نموذج إلغاء عقوبة الإعدام
استجابة لدعوة المكتب المنسق لشبكة برلمانيون وبرلمانيات ضد عقوبة الإعدام في المغرب، شارك المستشار البرلماني عبد اللطيف أعمو عن بعد في أشغال الندوة المغاربية لتبادل المعلومات والتجارب حول مناهضة عقوبة الإعدام المتمحورة حول: دور المؤسسة التشريعية في مناهضة عقوبة الإعدام تفعيلا لمقتضيات دستور 2011، بمداخلة تحت عنوان: “تعاون المؤسسات ومصداقيتها (نموذج إلغاء عقوبة الإعدام)”.
هذه الندوة المنظمة بدعم من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية الفرنسية جميعا ضد عقوبة الإعدام، انعقدت حضوريا في قاعة محمد النصيري في رحاب وزارة العدل يوم الأربعاء 23 دجنبر 2020، وعرفت مشاركة السيد وزير العدل والسادة رؤساء مجلسي النواب والمستشارين والسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بجانب نائبات ونواب برلمانيين من المغرب ومن دول المغرب الكبير، إضافة إلى عضوات وأعضاء مختلف الائتلافات من أجل مناهضة عقوبة الاعدام وممثلات وممثلي المجتمع المدني.
وفيما يلي، أهم ما تضمنته المداخلة المقدمة بالمناسبة.
في تعاون المؤسسات ومصداقيتها
يعتبر مبدأ فصل السلط مفتاح الديمقراطية وركيزتها الأساسية، سواء على مستوى التنظير الفقهي أو على صعيد الممارسة السياسية.
ويمثل تضمين الدستور مبدأ فصل السلط جوهر تنظيم السلطات، وهو الأمر الذي اعتبره قسم واسع من الفقه الدستوري من ثوابت التشريع الدستوري. لكن ذلك، لا يلغي إمكانية التعاون بين السلط، وهو ما يعرف بالفصل المعقلن للسلطات، وذلك من أجل ضمان سير مرافق الدولة. وهو الاتجاه الذي يوصف بالمرونة في تدبير شؤون الدولة.
وينص الفصل الأول من دستور 2011 على أن “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة …”.
ويقر هذا المبدأ بممارسة كل سلطة صلاحياتها الذاتية أو الخاصة بها، مع الإقرار في نفس الوقت بالتداخل بين صلاحيات واختصاصات السلطات.
ويبدو أن غياب التعاون بين السلطات، أو ضعفه، هو الصفة الغالبة، بحيث لم يتطور العمل المؤسساتي في هذا الاتجاه.
ومن ضمن هذه القضايا المجتمعية التي تثير إشكالية غياب التعاون بين المؤسسات أو ضعفه في معالجتها ومقاربتها، لكونها قضايا مجتمعية ذات زوايا خلافية: قضية عقوبة الإعدام والقضايا المرتبطة بحرية المعتقد وقضية الإجهاض، … وغيرها.
تطور المنظومة الحقوقية الدولية وعقوبة الإعدام
لقد شهدت سياسات الدول الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام عبر العالم، تطورا سريعا، منذ تسعينات القرن الماضي، بالموازاة مع التطور السريع في عدد البرلمانات الديمقراطية القائمة دوليا.
وتشير المعطيات المتوفرة، إلى أن عقوبة الإعدام قد ألغيت في القانون أو في الواقع في أغلبية الدول الإسلامية، حيث أنه ضمن 57 دولة عضو في منظمة التعاون الاسلامي، 16 دولة ألغت العقوبة من تشريعاتها و14 أوقفت تنفيذها و3 ألغتها في الجرائم العادية. مما يوحي بأن هناك تحسنا في المواقف تجاه التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام.
ويعكس هذا التطور أيضا، تطور السياسات الحكومية في هذا المجال، وكذلك تطور العلاقة بين السلط: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
المغرب وعقوبة الإعدام
وبخصوص المغرب، فقد نُفذت آخر عملية إعدام في سنة 1993، وبالتالي فإن البلاد ألغت عقوبة الإعدام بحكم الواقع. وقد مضت 27 سنة على آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في المغرب. ويبقى المغرب دوليا ضمن لائحة الدول 38 المعلقة لتنفيذ عقوبة الإعدام أو المبقية عليها، حيث ما زال واقع تطبيق العقوبة متفاوتا من دولة إلى أخرى.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أنه ما زالت تصدر أحكام بالإعدام في المغرب، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة صدر 15 حكما بالإعدام في سنة 2017 و10 أحكام في سنة 2018، ثم 11 حكما في سنة 2019. بحيث، لم يمنع الوقف الفعلي لتطبيق عقوبة الإعدام من الإدانة بعقوبة الإعدام.
