تدبير الموارد المائية وتغير المناخ بين التكيف والتأقلم

يعرف الخبراء التخفيف من آثار تغير المناخ بالحد من غازات الاحتباس الحراري، ويرون أن أنجع وسيلة للتكيف مع تغير المناخ هي الاستثمار الأخضر للحد من آثار المناخ على السكان في الساحل وفي الواحة، كما في الجبل أو في السهول أو بجانب الانهار والمناطق الرطبة. هذا الجانب حاضر بشكل متزايد في مفاوضات المناخ الدولية والتي ستعقد المرحلة التالية منها في اسكتلندا في شهر نونبر المقبل، بل إنها تكتسب أهمية خاصة لأن دول الجنوب تقوم بحملات مع الدول المتقدمة لتفعيل التمويل الأخضر لتعويض الدول المتضررة، والتي هي في معظمها دول فقيرة، عن الخسائر والأضرار التي تكبدتها لكونها غير مسؤولة عنها، لهذا السبب وفي شهر أكتوبر 2018 أنشأت الأمم المتحدة لجنة التكيف العالمية لتعزيز الحلول الملموسة.
وفي هذا الإطار احتضنت هولندا الأسبوع الماضي القمة العالمية الأولى حول التكيف مع تغير المناخ، القمة الافتراضية التي عقدت في زمن كورونا كانت من أهم مخرجاتها إعداد “برنامج عمل للتكيف مع تغير المناخ” للتعامل مع الآثار الخطيرة لتغير المناخ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد في كلمته على أنه: “لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وسيشهد عام 2021 العديد من نقاط التحول التي سيظهر فيها قادة وشعوب العالم حقا التزامهم القوي اتجاه كوكب الأرض فلا زلنا لم نفعل بعد الكثير بشأن التكيف حتى الآن”.

مؤشر مخاطر المناخ

وتزامن انعقاد قمة التكيف مع تغير المناخ بهولندا مع نشر منظمة جيرمان واتش الألمانية لتقريرها الأخير حول مؤشر مخاطر المناخ. ووفقا للتقرير، توفي بين عامي 2000 و2019 أكثر من 475000 شخص خلال الظواهر الجوية المتطرفة المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وبلغت الخسائر في الممتلكات أكثر من 2100 مليار يورو، حيث أن ثمانية من البلدان العشرة الأكثر تضررا هي البلدان النامية الأقل دخلا. وهكذا فإن بورتوريكو وميانمار وهايتي هي تلك التي عانت من أكبر قدر من الضرر منذ بداية القرن الحادي والعشرين. ولذلك، فإن أحد الموضوعات الرئيسية للقمة الهولندية للتكيف مع تغير المناخ كان هو استكشاف طرق لزيادة الدعم الفني والمالي للمناطق الأكثر ضعفا والأكثر تضررا.

قمة افتراضية حول التكيف مع تغير المناخ

رئيس الوزراء الهولندي مارك روته قال عن بلاده المحتضنة للقمة العالمية للتكيف مع المناخ: ” تقع ثلث أراضي هولندا تحت مستوى سطح البحر ولدينا قرون من الخبرة في حماية الأرض من الماء ونأمل في مشاركة خبرتنا مع الآخرين” مضيفا: “إذا لم نتعلم كيفية التعامل مع العواقب المناخية وإذا لم نتمكن من التكيف مع تغير المناخ فسيكون التأثير كارثيا، ورفقة العديد من قادة العالم سأطلق برنامج عمل تكيف مفصل”.
وأطلق الزعيم البريطاني بوريس جونسون مبادرة دولية تسمى تحالف عمل التكيف والتي ينبغي أن تشمل المملكة المتحدة ومصر وبنغلاديش وملاوي وهولندا وسان لوسي والأمم المتحدة، حيث من المنتظر أن يعمل هذا التحالف على ترجمة الالتزامات السياسية الدولية بشأن التكيف مع تغير المناخ والمرونة إلى الدعم على أرض الواقع للمجتمعات الضعيفة، وأكد بوريس جونسون: “لا يمكن إنكار أن تغير المناخ جاري بالفعل ويدمر بالفعل حياة واقتصادات العالم، فنحن بحاجة إلى التكيف مع مناخنا المتغير، وعلينا أن نفعل ذلك الآن.
وركزت القمة الأولى من نوعها بشكل كبير على آثار تغير المناخ بعدما كانت سابقاتها مكرسة بشكل أساسي لمكافحة أسباب الظاهرة ولاسيما انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك للحد من تعرض البلدان لارتفاع مستوى سطح البحر والظروف الجوية القاسية ونقص الغذاء، كما ركزت بشكل كبير على تأمين استثمارات جديدة لضمان قدرة ملايين الفلاحين أصحاب القطع الزراعية الصغيرة على التكيف مع الضغوطات المناخية على إنتاج الغذاء عبر إطلاق آلية جديدة لتمويل كبير للبحوث الزراعية مع توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الاستشارية للمزارعين، بالإضافة إلى إدارة المخاطر وخدمات التمويل.

