> حاوره في الرباط: محتات الرقاص
< بداية نستهل هذا الحوار مع معاليكم بتجديد الثقة فيكم لولايتين جديدتين، مدة كل واحدة منهما ثلاث سنوات، على رأس المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم )إيسيسكو(، ما هي إذن الأولويات الرئيسية التي ستميز عملكم على رأس المنظمة على المدى المستعجل والقريب؟
<< خطة العمل الثلاثية والموازنة للأعوام (2016-2018) التي اعتمدها المؤتمر العام الثاني عشر للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، هي التي تحدد المهام التي سنقوم بها، وتضع الإطار العام والبرنامج المفصل للعمل الذي سننجزه، وترسم خريطة الطريق أمام المنظمة، في ضوء الأهداف التي ينص عليها الميثاق، وفي ظل قرارات المجلس التنفيذي والمؤتمر العام. ولما كانت الإيسيسكو ستدخل في مطلع السنة المقبلة 2016، مرحلة جديدة، سيكون من سماتها التطور في التخطيط وفي التسيير وفي الإنجاز، فإن مسؤوليتي، وبعد أن جدد المؤتمر العام انتخابي لفترتين جديدتين، تـلزمني بأن أكون عند حسن ظن الدول الأعضاء، لمواصلة العمل على تحقيق التطوير الشامل للإيسيسكو ومضاعفة الجهد للارتقاء بها إلى مستويات أعلى من النواحي كافة، الإدارية والبرامجية والتنفيذية، والسعي بها نحو الانفتاح الواسع على المتغيرات المتلاحقة التي تعرفها الدول المتقدمة في الميادين التي تدخل ضمن اختصاصاتنا.
< المؤتمر العام الثاني عشر للمنظمة، والذي انعقد مؤخرا في باكو عاصمة أذربيجان، أقر كذلك ما أسميتموه مشروع خطة العمل الثلاثية للإيسيسكو 2016- 2018، هل تنفيذ برامج هذه الخطة يخضع لأولويات البلدان التي سيشملها التنفيذ أم هي مشاريع جاهزة تتولى المنظمة بشكل عام تنزيلها في هذه البلدان وفق ما أقره المؤتمر؟
<< تنفيذ خطط العمل الثلاثية المتعاقبة منذ تأسيس الإيسيسكو يخضع لتلبية احتياجات الدول الأعضاء وتوفير الوسائل لها من أجل تعزيز قدراتها في مجالات التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والاتصال، مع مراعاة التوزيع الجغرافي الذي يقتضي تحديد الأولويات في تنفيذ البرامج والأنشطة من جهة، والحرص على ضمان الجودة في المضامين وفي أساليب الأداء على جميع المستويات من جهة أخرى، بحيث تستفيد الدول الأعضاء كافة، وعددها حتى الآن إثنتان وخمسون دولة، من الخدمات التي تقدمها الإيسيسكو لها. وفي هذا الإطار ستواصل المنظمة تنفيذ المشروعات الكبرى التي لا ترتبط بمواعيد محددة، وستوالي إنجاز البرامج والأنشطة المتواصلة في جميع خطط العمل، التي بدأ تنفيذها في مراحل سابقة، مع الشروع في تنفيذ البرامج والأنشطة المبتكرة التي تساير المستجدات في مجال اهتماماتها، والتي تتضمنها خطة العمل الجديدة.