وحسب معطيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فقد استفاد 119 محكوما بالإعدام من العفو خلال 19 سنة. وخلال سنة 2019 فقط، استفاد 31 سجينا محكوما بالإعدام، من العفو في عدد من المناسبات، كما واصل القضاة، في سنة 2019 لوحدها، إصدار أحكام الإعدام، بلغت 11 حكما ابتدائيا و11 حكما استئنافيا. ويوجد حاليا 74 محكوما بتلك العقوبة – التي لا تنفذها المملكة منذ سنة 1993 – في ممرات الموت.
هذا، بالرغم من أن ديناميكية إلغاء عقوبة الإعدام تعتبر جزءا من عملية الإصلاح الدستوري التي نُفذت في سنة 2011، والتي أفضت إلى أدراج الحق في الحياة في الدستور (المادة 20). ويرتبط هذا التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام أيضًا بإصلاح نظام العدالة الجنائية في اتجاه تبني نظام عادل ونزيه.
لكن الحكومة اكتفت فقط بتخفيض الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، من خلال مشروع القانون الجنائي، من 31 جريمة إلى ثماني جرائم، مع إضافة ثلاث جرائم يعاقب عليها أيضا بالإعدام، هي جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ليصبح العدد 11 عقوبة يعاقب عليها بالإعدام.
فيما تشير المعطيات الدولية إلى أن أكثر من ثلثي بلدان العالم ألغت عقوبة الإعدام في القانون أو لا تطبقها في الواقع الفعلي. وحسب منظمة العفو الدولية، فإن مجموع البلدان التي ألغت العقوبة في القانون أو لا تطبقها في الواقع الفعلي هي 142 دولة، بينما ما زالت العقوبة تطبق في 56 دولة.
ومؤخرا، أطلق نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي عريضة افتراضية على “فايسبوك” في شهر شتنبر 2020 تحت عنوان: “حملة المليون توقيع من أجل إعدام قاتل الطفل عدنان”، رغم أنه لم يثبت إلى حدود اليوم أن تنفيذ عقوبة الإعدام قد ساهم في التقليص من جرائم اغتصاب الأطفال أو غيرها من الجرائم الخطيرة.
ما محل التفاعل مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من الإعراب؟
1- تصديق وانضمام المغرب للنصوص الدولية
لقد صادق المغرب على مجموعة من النصوص الدولية الرئيسية ذات الصلة بعقوبة الإعدام، ومن ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في سنة 1966، والذي انضم إليه المغرب في 3 ماي 1979، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللآ إنسانية أو المهينة الصادر في سنة 1984، والذي صادق عليه المغرب في 21 يونيو 1993.
هذا بجانب الانضمام للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللآ إنسانية أو المهينة في 24 نونبر 2014، إضافة إلى الانضمام للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 21 يونيو 1993.
فيما لم يصادق المغرب بعد على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في سنة 1989، والرامي إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وغيره من النصوص المماثلة.
2- التوصيات المتعلقة بعقوبة الإعدام في الاستعراضات الدورية الشاملة
يعتبر الاستعراض الدوري الشامل (UPR) آلية تابعة لمجلس حقوق الإنسان، وتنطوي هذه الآلية على إجراء استعراض لسجلات حقوق الإنسان لدى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتهدف هذه الآلية إلى تحسين حالة حقوق الإنسان على أرض الواقع. وفي إطار هذه الآلية، يتم مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل 5 سنوات.
وخلافا للدورة الأولى المنعقدة في 8 أبريل 2008، التي لم يتلقى فيها المغرب أي توصية متعلقة بعقوبة الإعدام، فقد ارتفع عدد التوصيات من 12 إلى 19 توصية ما بين الدورة الثانية المنعقدة في 31 ماي 2012 والدورة الثالثة المنعقدة في 2 ماي 2017. وقد قبل المغرب 10 توصيات تتعلق بعقوبة الإعدام في دورة 2012، مقابل 5 توصيات في دورة 2017.
فضمن 195 توصية قبلها المغرب من مجموع 252 توصية، خلال الدورة الثالثة (2 ماي 2017) تتعلق خمسة منها مباشرة بعقوبة الإعدام، لكنها في مجموعها أو في مجملها تتعلق بالتعبير عن نوايا قد لا تختلف عن سابقتها في سنة 2012، دون التزام حكومي صريح وقوي في هذا المجال، حيث تشير التوصية رقم 2 إلى مجرد التفكير في التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني (OP2)، فيما تنص التوصية رقم 93 على تكثيف النقاش الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام، مثلها مثل التوصية رقم 97 التي تشير إلى مواصلة النقاش الوطني حول إلغاء عقوبة الإعدام، مع النظر في إلغاء عقوبة الإعدام (توصية عدد 99) والنظر في إضفاء الطابع الرسمي على الوقف الفعلي لعقوبة الإعدام (توصية رقم 98).