الاحترار العالمي يسرع من ذوبان الجليد وفي وقت قياسي

في انتظار إعلان عام 2020 العام الأكثر سخونة على الإطلاق محطما بذلك كل الآمال والأحلام في تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ والحد من الاحترار العالمي، أظهرت الأبحاث أن ذوبان الجليد في جميع أنحاء الكوكب يتسارع وبمعدل قياسي وبشكل متواز مع ذوبان القمم الجليدية في جرينلاند والقطب الجنوبي، ويتماشى معدل الخسارة الآن مع أسوأ السيناريوهات الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي السلطة المناخية الرائدة في العالم، وقال توماس سلاتر الباحث في مركز المراقبة والنمذجة القطبية بجامعة ليدز: “نحذر من أن العواقب ستظهر في جميع أنحاء العالم”. وأضاف “إن ارتفاع منسوب مياه البحر بهذا الحجم سيكون له آثار خطيرة للغاية على المجتمعات الساحلية خلال هذا القرن”.

فقدان ثمانية وعشرون طنا من الجليد

تم فقدان حوالي 28 طنا من الجليد بين عامي 1994 و2017 ثلثيها بسبب ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي وحوالي الثلث بسبب ارتفاع درجة حرارة البحار، وتسارع معدل فقدان الجليد بنسبة 57٪ أي من 0.8 طن سنويا في التسعينيات إلى 1.2 طن سنويا في عام 2017 أي ما يقرب من نصف إجمالي الجليد المفقود من الأرض مما يساهم بشكل مباشر في الارتفاع الكلي لمستويات سطح البحر بمقدار 35 ملم.
وتم فقد أكبر كميات من الجليد في الجليد العائم في المناطق القطبية، مما يزيد من خطر حدوث آلية تغذية مرتدة تسمى فقدان البياض. ويعكس الجليد الأبيض الإشعاع الشمسي مرة أخرى إلى الفضاء ولكن عندما يذوب الجليد البحري العائم يكتشف الماء الداكن الذي يمتص المزيد من الحرارة مما يزيد من تسريع الاحترار في حلقة التغذية المرتدة.
وسجلت الأنهار الجليدية ثاني أكبر خسارة في حجم الجليد، حيث فقدت أكثر من 6 أطنان ما بين عامي 1994 و2017، أي حوالي ربع خسارة الجليد العالمية خلال هذه الفترة، ويهدد تقلص الأنهار الجليدية بالتسبب في حدوث فيضانات ونقص في المياه في بعض المناطق، لأنه مع ذوبان كميات كبيرة يمكن أن تغمر مناطق أسفل مجرى النهر، وبالتالي تنتج الأنهار الجليدية المتقلصة تدفقا أقل للمياه وهو أمر ضروري بشكل منتظم للزراعة.
وتؤكد إيناس أوتوساكا الدكتوراه في مركز المراقبة والنمذجة القطبية بجامعة ليدز على أن “الأنهار الجليدية في الجبال تعد ضرورية أيضا كمصدر للمياه العذبة للمجتمعات المحلية، لذلك فإن انحسار الأنهار الجليدية حول العالم له أهمية حاسمة محليا وعالميا”.
واستخدمت الدراسة التي تحمل عنوان “عدم توازن الجليد في الأرض” ملاحظات الأقمار الصناعية على مدى 23 عاما لتقييم الجليد في جميع أنحاء العالم، نظرت الدراسات السابقة في أجزاء من العالم بدلا من إجراء تقييم كامل للبيانات، وضم فريق البحث جامعة إدنبرة وكلية لندن الجامعية ومؤسسة إيرث ويف، وهي منظمة لعلوم البيانات، وتم تمويلها من قبل مجلس أبحاث البيئة الطبيعية في المملكة المتحدة.
واختفى ما مجموعه 28 تريليون طن من الجليد من سطح الأرض منذ عام 1994، هذا هو الاستنتاج المذهل للعلماء البريطانيين الذين حللوا مسوحات الأقمار الصناعية لأقطاب الكوكب والجبال والأنهار الجليدية لقياس فقدان الغطاء الجليدي بسبب الاحتباس الحراري الناجمة عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ووصف العلماء من جامعتي ليدز وإدنبرة وجامعة لندن كوليدج مستوى فقدان الجليد بأنه “مذهل” وحذروا من أن تحليلهم يشير إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر، الناجم عن ذوبان الأنهار الجليدية يمكن أن يصل إلى مستوى واحد. متر بنهاية القرن.