< وهل يمكن لبرامج الخطة المصادق عليها في المؤتمر العام أن تشهد تغييرا أو إعادة توجيه وفق مستجدات وأولويات الواقع أو طلبات الدول المعنية؟
<< الإدارة العامة للإيسيسكو تراعي عند وضع التصورات الأولى لمشاريع خطط العمل، أن يكون التجديد في المحتوى والتحديث في المضمون والتطوير في الإنجاز والتوسع في العمل، على رأس الأولويات التي تحكم التخطيط للمشروعات والبرامج والأنشطة، بحيث تكون خطة العمل مسايرة للمتغيرات، ومنفتحة على التطورات، وذات مردودية عالية تنعكس على الواقع التربوي والعلمي والثقافي في الدول الأعضاء كافة
< كيف تقيمون مستوى حضور منظمة )إيسيسكو(على الصعيد العالمي في إطار المناقشات الجارية اليوم حول الإسلام وحول صورة الإسلام والعلاقة مع الثقافات والديانات الأخرى؟ وهل لديكم برامج ومخططات في هذا الاتجاه؟
<< تولي الإيسيسكو اهتماماً متواصلاً بتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروجها بعض وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين، وتعنى بالانفتاح على آفاق العصر، والاندماج في المحيط الدولي، والمشاركة في الحوار الإنساني الواسع بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان. وفي هذا السياق وضعت الإيسيسكو “الإطار العام لبرنامج الردّ على حملات التشويه الإعلامي للإسلام وللحضارة الإسلامية” الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة. وفي هذا الإطار أيضاً، وضعت الإيسيسكو “منهج تكوين الصحافيين لمعالجة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية” الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام. هذا إلى جانب الدراسات والكتب التي تنشرها المنظمة بالعربية والإنجليزية والفرنسية، والندوات المتخصصة التي تنظمها حول هذه القضايا.
< يقول بعض المتابعين لعمل المنظمة بأن حضورها هذا على الصعيد العالمي لا زال مع ذلك ضعيفا وبلا أثر، بماذا تعلقون؟
<< الإيسيسكو منظمة إسلامية متخصصة في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وهي تعمل في إطار منظمة التعاون الإسلامي. وبهذا الاعتبار، فهي منظمة إقليمية بحسبانها الجهاز الإسلامي المتخصص في هذه الميادين التي هي الأكثر تأثيراً في بناء التنمية الشاملة المستدامة. وإذا كان المجال الحيوي الرئيس الذي تتحرك فيه الإيسيسكو هو العالم الإسلامي، فإنها تنفتح على آفاق دولية واسعة، وترتبط باتفاقيات للتعاون والشراكة مع منظمات ومؤسسات وهيئات دولية، تتجاوز المائة والتسعين منظمة، أذكر منها، منظمة اليونيسكو، التي نشترك معها في تنفيذ عدد كبير من البرامج والأنشطة في إطار برنامج للتعاون المشترك يتجدد كل سنتين، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، واليونسيف، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والشبكة الدولية للطاقة المتجددة، والمفوضية السامية لتحالف الحضارات، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، والمنظمة الدولية للفرانكوفونية، وغيرها… فلمنظمة الإيسيسكو حضور متميز في المحافل الدولية ومشاركة مؤثرة في المؤتمرات العالمية التي تعنى بقضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، تقدم من خلالها رؤية العالم الإسلامي إلى هذه القضايا الإنسانية التي تستأثر باهتمامات المجتمع الدولي. ولذلك فإن القول بأن حضور الإيسيسكو على الصعيد الدولي، ضعيف وبلا أثـر، ليس صحيحاً على الإطلاق.
