بنكيران في البرلمان

عاش مقر مجلس النواب أول أمس الاثنين «لحظة ديمقراطية تاريخية» باعتراف كل الأطراف، حيث انعقدت جلسة الأسئلة الشفوية الأولى من نوعها بموجب الدستور الجديد الذي ينص فصله المائة على أنه «تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة٬ وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر»، كما تؤكد المادة 160 من النظام الداخلي لمجلس النواب، في السياق نفسه، على أنه «تخصص جلسة واحدة كل شهر لتقديم أجوبة رئيس الحكومة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة».
وبالرغم من أن بعض التدخلات البرلمانية نحت منحى تبسيطيا للأشياء، واختارت معجم المزايدة، أو في أحسن الأحوال كانت غير مختلفة عما تشهده الجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفوية الموجهة للوزراء، فإن عددا من المتابعين اعترفوا لرئيس الحكومة بتفوقه في جعل «استجوابه البرلماني» ناجحا وجاذبا، وقد حول كثير كرات قذفت في وجهه إلى أهداف سجلها في مرمى أكثر من جهة.
لم يكن نجاح رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تواصليا فقط، أو تفوقا في صنع الصورة الإعلامية وفي ترويجها، إنما كان نجاحا في دفع مختلف مكونات الحقل السياسي والبرلماني إلى التوجه إلى عمق ما هو مطروح على البلاد من قضايا وتحديات، وإلى اعتماد خطاب شجاع ومواقف جريئة بشأن القضايا الحساسة (تشغيل العاطلين حملة الشهادات، محاربة الفساد والريع…).
مجلس النواب، من جهته، يسجل له أنه نجح في عقد هذه الجلسة أولا، ثم أنها مرت بسلام، ومن دون توترات أو مشادات، ومن ثم، فإن الجلسات الشهرية القادمة قد تساعد ممثلي الأمة على تطوير مضامين الأسئلة والمحاور، وتجويد أشكال طرحها والترافع حولها، وذلك بما ينتقل بمثل هذه الجلسات إلى جعلها لحظات قوية للحوار السياسي الرصين بين الأغلبية والمعارضة، وواجهة لمقارعة الأفكار والبرامج، ولتحليل السياسات العمومية ونقدها.
ولهذا يجب على مختلف الفرق النيابية أن تهتم بشكل أكبر بطبيعة الجلسة، وبمضمون ما ستطرحه من أسئلة وبطريقة ومستوى عرضها، وليس فقط بالحجم الزمني لمدة وقوف أعضائها وراء الميكروفون وعلى شاشات التلفزيون، كما أن كل مكونات المجلس عليها أن تدرك أن الزمن الدستوري والمؤسساتي الجديد في بلادنا صار يقوم على أغلبية موجودة حقا وحقيقة وبقوة الأصوات والمقاعد، وعلى معارضة هي الأخرى موجودة، ولكل الوجهة التي اختارها وارتضاها، ولم يعد مقبولا اليوم التلويح بمناسبة وبدونها بـ «المقاربة التشاركية» في كل الحركات والسكنات، كما أنه من غير المفهوم انتقاد «الأغلبية العددية»، لأنها ليست وهما، بل حقيقة قررتها صناديق الاقتراع.
أول أمس كانت إذن البداية، وقد تحدث الدهشة والارتباك في كل البدايات، لكن المطلوب اليوم على مستوى أجهزة مجلس النواب تقييم سير الجلسة الشهرية الأولى مع رئيس الحكومة والسعي لتطويرها، وهنا على المعارضة والأغلبية معا الانخراط في «مقاربة تشاركية» من أجل تطوير هذه اللحظة الديمقراطية المهمة، وجعلها موعدا جاذبا لاهتمام المغاربة وانتباههم.
[email protected]

Top