ارتفاع سطح البحر والهجرة المناخية

“لوضع هذا في السياق فإن كل سنتيمتر من ارتفاع مستوى سطح البحر يقابله ما يقرب من مليون مهاجر مناخي”، هذا ما أكده البروفيسور آندي شيبرد مدير مركز المراقبة والنمذجة القطبية في جامعة ليدز، ويحذر العلماء أيضا من أن ذوبان الجليد بهذه الكميات يقلل بشكل خطير من قدرة الكوكب على عكس الإشعاع الشمسي إلى الفضاء، حيث يختفي الجليد الأبيض ويمتص البحر المظلم أو الأرض المكشوفة تحته المزيد والمزيد من الحرارة مما يؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري، ويضيف آندي شيبرد: ” أن الماء البارد الناتج عن ذوبان الأنهار الجليدية يحدث اضطرابا كبيرا في الصحة البيولوجية لمياه القطب الشمالي والقطب الجنوبي، في حين أن فقدان الأنهار الجليدية في سلاسل الجبال يهدد بتدمير مصادر المياه العذبة التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية” وأضاف: “في الماضي كان الباحثون يدرسون مناطق فردية مثل القارة القطبية الجنوبية أو جرينلاند حيث يذوب الجليد، اما هذه المرة هي الأولى التي ينظر فيها أي شخص إلى كل الجليد الذي يختفي من الكوكب بأسره حيث ما وجدناه أذهلنا”، وأضاف إلى: “أن مستوى فقدان الجليد الذي كشفت عنه المجموعة يطابق توقعات السيناريو الأسوأ الذي قدمته هيئة علماء المناخ.
واهتم الفريق بدراسة مسوحات الأقمار الصناعية للأنهار الجليدية في أمريكا الجنوبية وآسيا وكندا ومناطق أخرى، إضافة إلى الجليد البحري في القطب الشمالي والقطب الجنوبي؛ القمم الجليدية التي تغطي الأرض في أنتاركتيكا وجرينلاند؛ والجروف الجليدية الممتدة من القارة القطبية الجنوبية إلى البحر حيث غطت الدراسة الفترة الممتدة مابين 1994 و2017، وأضاف توم سلاتر الدكتور الباحث بجامعة ليدز: “لوضع الخسائر التي عانيناها بالفعل في السياق فإن 28 تريليون طن من الجليد ستغطي كامل سطح المملكة المتحدة بسمك 100 متر من المياه المجمدة”.