< ولكن اليوم لا ينكر أحد أن الراهنية الدولية تضع الإسلام والمسلمين في مركز الانشغال والاهتمام داخل عدد من مناطق العالم، وخصوصا عقب ما تشهده دول ومناطق من تفجيرات وأعمال إرهابية (فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، الدول الإفريقية وغيرها)، وهذا يفرض على المنظمات والهيئات الإسلامية الانخراط القوي في الحوار الكوني الجاري وتقديم صورة مختلفة عن الدين الإسلامي، فكيف ترون الأدوار المطلوبة من منظمة كالإيسيسكو على هذا الصعيد؟
<< تواكب الإيسيسكو الأحداث التي تجري في العالم، خصوصاً ما له صلة بالإسلام الذي يتعرض لتشويه صورته وتحريف مقاصده من خلال العمليات الإرهابية التي يرتكبها أفراد أو جماعات تنتسب إلى الإسلام، ولكنها تخالف تعاليمه السمحة وتسيء إليه إساءة بالغة، وتقدمه للعالم في صورة منفرة ترتبط في الأذهان بالعنف والتطرف والإرهاب. ولا تترك الإيسيسكو هذه العمليات الإرهابية تمر دون أن تصدر عنها بيانات تدين هذه الجرائم بشدة، وترفضها بقوة، وتبرئ الإسلام الحنيف منها، وتدعو العالم الإسلامي إلى إدانتها والتنديد بهذه الأعمال الإجرامية التي يحرمها الإسلام تحريماً مطلـقاً وتجرمها القوانين الدولية. كما تعمل الايسيسكو على دعم المؤسسات التربوية والثقافية في الدول الأعضاء وفي المجتمعات الإسلامية خارج الدول الأعضاء، ونشر الثقافة الوسطية التي هي سمة أصيلة من سمات الإسلام.
< بالإضافة إلى العمل على الواجهة الدولية، ألا ترون أن الدول الأعضاء في المنظمة مدعوة أساسا إلى النهوض بالتعليم والثقافة وتنمية الوعي الديني وسط شعوبها ومحاربة أفكار التطرف والانغلاق، هل لدى الإيسيسكو دور بهذا الخصوص إلى جانب حكومات البلدان المعنية؟
<< للإيسيسكو عناية مركزة بنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة وتعزيز قيم التسامح والتعايش والاعتدال والوسطية، وتضمينها في المناهج التعليمية، مع مواصلة العمل على أصعدة أخرى، لإشاعة هذه المفاهيم وتعميق تلك القيم من خلال الدورات التدريبية التي تنظمها الإيسيسكو للأئمة والمرشدين الدينيين في الدول الأوروبية وفي مناطق أخرى حيث توجد المجتمعات الإسلامية، إلى جانب الكتب والدراسات التي تنشرها باللغات الثلاث، العربية والإنجليزية والفرنسية، والتي تتناول بالشرح والتوضيح، مقاصد الشرع الحنيف والمفاهيم الإسلامية الصحيحة.
< كيف تقيمون، بعد كل هذا المسار على رأس المنظمة، علاقتكم بدولة المقر، أي مع السلطات المغربية ومستوى تعاون المنظمة مع المملكة؟
<< علاقة الإيسيسكو بدولة المقر المملكة المغربية، ممتازة بكل المقاييس. فالمنظمة تحظى بتقدير عميق لرسالتها الحضارية، من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، يتجلى بالخصوص في رعايته السامية لعدد من المؤتمرات الوزارية التي تنظمها في المغرب، وتوجيه الرسائل الملكية إلى المشاركين فيها. ولقد تشرفت ببرقية التهنئة التي وجهها إليَّ جلالة الملك، رعاه الله، بمناسبة تجديد انتخابي بالإجماع من المؤتمر العام الثاني عشر للإيسيسكو، مديراً عاماً لفترتين جديدتين، والتي تضمنت عبارات التأييد والمساندة للمنظمة، والإشادة الملكية الكريمة بالجهود التي وفقني الله تعالى في بذلها لخدمة أهداف الإيسيسكو وللنهوض بها. كما ترتبط الإيسيسكو بعلاقة وثيقة بالحكومة المغربية، فهي تتعاون مع الوزارات والمؤسسات ذات الاهتمام المشترك، في تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة، من خلال اللجنة الوطنية المغربية للتربية والعلوم الثقافة، وتتلقى الإيسيسكو بصفة دائمة، من الدوائر الرسمية في المملكة المغربية، كل التسهيلات والمساعدات للقيام بواجباتها ولإنجاز المهام المنوطة بها، من منطلق التفهم والتقدير لرسالتها والمساندة لها باعتبارها الضمير الثقافي للعالم الإسلامي، حسب العبارة البليغة التي وصفها بها جلالة الملك الحسن الثاني، يرحمه الله.