تراجع الإقبال على السكن بالمغرب يدخل العقار في أزمة خانقة

مع تراجع إقبال المغاربة على اقتناء الشقق والعقارات، دخل قطاع العقار، ومنذ سنتين، في أزمة حقيقية وصفها بعض المختصين في المجال بالخطيرة والتي من شأنها أن تعصف بالقطاع في حالة استمرار الأزمة وعدم المبادرة إلى حلول تزيح الركود الحاصل، خصوصا على مستوى كبريات المدن المغربية.
وتتواصل أزمة سوق العقار بالمغرب، التي كانت قد انطلقت خلال السنوات الأربع الماضية، ولم تجد طريقها إلى الحل بعد مشاورات عديدة بين مهني القطاع من جهة والحكومة والأبناك من جهة أخرى، لتزداد الأزمة تعقيدا ويزداد معها القطاع تأزما. وهي المعطيات التي كان بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية قد أكداها حين سجلا، في نشرة سابقة، انخفاض أسعار الأصول العقارية بنسبة 0.9 بالمائة في الفصل الثاني من سنة 2016 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2015.
هذه الأزمة التي يمر منها قطاع العقار في المغرب ترجع أساسا حسب خبراء القطاع إلى وفرة العرض وقلة الطلب، لاسيما بكبريات المدن المغربية التي شهدت خلال السنوات القليلة الماضية تشييد العديد من المشاريع السكنية التي لا زال بعضها فارغا لحدود اليوم. لكن بعض من الخبراء يثير مسألة جوهرية، وهي كون الطلب على السكن مرتفع، موازاة مع الهجرة من البادية نحو المدن إذ أن هناك خصاصا من حيث توفير السكن مع تطور الوافدين على المدن، إلا أن الإشكال، يشير الخبراء، يكمن في ارتفاع أسعار العقارات بالمدن الكبرى وهو ما جعل الطلب على المسكن يعرف تراجعا ملحوظا، في حين يعرف مجال الكراء حركة حيوية ودينامية متحركة.
هذا وتسود حالة من الترقب في أوساط القطاع حول الإجراءات التي يفترض أن تتخذها الحكومة المقبلة، من أجل إخراج قطاع العقار من حالة الركود التي تسيطر عليه تدريجيا منذ سنوات. إذ يتوقع المنعشون العقاريون تحسنا في الأرقام وانتعاش قطاع العقار خلال سنة 2017 الجارية.
في هذا السياق أكد إقبال الكتاني المدير المنتدب للفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين في حديث لبيان اليوم أن هناك توقعا بنمو القطاع، بعد سنوات من الأزمة، موضحا أن هناك مؤشرات لذلك، أبرزها الأرقام المتعلقة بقطاع الإسمنت الذي عرف قفزة نوعية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
ويضيف إقبال الكتاني أن هناك مؤشرات أخرى تبشر بنمو القطاع، تتعلق بفوائد المصارف البنكية، التي تقلصت بشكل قد يحفز الأسر على الإقبال على طلب السكن، بالإضافة إلى البنوك التشاركية التي حلت مؤخرا بالسوق المغربية، والتي من شأنها، يشير الكتاني، أن تعطي دفعة قوية للطلب على السكن وتدفع شرائح مجتمعية عديدة إلى الإقبال على امتلاك السكن، وهو ما سيعيد الروح للقطاع، لأن الإشكال، حسب الكتاني، لا يكمن في العرض بقدر ما هو كامن في الطلب، الذي تراجع خلال السنوات الماضية إلى مستويات قياسية.
هذا وسجل المدير المنتدب للفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين العديد من الإكراهات التي يعاني منها المنعشون العقارون لا سيما في المشاريع السكنية الجديدة، والتي من بينها إشكالية الوعاء العقاري الذي يعرف ارتفاعا حادا في الأثمان بالمدن الكبرى، والذي يفرض تكاليف أكبر في الإنجاز ما يجعل العرض السكني بدوره مرتفع الثمن.
وكحل لهذه الإشكالية قال الكتاني إنه يجب على وزارة التعمير أن تمكن المنعشين من البناء العمودي، أي أن يتوفر العرض السكني على بنايات مكونة من أزيد من 6 طوابق، خصوصا بالمدن الكبرى التي تعاني أزمة في الوعاء العقاري. كما يشير المتحدث إلى أن هذا العرض سيصاحبه أيضا احترام دفاتر التحملات، أي أن البناء العمودي لن تطاله أي خروقات، سواء المتعلقة منها بالجودة أو بالفضاءات الخضراء والمرافق الضرورية.
وأكد الكتاني أن هذا الطلب «طلب البناء العمودي» هو الوحيد الذي أثارته الفيدرالية الوطنية للمعشين العقاريين، نافيا أن تكون الفيدرالية قد طالبت بتحفيزات جبائية، مجددا أن طلبها متعلق بإصدار قرار إداري لوزارة التعمير يسمح للمنعشين العقاريين خلال سنة 2017 بالاستثمار في البناء العمودي.
هذا وبرسم توجهات سنة 2017 أكد الكتاني أن الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين ستدفع في اتجاه تحسين جودة السكن الموجهة للجميع الفئات، مركزا على السكن الموجه للفئات المتوسطة، التي أكد أنه يحتاج إلى تطوير، كما أكد أنه يحتاج خلال السنة الجارية إلى أزيد من 20 ألف وحدة سكنية وهو المعدل الذي تنتظره هذا الطبقة.
إلى جانب ذلك أوضح المدير المنتدب للفيدرالية أن التفكير يتجه كذلك خلال السنة الجارية إلى تطوير السكن المجهز الموجه للكراء، بالنظر إلى الطلبات المكثفة على هذا النوع من السكن الذي يعرف دينامية كبيرة.
من جهة أخرى، تحدثت بيان اليوم مع مجموعة من الأسر الفقيرة والمتوسطة حول الإشكاليات المرتبطة بالإقبال على السكن، حيث أكدت الأسر الفقيرة أن هناك مقتضيات وصعوبة غير محفزة خصوصا تلك التي تفرضها البنوك، والتي عادة ما ترفض ملفات بداعي أن أصحابها لم يستوفوا الشروط الكاملة، في حين يعتبرها البعض، خصوصا من فئة ذوي الدخل المحدود، شروطا تعجيزية.
أسر ذوي الدخل المحدود أشارت إلى أنه أضحى مستحيلا تملكها للسكن في ظل الصعوبات الحالية، وفي ظل كذلك أزمة الجودة التي تعرفها بعض المشاريع السكنية الاقتصادية، من جهة، والضغط على مشاريع السكن الاقتصادي الذي تشرف عليه الدولة، من جهة أخرى.
أما الموظفون الذين يصنفون مع الفئات المتوسطة فيعتبرون «الكراء» هو الحل الوحيد إلى حين تحسن مستواهم المعيشي، مشيرين إلى أن أسعار العقار غير مشجعة للغاية، ولا يخفون تذمرهم من الارتفاع المهول لأثمان المساكن الجديدة، ونسب الفوائد غير المشجعة ولا تسمح بوضع طلب على السكن باعتبار ذلك سيثقل كاهلهم وسيزيد من مصاريفهم ونفقاتهم التي هي في الأصل محدودة. ويشاطرهم في ذلك أجراء القطاع الخاص الذين أكدوا أنهم يعانون بدورهم من إجراءات معقدة للحصول على قروض كما لا يسمح راتبهم بالإقبال على سكن متوسط يلبي حاجيتهم بالنظر إلى الأثمنة والأسعار المعروفة في السوق.

محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top