الخسائر الجليدية الضخمة والاحترار العالمي

أما بالنسبة لسبب هذه الخسائر المذهلة فإن فريق الباحثين مصر: “لا شك أن الحصة العظمى من الجليد المفقود على الأرض هو نتيجة مباشرة للاحترار العالمي”، ويؤكد الفريق: “في المتوسط ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض إلى 0.85 درجة مئوية منذ عام 1880 الى حدود عام نهاية الدراسة أي 2017، وتم تضخيم هذه الإشارة في المناطق القطبية”، ونتيجة لذلك ارتفعت درجات حرارة البحر والغلاف الجوي وأدت الضربة المزدوجة الناتجة إلى خسائر جليدية كارثية، أما في حالة ذوبان الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا، كان ارتفاع درجات حرارة البحر هو الدافع الرئيسي بينما كان ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي سبب فقدان الجليد من الأنهار الجليدية الداخلية مثل تلك الموجودة في جبال الهيمالايا، أما في جرينلاند كان السبب في فقدان الجليد هو ارتفاع درجات حرارة البحر والجو.
وأشار الباحثون إلى أن كل الجليد المفقود خلال هذه الفترة لم يكن ليساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر، وقال إيزوبيل لورانس الباحث في جامعة ليدز أن: “ما مجموعه 54٪ من الجليد المفقود جاء من الجليد البحري والجروف الجليدية” ويضيف: “هذا الجليد الذي يطفو على سطح الماء وذوبانه لم يكن ليساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر، أما نسبة 46٪ المتبقية من المياه الذائبة فقد أتت من الأنهار الجليدية والقمم الجليدية على الأرض وكان من الممكن أن تساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر”.

تقرير التقييم الأول لهيئة علماء المناخ

نتائج فريق البحث التابع لجامعة ليدز التي توصل إليها الباحثون بعد ثلاثين عاما من نشر تقرير التقييم الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في شهر غشت 1990، التقرير الذي أكد بلغة واضحة أن الاحتباس الحراري حقيقي وينجم عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، وعلى الرغم من تحذيرات العلماء استمرت هذه الانبعاثات في الارتفاع مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع الى يومنا هذا.
وخلص الباحثون إلى أن التقلبات في الغطاء الجليدي للأرض كانت مدفوعة بالتغيرات في التأثير الإشعاعي الكوكبي مما أثر على مستوى سطح البحر، ويتكون الغلاف الجليدي للأرض كجليد نيزكي في الأنتاركتيكا وفي غرينلاند وفي الأنهار الجليدية الجبلية، وكمياه البحر المتجمدة في القطب الشمالي والمحيط الجنوبي، وتخزن الصفائح الجليدية القطبية أكثر من 99٪ أي30 مليون كيلومتر مكعب من المياه العذبة على الأرض، وحتى الخسائر المتواضعة ترفع مستوى سطح البحر، وتزيد من الفيضانات الساحلية وتزعج التيارات المحيطية.
وحتى الآن تتبعت هذه الخسائر النطاق الأعلى لسيناريوهات الاحترار المناخي التي تنبأت بها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتي تتوقع مساهمة طبقة جليدية في مستوى سطح البحر تصل إلى 42 سم بحلول عام 2100 حيث توازن كتلة الصفيحة الجليدية يعادل التوازن الصافي بين خسائر الكتلة المرتبطة بتدفق الجليد والذوبان عند السطح البيني للجليد – المحيط والذوبان تحت الجليدي وتوازن الكتلة السطحية يعني ما يعادل صافي الفرق بين التساقطات والتسامي والتبخر والتعرية بالرياح وجريان المياه الذائبة. وتبقى الجروف الجليدية هي المصدر الرئيسي لمياه المحيطات العذبة حيث كانت عنصرا ثابتا في نظام المناخ طوال فترة الهولوسين بينما يوجد حاليا أكثر من 300 جرف جليدي حول القارة القطبية الجنوبية تحتوي على ما يقدر بـ 380 ألف كيلومتر مكعب من الجليد، وعلى الرغم من أن الجروف الجليدية أصغر بكثير وموزعة بشكل ضئيل عبر القطب الشمالي، فقد انهارت الجروف الجليدية المتاخمة للساحل الشمالي لجزيرة إليسمير في كندا وجزر القطب الشمالي الروسية في العقود الأخيرة، بينما ذيعمل الجليد الجليدي الجبلي على تعديل مستوى سطح البحر العالمي والهيدرولوجيا الجهوية مما يؤثر على المجتمعات المحلية التي تعتمد عليها كمصدر للمياه العذبة بينما يوجد أكثر من 215 ألف نهر جليدي في جميع أنحاء العالم تحتوي على 160 ألف كيلومتر مكعب من الجليد وشكل تراجعها بنسبة 21٪ من ارتفاع مستوى سطح البحر بين عامي 1993 و 2017. وعادة ما يكون من 15 إلى 25 مليون كيلومتر مربع من سطح المحيط العالمي مغطى بالجليد البحري في أي وقت من العام، على الرغم من أن سمكه ونطاقه يختلفان موسميا وبسبب التغيرات طويلة المدى في مناخ الأرض. ويلعب الجليد البحري دورا رئيسيا في ميزانيات المياه العذبة والطاقة في المناطق القطبية، ويؤثر على النظام البيئي البحري، وينظم امتصاص الإشعاع الشمسي في الصيف.

