بلورة أول تجربة قائمة على الدخول في مرحلة بناء الملكية البرلمانية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، رغم ما يمكن أن يقال على هذا المستوى.
وأضاف بنعبد الله، أن كل ذلك مكن المغرب من المحافظة على استقراره ومن بلورة تلك الإصلاحات في إطار التطور السلس، دون أن يحدث له ما حدث لعديد من الدول التي توجد اليوم في وضعية مأسوية، مشيرا إلى أن الأمر أيضا يقتضي ضرورة الاعتراف بأن المغرب خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة، استطاع أن يطور بنياته الأساسية وطور إلى حد ما إمكانياته الاقتصادية وكذا مقاربته الاجتماعية، وهي التي جعلته يحافظ على استقراره أمام التقلبات التي عرفها سنة 2011.
ودعا المسؤول الحزبي، إلى عدم استصغار ما حدث، لأنه لو لم يقم المغرب بتلك الإصلاحات التي قام بها، لكان، بحسبه، في مهب الريح، بالإضافة، طبعا، إلى أن المبادرة الملكية، التي وصفها ب”المقدامة” والمتمثلة في الخطاب الملكي ل 9 مارس، والتي قلبت الموازين بدرجة أولى وكبيرة، كما أن عدم انخراط الأحزاب الأساسية الديمقراطية فيما كان يقع في الشارع، كان له دور أساسي أيضا، يتعين استحضاره، مشيرا إلى أن المغرب، وإن كان لم يصل إلى مستوى البلدان الصاعدة، لكنه استطاع أن يطور بشكل كبير بنياته التحتية وأن يطور اقتصاده وأن يقوم بعدد من الإصلاحات التي لم تقم بها العديد من الدول من بينها تلك القريبة منه.
وفي نظر محمد نبيل بنعبد الله، فإن الموقع الذي يمكن أن يحتله المغرب على المستوى العالمي، مرتبط بقوته وبمتانته الداخلية، وأن هذه المتانة لا يمكن أن تستقيم إلا بنمط ديمقراطي تنموي واقتصاد وطني يمكن من تطوير آلة الإنتاج، وعدالة اجتماعية تمكن من تحقيق توزيع عادل للخيرات، وهو الطرح الذي يقول به حزب التقدم والاشتراكية، حسب أمينه العام، الذي أشار إلى أن المغرب، إلى حد ما، يوجد في منتصف الطريق بالنسبة لكل هذه المحددات، فهو لا يوجد في مؤخرة هذه المحددات كما أنه ليس في نهايتها، استطاع أن يطور العديد من الإصلاحات لكنه لم يصل إلى المستوى المطلوب.
 وحول دول النخب المغرب، قال بنعبد الله “إن هناك الكثير ينتظر من هذه النخب التي لا تنحصر فقط في الأحزاب السياسية كما يحاول البعض أن يروج لذلك، بقدر ما هي موجودة في جميع المجالات الاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية، وغيرها” وذكر في هذا الصدد، بأن المغرب في مرحلة كبت الحريات والانكماش الديمقراطي، كان يتوفر على طاقات في مختلف المجالات، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فنية أو ثقافية تعبر عن تصوراتها وموافقها وتنخرط في مختلف قضايا الوطن كيف ما كانت، عكس حال العديد من النخب اليوم، التي باتت في وضعية استقالة، أو في وضعية نوع من الممارسة الانتهازية، والقبول بما يحدث وتبريره،  على الرغم من الانفتاح الذي يعرفه المغرب على المستوى الديمقراطي.    
يشار إلى أن هذا اللقاء الأول الذي يندرج ضمن سلسلة اللقاءات الرمضانية التي برمجها مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، مع أمناء عامون لأحزاب سياسية، وفق ما أكده محمد الشيكر، تميز بحضور أعضاء من الديوان السياسي واللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، بالإضافة إلى ثلة من المفكرين والباحثين وصناع الرأي.   
 محمد حجيوي

Related posts

Top