لا خلاف إن قلنا، أن موظفي الإدارة القضائية (هيئة كتابة الضبط) عماد المحاكم وسنامها، بصلاحها تصلح العدالة وبمفسدتها ستفسد العدالة، ولا ضير كذلك، إن اعتبرنا أن وجودهم داخل المحاكم هو وجود صحة وكمال وليس وجود مساعدة للقضاء، ولا مناص كذلك من القول، أن تحقيق النجاعة القضائية وتقريب القضاء من المواطن ونفاذ الأحكام لن يتم دون إشراك موظفي الإدارة القضائية (هيئة كتابة الضبط) كفاعل أساسي وليس ثانوي داخل منظومة العدالة.
كل هذا هو توطئة لبيان مدى أهمية هيئة كتابة الضبط، وهذا ما أكده ميثاق إصلاح منظومة العدالة، لما أفرد هدفا أساسيا خاصا بتحديث الإدارة القضائية، وكذلك لما أشار إلى وجوب تكوين وإعادة تكوين موظفيها، وكان زبدة ما نص عليه واضعوا الميثاق هو إحداث مدرسة وطنية لهيئة كتابة الضبط والتي أصبحت مطلبا ملحا وأولى أولويات مطالب النقابة الديمقراطية للعدل، لكن السؤال المطروح الآن، ماهي تصوراتنا حول عمل المدرسة الوطنية لموظفي الإدارة القضائية؟.
النقطة الأولى: بناء هوية كتابة الضبط
إن إحداث المدرسة الوطنية للإدارة القضائية، هو واحد من أهم تمظهرات الصحوة القانونية والهوياتية لمنتسبي هيئة كتابة الضبط، إذ لا يعقل أن يظل موظف الإدارة القضائية منشغلا بطرح سؤال من نحن؟ وماذا نريد؟ وما موقعنا داخل منظومة العدالة؟ ولا يعتقد أحد أن طرح هذه الإشكالات هو بعيد عن جادة المنطق ومسار الصواب، بل هو عين الصواب وأساسه، فعدم طرح هذه الأسئلة دلالة على عدم النضج في معرفة الحقيقة واستشراف المستقبل، وما المدرسة الوطنية إلا تجلي من تجليات وصول هيئة كتابة الضبط، إلى بسط سؤال الهوية، إذ ظل محور طمس هوية كتابة الضبط مستمرا لعقود من الزمن في الوقت الذي كانت فيه هيئات أخرى (هيئات محامي المغرب نموذج) تشتغل للفوز بمعركة الهوية في العشرينيات من القرن الماضي، واليوم تسعى إلى تحصين المكتسبات ودسترتها، “فأن تصل متأخرا خير من أن لاتصل” هو ما يتعين على منتسبي هيئة كتابة الضبط القيام به وسيقع على عاتق المكونين والقائمين على المدرسة الوطنية إخراج أطر قوية ذات هوية تعرف موقعها وفعاليتها داخل منظومة العدالة كُـفئة من الناحية القانونية ناجعة من الناحية الإجرائية باسطة للحلول مستشرفه للمستقبل.
النقطة الثانية: اختيار مكونين ومؤطرين منتسبين لهيئة كتابة الضبط
استكمالا لورش بناء الهوية، لابد من أن يتم اختيار خيرة أطر الإدارة القضائية سواء المشتغلين بالمصالح المركزية لوزارة العدل، أو خارج الإدارة بالمصالح لا ممركزة لتولي عملية التكوين نظرا للحاجة التي تتطلبها عملية التكوين من المزواجة بين النظري (التشريع) و التطبيقي، وهو ما يتوفر عليه كثير من أطر الإدارة القضائية، ونقترح في هذا الباب فتح باب الترشيح لاختيار المكونين الذين تتوفر فيهم صفة الكفاءة العلمية والعملية، وكذلك نسجل عدم معارضتنا لإشراك المحامين والقضاة والعدول والموثقين في تكوين أطر موظفي الإدارة القضائية المتمرنين دون أن يشكلوا الفئة الغالبة في عملية التكوين حفاظا على الهوية.