ويبدو جليا أن التفاعل الإيجابي مع التوصيات الأممية عبارة عن تفاعل رمزي لا غير… قد يرمي إلى تلميع الصورة الحقوقية، دون اتخاذ تدابير جريئة. وهو بذلك لا ينفذ إلى صلب الموضوع وجوهر الإشكال الحقوقي المرتبط بالإبقاء على عقوبة الإعدام، من قبيل قبول التوصية رقم 5 القاضية بإلغاء عقوبة الإعدام رسميا والتصديق على البروتوكول الاختياري رقم 2 أو قبول التوصية رقم 100 الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات الوطنية. وهي شجاعة وجرأة سياسية مفقودة في واقعنا اليوم.
ويشار إلى أن المغرب امتنع عن التصويت، في سنة 2018، كما هو الحال في سنة 2016، حيث امتنع كذلك عن التصويت على مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف عالمي لتطبيق عقوبة الإعدام، أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان. وهو امتداد لقرارات مماثلة على مدى أزيد من 10 سنوات.
توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بعقوبة الإعدام
من جهة أخرى، سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن جدد الدعوة لحكومة سعد الدين العثماني بقبول توصيات لم تحظ بتأييدها في الجولة الثانية من الاستعراض الدوري الشامل، ومن بينها التوصية 131.3 الداعية إلى الأخذ بوقف اختياري بحكم القانون لتنفيذ عقوبة الإعدام؛ وذلك في أسرع وقت ممكن.
وأوصى المجلس كذلك بالتصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الرامي إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
كما وجهت منظمة العفو الدولية من جهتها مذكرة إلى رئيس الحكومة للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وذلك بالتصويت الايجابي على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بعقوبة الإعدام المعروض في الأمم المتحدة نهاية 2018، وكذا التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، والمعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/128 بتاريخ 15/12/ 1989، الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 11/7/1991، من دون إبداء أية تحفظات… معتبرة في ذات الوقت بأن عودة المغرب بكل ثقله إلى الاتحاد الإفريقي جعله أكثر من أي وقت مضى ملزما باحترام الشرعية الإفريقية لحقوق الإنسان، وفي قلبها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي ينص على الحق في الحياة والسلامة لكل إنسان، ويحظر ممارسة جميع أشكال التعذيب والعقوبة والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث أن أربعة أخماس دول إفريقيا البالغ عددها 55 دولة، إما ألغت عقوبة الإعدام في القانون أو تبنت تعليقها في الممارسة العملية (38 بلد من أصل 54). وعلى المغرب أن يكون نموذجيا في هذا المجال.
الالتزام والمصداقية في قلب رهان تعاون السلطات والمؤسسات
إن الحكومات والسلطة التنفيذية عبارة عن تنظيمات وقطاعات معقدة وغير منسجمة، تتلاقى في حضنها مصالح متناقضة ومتضاربة، وأحيانا متشابكة.
ويجب على السلطة التشريعية، وعلى البرلمانيين أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار، ويستمروا في التحاور والتفاوض مع العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك عموم المواطنين والصحافة والمسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية ومجموعات الضغط، بخصوص القضايا المجتمعية التي لم يحصل بعد التوافق حولها، والتي يتعين إنضاج المواقف الإيجابية بخصوصها، بعيدا عن منهجية التصادم والتباعد والصراع الإيديولوجي العقيم وغير المنتج.
المصداقية المؤسساتية ومسؤولية البرلمانيين
على المستوى السياسي، غالبًا ما يتم تأجيج النقاش البرلماني باعتماد المواجهة، مع التأكيد على نقط الاختلاف في المواقف بدلاً من نقط التلاقي والتطابق، حيث يسعى السياسيون إلى التعبير عن هويات سياسية مميزة لتحديد المواقع والمواقف في مواجهة الرأي العام.
ومع ذلك، تبقى البرلمانات المكان الأمثل الذي يتم فيه التفاوض والتسوية والبحث عن حلول وسطى لضمان تنفيذ السياسات العمومية واحترام الالتزامات.
وفي هذا الاتجاه، يتعين مواصلة الحوار الوطني لمناقشة سبل إلغاء عقوبة الإعدام، باستحضار نضالات المجتمع المدني والحركة الحقوقية، والتزامات هيئة الإنصاف والمصالحة، مع استحضار الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان المنعقد بمراكش في نونبر 2014، والتي أشاد فيها جلالته بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون. وهي تراكمات إيجابية يتعين توظيفها فعليا لمصلحة البلاد، بعيدا عن المصالح الإيديولوجية الضيقة.