التأثيرات المباشرة لفقدان الجليد البحري

علاوة على ذلك يمكن أن يؤثر فقدان الجليد البحري على دوران المحيطات والغلاف الجوي ويؤثر على أنماط الطقس في خطوط العرض الوسطى، على الرغم من أن السجلات المتناثرة في الموقع لتوازن كتلة الأنهار الجليدية تعود إلى تسعينيات القرن التاسع عشر إلا أن السجلات الكبيرة للتغيير في المكونات الأخرى للغلاف الجليدي لم تبدأ حتى ظهور عمليات رصد الأقمار الصناعية في السبعينيات، وتم تسجيل مدى الجرف الجليدي بشكل عرضي في صور الأقمار الصناعية منذ الأربعينيات ورصد مدى الجليد البحري بواسطة الأقمار الصناعية منذ أواخر السبعينيات والغطاء الجليدي والجرف الجليدي والجليد البحري وتغيرات سمك الأنهار الجليدية تم تسجيلها بشكل منهجي في قياس الارتفاع عبر الأقمار الصناعية منذ التسعينيات.
وقام فريق الباحثين بدمج ملاحظات الأقمار الصناعية لتغيير الغطاء الجليدي والجرف الجليدي والأنهار الجليدية والكتلة الجليدية البحرية في القطب الشمالي مع تقديرات الموقع والقائمة على النموذج للكتلة الجليدية والكتلة الجليدية للمحيط الجنوبي لتحديد الاتجاهات في جليد الأرض النيزكي والمحيطي، يؤكد أحد أعضاء الفريق: “نحن لا ندرج عناصر من الغلاف الجليدي ليست جليدية أي الثلج على الأرض والتربة الصقيعية أو حيث تكون المعرفة بمدى انتشارها العالمي وتغيرها محدودة كجليد الأنهار والبحيرات ومع ذلك، فقد شهدت عناصر الغلاف الجليدي هذه أيضا تغيرا كبيرا خلال العقود الأخيرة: على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن كمية الثلج على الأرض قد انخفضت بمقدار 49± جيغا طن لكل عقد في نصف الكرة الشمالي منذ عام 1980 بينما ارتفعت درجة حرارة التربة الصقيعية على مستوى العالم بمقدار 0.29± درجة مئوية خلال العقد الماضي وأن مدة الغطاء الجليدي للنهر والبحيرة قد تقلصت بمقدار 12 يوما لكل قرن في نصف الكرة الأرضية الشمالي على مدى الـمائتي عام الماضية، أما بالنسبة للأنهار الجليدية الجبلية قمنا بدمج ثمانية تقديرات لتغير الكتلة من استقراء القياسات الجليدية والجيوديسية المحلية وقياس الجاذبية الساتلية وقياس الارتفاع في رقعة الأقمار الصناعية وقياس التداخل بالرادار ذو الفتحة التفاضلية التفاضلية الساتلية لإنتاج تقدير متفق عليه للتغيرات العالمية في كتلة الأنهار الجليدية بين عامي 1962 و 2019”.
ومع ذلك يوفر قياس الجاذبية بالأقمار الصناعية قياسات بدقة مكانية في حدود مئات الكيلومترات مما يحد من تفسير التوزيع المكاني لفقدان الجليد داخل الأنهار الجليدية الفردية، حيث يقيس الارتفاع في رقعة الأقمار الصناعية والصور المجسمة البصرية جميعها تغير ارتفاع السطح والذي يتم تحويله إلى كتلة بافتراض كثافة ثابتة للجليد تبلغ 60 كلغم/م3، ويبقى من الصعب تحديد تأثير تغلغل الرادار على قياسات الارتفاع، لأنه يعتمد على التغيرات المكانية والزمانية في خصائص الثلج والفرن وهو مجال بحث مستمر، ويؤكد أحد أعضاء الفريق: “نقوم أيضا بتضمين تقديرات توازن الكتلة الجليدية المستمدة من الصور المجسمة الضوئية عبر الأقمار الصناعية والتي تولد سلاسل زمنية من وحدات عالية الدقة في مناطق الأنهار الجليدية حيث تتوفر هذه التقديرات كجبال آسيا العليا وجبال الأنديز الجنوبية، فإنها توفر تغطية كاملة تقريبا للمناطق الجليدية بدقة عالية وبمقياس متري يمكنها حل التغييرات داخل الأنهار الجليدية الفردية، ومع ذلك فإن الصور البصرية تعتمد على الطقس حيث يمكن للغطاء السحابي أن يحد من التغطية في المناطق الجليدية لذلك قمنا بتجميع معدلات التغير الشامل السنوية المحددة لكل منطقة من خلال التقنيات المتاحة: كل منطقة تشمل بين 2 و4 تقديرات باستثناء الأنهار الجليدية المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، حيث لا تتوفر سوى التقديرات المشتقة من استقراء البيانات الجيوديسية في الموقع”.
“بالنسبة للدراسات التي لا تتوافر فيها معدلات تغير الكتلة المتغيرة بمرور الوقت، فإننا نفترض أن معدل تغير الكتلة يكون خطيا على مدار الفترة المدروسة ويقيس عدم اليقين حسب الجذر التربيعي لعدد السنوات، قمنا بحساب التغير التراكمي في الكتلة باعتباره جزءا لا يتجزأ من معدلات التغيير الشامل المجمعة وتراكمنا عدم اليقين المرتبط بمرور الوقت كمربع مجموع الجذر للأخطاء السنوية” يضيف الاستاذ الباحث، ولخص الفريق التقديرات الإقليمية لاشتقاق التغير الشامل للكتلة الجليدية وعدم اليقين العام باعتباره جذر متوسط التربيع للأخطاء الإقليمية، حيث قام الفريق بتقييم اتساق تقديرات قياس الجاذبية الأرضية وقياس الارتفاع والتصوير المجسم في الموقع وقياس الارتفاع بين عامي 2010 و 2015 في سبع مناطق: القطب الشمالي في كندا الشمالية والجنوبية والقطب الشمالي الروسي وأيسلندا وسفالبارد وجان ماين والجبال العليا في آسيا وجنوب الأنديز حيث القياسات من جميع تقنيات التداخل.
وأكد التقرير أنه تعرضت الأنهار الجليدية المحيطة بجرينلاند وفي ألاسكا وجبال الأنديز الجنوبية لأكبر الخسائر ما بين 5694 و635 جيغا طن بين عامي 1962 و2019 وتمثل أكثر من نصف خسارة الكتلة الجليدية العالمية خلال هذه الفترة، وعلى الصعيد العالمي ارتفع معدل فقدان الكتلة الجليدية من -120 ± 70 جيغا طن في العام في السبعينيات إلى -327 ± 65 جيغا طن في العام بين عامي 2010 و 2019 وبلغت ذروتها عند -506 ± 192 جيغا طن في العام في عام 2018، ويؤكد الباحثون أنه يرتبط فقدان الكتلة بزيادة درجات حرارة الهواء إذ يعزى ما يقرب من 70٪ من خسارة الكتلة الجليدية العالمية إلى التأثير البشري، والباقي يرجع إلى تقلب المناخ الطبيعي.