النقطة الثالثة: توصيف المهام
يجب أن يعلم القارئ العزيز سواء كان باحثا في العلوم القانونية أو حقوقيا أو حتى إن كان من عامة الناس، لابد أن نخبره بواقع مؤلم تعيشه المحاكم خاصة على مستوى تدبير العمل اليومي أو الإداري في الغالب الأعم لدى موظفي الإدارة القضائية، هوأن هذا الأخير يشتغل دون توصيف المهام المنوطة به، إذ لا يمكن أن يقبل العقل والمنطق أن يتولى موظف إطار حاصل على شهادة الماستر أو الدكتوراه منتدب قضائي أو محرر قضائي من الدرجة الرابعة، أن يتولى عملية التبليغ وتسليم الاستدعاءات، ولا يمكن أن نقبل كذلك منح موظف شعبة معينة أطنانا من الإجراءات خارج عن مجال مهامه الإدارية، تحت علة عدم توصيف المهام، وبالتالي يستباح أن تلزمه بكل الإجراءات، كما أن علاقة العمل بين المحامي وموظف الإدارة القضائية والقاضي والموظف والعدل والموظف لا يمكن أن تستمر قائمة على أساس العرف وما دأب عليه، بل لابد أن تصاغ في قالب تشريعي واضح بيّن ولا يمكن أن نقترح إحداث مدرسة وطنية دون أن تكون الموارد البشرية والشعب التي سيشتغل فيها المتدرب مستندة على قاعدة تشريعية تحدد الواجب والحق على حد سواء كما أنها ( توصيف المهام) مظهر كذلك من تمظهرات الهوية.
النقطة الرابعة: مدة التكوين
لابد من منح الوقت الكافي للموظفين المتدربين لأجل تكوينهم على مستوى عال ومتطور، وهنا نقترح مدة أدناها سنة وأقصاها سنة ونصف من التكوين، حتى يتسنى تزويد المحاكم بالموارد البشرية اللازمة في توقيت زمني متواتر وقريب، إذ لا يمكن قبول استمرار التكوين لمدة سنتين أمام حاجة المحاكم للموارد البشرية اللازمة. فسنة كافية لبناء شخصية موظف إدارية قضائية متزنة وذات هوية وكفاءة، إذ يمكن أن تستمر عملية التكوين الى ستة اشهر (متواصلة أو متقطعة) من التكوين النظري تشمل بالأساس في فهم كل شعبة على حدة بدراسة الإجراءات القانونية وسندها القانوني وإشكالاتها الواقعية والعملية ( شعبة وحدة التبليغ والتحصيل، شعبة الجنح، التنفيذ المدني، السجل العدلي، السجل التجاري الشعبة المدنية، والعقارية، شعبة الطلاق والتطليق، الزواج والنفقة…) ثم ستة أشهر(متواصلة أو متقطعة) من التكوين داخل المحاكم للاصطدام بالممارسة الحقيقية والوقوف على مسار الاجراء الذي درسه على المستوى النظري، ولا ننسى التكوين على مستوى كتابة الجلسات وعملية تحرير محاضر الجلسة، ولابد من التكوين التطبيقي أن يشمل المحاكم الابتدائية (رئاسة ونيابة عامة)، وكذلك المحاكم الاستئنافية (رئاسة ونيابة عامة) ومحكمة النقض على الأقل عبر زيارات تخضع لمبدأ التفويج، وكذلك الشأن بالنسبة للمحاكم المتخصصة نظرا لخصوصية المسطرة الخاصة بهم .
ونافلة القول مما سبق ذكره وبسطنا بيانه، أن المدرسة الوطنية لهيئة كتابة الضبط نعتبرها النقطة الفريدة والمضيئة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تمت صياغته في إبعاد تام عن إشراك هيئة كتابة الضبط في شخص تمثيليتها النقابية في صياغة مضامين الميثاق الذي بدأ معيبا شكلا عبر اقصاء فئة تشكل ثمانين في المئة من مواردها البشرية لينتهي معيبا موضوعا، وهو ما بدأت ملامحه تلوح في الأفق عبر استمرار ضعف النجاعة القضائية وأفول مسار الإصلاح وعدم القدرة على الرفع من مردودية التحصيل والتنفيذ الزجري الذي يضيع على الخزينة العامة الملايير من الدراهم، وكل ذلك راجع لعدم فتح قنوات الحوار وإشراك كتابة الضبط لبسط الإشكالات العملية والاجرائية ووضع الحلول المقترحة من طرفهم.
بقلم : ذ. حمزة بنفضول
الكاتب العام لودادية موظفي العدل بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير