تضارب المصالح…

مشكلة «تضارب المصالح» تكررت مؤخرا، تلميحا وتصريحا، على ألسنة عدد من الفاعلين السياسيين تجاه أعضاء في الحكومة الحالية، كما نبه إليها خبراء وباحثون، وأشار إليها أيضا رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، حيث أكد أن الظاهرة مستمرة، ودعا إلى سن عقوبات ضد المخالفات المتصلة بذلك.
تكاد هذه الظاهرة اليوم، في نظر عدد من المراقبين، تجسد «خطيئة النشأة» بالنسبة لهذه الحكومة، وهي تستوجب اليوم قرارا سياسيا جوهريا لتجاوزها.
الوقوف عند هذا الأمر ليس له مضمون اتهامي مباشر، ولكن هو مرتبط بتنامي أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة لا تجرؤ الحكومة على إعمال إجراءات قانونية وإدارية وسياسية جريئة لمعالجتها، وذلك لكونها تأخذ بعين الاعتبار مصالح لوبيات داعمة لها، أي أنها تعاني من الارتهان إلى مصالح وإلى ازدواجية هذه المصالح بالنسبة لبعض أطرافها.
مشكلة تضارب المصالح لا تعيق اليوم فقط الولوج المنصف إلى قطاعات وأنشطة وخدمات معينة، ولا تضعف المنافسة فقط، ولكن الأمر أخطر من ذلك، حيث أنه يمنع الحكومة من القيام بواجبها الوظيفي، أي تفعيل إجراءات وسياسات عمومية لمعالجة أوضاع الناس والتخفيف من حدة معاناتهم المعيشية.
وحتى عندما يكون تضارب المصالح محتملا فقط أو يشتبه في حدوثه، فإنه يقتضي التدخل، فما بالك عندما يكون متصلا بقطاعات حيوية في الاقتصاد الوطني، ولها ارتباط مباشر بالقدرة الشرائية للناس ومعيشهم اليومي، وأيضا لما يكون وزراء وفاعلون سياسيون منغمسين في كل تفاصيل هذا التضارب.
من المؤكد أن تعزيز النزاهة في البلاد، وتمتين مقتضيات دولة القانون في المجال الاقتصادي والمالي، وإقرار الشفافية في كامل منظومة المسؤولية العمومية، وحتى في القطاع الخصوصي، كل هذا ليس بسيطا، ولا يتوقف فقط على إقرار قانون أو إنشاء هيئة للنزاهة، ولكن الأمر يتطلب سياسة وطنية متكاملة، ومنهجية التقائية…
وللنجاح في هذا، يعتبر القضاء على تضارب المصالح مدخلا أوليا وضروريا، ويستطيع بعث رسائل التطمين للجميع، وبالتالي الفصل بين الوظيفة والسلطة من جهة، والمصالح الذاتية والقطاعية من جهة أخرى.
من هنا يبدأ إذن التصدي للفساد والرشوة والمحسوبية، أي من تحديد المواقع، وتدقيق الاختصاصات والمصالح والحدود…
ورش محاربة الفساد وتقوية النزاهة في بلادنا يتطلب اليوم إرادة سياسية واضحة، ويقتضي الكثير من الجدية والشجاعة، كما يجب أن يندرج ضمن مقاربة شمولية، وأن تكون البداية اليوم من معالجة معضلة تضارب المصالح وما يترتب عنها.
هنا، لا بد من إدراك الفرق الكبير بين المطلوب واجبا ومنطقا وقانونا، وبين ما يوجد اليوم في الواقع، وما تتداوله كل مجالس الحديث، وما يسجله المراقبون  لممارستنا الاقتصادية والسياسية والإدارية، وتبعا لذلك، التدخل لفرض احترام القانون وشروط النزاهة…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top