ذوبان الصفائح الجليدية

وتفقد الصفائح الجليدية كتلتها عند تصريف الجليد وذوبانه على السطح والجليد مجتمعة عند تساقط الثلوج، نستخدم تقديرات توازن كتلة الصفيحة الجليدية وعدم اليقين المستمدة من مجموعة من قياس الارتفاع الساتلي وقياس الجاذبية الساتلية ومجموعات بيانات المدخلات والمخرجات التي تمتد خلال الفترة 1992-2018.
وتظهر هذه المسوحات الساتلية أن الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا فقد 2603 ± 563 جيغا طن من الجليد بين عامي 1992 و 2017، وفقد الغطاء الجليدي في جرينلاند 3902 ± 342 جيغا طن من الجليد بين عامي 1992 و2018، ومنذ عام 2012 تضاعفت الخسارة من القارة القطبية الجنوبية ثلاث مرات بالمقارنة مع العقدين الماضيين بسبب تسارع الأنهار الجليدية على نطاق واسع واستجابة للدوران من الماء الدافئ تحت الأرفف الجليدية في المنطقة حيث أدى انهيار الجرف الجليدي والتقلص في شبه جزيرة أنتاركتيكا إلى تسريع الأنهار الجليدية في أعلى المنبع، نتيجة لانخفاض دعم الجرف الجليدي، على عكس القارة القطبية الجنوبية حيث يرتبط كل فقدان الجليد تقريبا باختلال التوازن الديناميكي للجليد ونشأ ما يزيد قليلا عن نصف فقدان كتلة جرينلاند خلال هذه الفترة بسبب الزيادات في جريان المياه الذائبة التي تعززها دوران الغلاف الجوي خلال العديد من درجات الحرارة الدافئة الصيف، وكان فقدان الجليد المتبقي ناتجا عن زيادة تصريف الأنهار الجليدية بشكل أساسي في منافذ الأنهار الجليدية في الجنوب الشرقي والشمال الغربي حيث أدت كل من ديناميكية الجليد والعمليات السطحية في جرينلاند إلى ترقق واسع النطاق في هوامش الغطاء الجليدي وداخل مستجمعات الأنهار الجليدية الفردية، إجمالا خلص الفريق الى أنه تسببت خسائر الجليد من القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند في ارتفاع مستويات البحار العالمية بمقدار 17.8 ± 1.8 ملم بين عامي 1992 و 2017.

ذوبان الجليد البحري

وقام فريق الدراسة بتقدير الاتجاهات في كتلة الجليد البحري في القطب الشمالي باستخدام مزيج من الجليد البحري – نمذجة المحيطات وقياسات الأقمار الصناعية لتغيير السماكة: بين عامي 1980 و 2011 مستخدمين نظام نمذجة المحيطات الجليدية القطبية الشمالية والاستيعاب نموذج مقترن من الجليد البحري المحيط مع إعادة التحليل الجوي منذ عام 2011، كما استخدموا قياسات قياس الارتفاع بالرادار الساتلي لحجم الجليد البحري.

اختلال توازن الجليد على الأرض

لتحديد عدم توازن الجليد العالمي قام فريق الباحثين بتلخيص التغير الشامل لكل مكون جليدي محسوب على فترات سنوية ويقدر عدم اليقين المشترك باعتباره المجموع الجذري، وتلخيص تغير الكتلة الجليدية العالمية بين عامي 1994 و 2017 مقسمة إلى عائم مختلف ومكونات الأرض، حيث خلص الفريق الى أن خسائر الجليد كانت أكبر في نصف الكرة الشمالي، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض الجليد البحري في القطب الشمالي (7559 ± 1021 جيغا طن) يليه تراجع الجليد (−5148 ± 564 جيغا طن) وذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند ((3821 ± 323 جيغا طن) وتراجع الجليد في نصف الكرة الجنوبي من الجروف الجليدية (6543 ± 1221 جيغا طن) وذوبان الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي (2545 ± 554 جيغا طن) والأنهار الجليدية (−965 ± 729 جيغا طن) والجليد البحري في المحيط الجنوبي (−924 ± 674 جيغا طن) بمعدل إجمالي قدره −477 ± 146 جيغا طن في العام وهو أبطأ بنسبة 34٪ مما هو عليه في نصف الكرة الشمالي (−719 ± 207 جيغا طن في العام).
ويمكن تصنيف جليد الأرض إلى مكوناته العائمة والموجودة على الأرض؛ ويؤدي فقدان الجليد الأرضي من الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية إلى رفع مستوى سطح البحر العالمي ويؤثر على دوران المحيطات من خلال مدخلات المياه العذبة، وتأثير تراجع الأنهار الجليدية المحلية المجتمعات التي تعتمد على الأنهار الجليدية كمورد للمياه العذبة، وأدت الخسائر الجليدية الأرضية إلى ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 24.9 ± 1.8 و 9.7 ± 2.5 ملم في نصف الكرة الشمالي ونصف الكرة الجنوبي على التوالي بإجمالي 34.6 ± 3.1 ملم خلال فترة 24 عاما.
على الرغم من أن فقدان الجليد البحري العائم والرفوف الجليدية لا يؤثر على كلما يتعلق بارتفاع مستوى سطح البحر العالمي فإنه يزيد انخفاض الجليد البحري من فقدان الموائل وتآكل السواحل ودوران المحيطات وقد يؤثر على منتصف خط العرض الطقس والمناخ.

تغير المناخ قد تسبب في انخفاض جليد الأرض

في المتوسط ارتفعت درجة حرارة سطح الكوكب بمقدار 0.85 درجة مئوية منذ عام 1880 إلى حدود 2017 سنة استكمال هذه الدراسة، وتم تضخيم هذه الإشارة في المناطق القطبية على الرغم من أن هذا الاحترار أدى إلى زيادة تساقط الثلوج في الشتاء إلا أنه أدى أيضا إلى زيادات أكبر في ذوبان السطح في فصل الصيف فقد ارتفعت درجة حرارة المحيطات العالمية أيضا وبدرجة كبيرة.
أخيرا، وعلى الرغم من أن الغلاف الجليدي للأرض لم يمتص سوى جزء صغير من اختلال توازن الطاقة العالمي فقد فقد 28 تريليون طن من الجليد بين عامي 1994 و 2017. وتسبب فقدان الجليد الأرضي خلال هذه الفترة في ارتفاع مستويات سطح البحر بمقدار 34.6 ± 3.1 ميلمتر، وفقدان الجليد العائم قد تسبب في انخفاض في البياض الكوكبي وانخفاض في دعم الجليد الأرضي وتعطير المحيط وتبريد المحيطات، لذا استخدم فريق البحث قياسات الأقمار الصناعية لتحديد توازن كتلة الصفيحة الجليدية في أنتاركتيكا وجرينلاند ولتحديد التغيرات في كتلة الجروف الجليدية في القطب الجنوبي المرتبطة بالتراجع والضعف، كما استخدموا مجموعة من ملاحظات الأقمار الصناعية والقياسات في الموقع لتحديد التغيرات في كتلة الأنهار الجليدية الجبلية، بالإضافة إلى استخدام مجموعة من النماذج العددية والقمر الصناعي، ولتحديد التغيرات في كتلة الجليد البحري، هناك اتفاق جيد بين كل أعضاء فريق الدراسة وبشكل عام في اتجاهات الكتلة المستمدة من الملاحظات والنماذج حيث يتوفر كلاهما، ويعتمد تقدير الفريق فقط على اختلال الكتلة الجليدية للمحيط الجنوبي على النمذجة وحدها على الرغم من ملاحظات الأقمار الصناعية للتغيرات في مداها، وتشير الملاحظات في الموقع للتغيرات في سمكها إلى حدوث تغيير طفيف في الغطاء الجليدي البحري في أنتاركتيكا حيث زاد المعدل الإجمالي لفقدان الجليد بنسبة 57٪ خلال الـ 24 عاما الماضية مقارنة بالتسعينيات. وتؤكد القياسات في الموقع للتغيرات في كتلة الأنهار الجليدية وسجلات الأقمار الصناعية لمدى الجرف الجليدي الذي يسبق المسح الكامل يؤكد هذا الاتجاه، على الرغم من أن جزءا صغيرا من خسائر الأنهار الجليدية الجبلية يرتبط بالتراجع منذ العصر الجليدي الصغير حيث لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الغالبية العظمى من فقدان الجليد على الأرض هو نتيجة مباشرة لارتفاع درجة حرارة المناخ الناتجة عن الاحتباس الحراري البشري الناتج عن الغازات الدفيئة المنبعثة عن احتراق الوقود الاحفوري من فحم حجري وغاز طبيعي وبترول.

< بقلم: محمد بن عبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top