ما جدوى المساهمة البرلمانية بمقترحات قوانين؟
قدمت العديد من مقترحات القوانين، ما بين 2013 و2017، منها ما يرمي إلى تغيير فصول من مجموعة القانون الجنائي، أو تغيير فصول من قانون العدل العسكري وبنسخ مقتضيات من قانون المسطرة الجنائية، تقدم به برلمانيات وبرلمانيون من مختلف الفرق البرلمانية ومن مختلف الأطياف السياسية في سنة 2013.
كما قدم مقترح قانون في نفس السنة من طرف الفريق الاشتراكي، يقضي بإلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بالسجن المؤبد، مع الحرمان من الحق في طلب العفو، تقدم به برلمانيون.
وآخر مقترح قانون تقدم به برلمانيان عن فيدرالية اليسار الديمقراطي في سنة 2017، ينص على التوقف عن إصدار المحاكم المغربية لأحكام الإعدام، وتعويض عقوبات الإعدام الصادرة سلفا بأخرى سالبة للحرية، إضافة إلى المطالبة بضرورة منع تنفيذ أحكام الإعدام على أي شخص .
لكن، يبدو أن الحكومة لم تتجاوب بالإيجاب مع أي من المقترحات المقدمة منذ سنة 2013.
ما جدوى مسائلة الحكومة؟
في إطار مراقبة العمل الحكومي، وجهت الفرق والمجموعات البرلمانية بمجلس النواب، على سبيل المثال، أزيد من 24 سؤالا شفهيا، كما تلقت الحكومة قرابة 20 سؤالا كتابيا… ظلت كلها بدون جواب.
وفي الحالات النادرة التي تمت فيها الإجابة، صرح وزير العدل والحريات آنذاك جوابا على سؤال شفهي للفريق الاشتراكي بتاريخ 13 ماي 2014، بأن موضوع عقوبة الإعدام من المواضيع الإشكالية دوليا ووطنيا. وحسب قوله فــ “معلوم أن الحكومات السابقة كانت تصوت في الأمم المتحدة بالامتناع عن المقرر إلغاء هذه العقوبة (…) ” بمعنى أن الحكومة الحالية لم تبادر إلا إلى تأكيد “enteriner” ما وجدت عليه سابقاتها، دون تطوير أو مراجعة موقفها!
وبالنسبة للدستور، صرح السيد الوزير بخصوص ما ورد من التنصيص على الحق في الحياة، بأنه من المعلوم أن هذه الصيغة، كما هو منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لا تعني أبدا إلغاء عقوبة الإعدام. وهنا أشار إلى المادة 6 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية التي نصت على أن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا. ولا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة… نافيا بالمطلق العلاقة بين منطوق المادة 20 من الدستور، والمادة 6 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، والدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وهذا ما تكرر في جواب على سؤال مماثل لفريق العدالة والتنمية في الموضوع بتاريخ 1 يوليوز 2013، حيث استدل وزير العدل والحريات بالمادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية وبالمادة 4 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان، لتبيان أن “الحديث عن الحق في الحياة لا يعني تلقائيا ووجوبا إلغاء عقوبة الإعدام”.
وفي رده على التعقيبات أشار السيد الوزير في 13 ماي 2014 إلى أنه لا يوجد في الأدبيات الدولية ما يوجب إلغاء عقوبة الإعدام، إلا ما يخص البروتوكول الدولي الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يبقي للدول، بمحض إرادتها، أن تصادق عليه أو لا تصادق عليه.
وفي تعقيبه في نفس السياق، على مداخلة حول رغبة أزيد من 200 برلمانية وبرلماني تأسيس شبكة برلمانية، عقب أنه إذا عقد 200 برلمانية وبرلماني العزم على إلغاء هذه العقوبة… فهم أسياد قرارهم… أي أنهم أحرار في ذلك، ولا دخل للحكومة في ذلك، وأن لا تأثير لذلك على القرار الحكومي، حيث أضاف: “أما بالنسبة إلينا في الحكومة، فإننا نرى بخلاف ذلك أنه يجب التقليص من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وهذا ما ترجم في مشروع قانون المحكمة العسكرية وفي القانون الجنائي وفي مشروع المسطرة الجنائية …” بمعنى أن لا تطلبوا من الحكومة أكثر من ذلك !
لكن هذا الموقف الإيديولوجي للحزب الأغلبي في التكتل الحكومي، لم يمنع رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب في كلمته الافتتاحية بمناسبة الاجتماع الأسبوعي يوم الثلاثاء 19 ماي 2015، من استنكار أحكام الإعدام التي وزعها القضاء المصري في حق عدد من القيادات السياسية والمدنية، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي والشيخ يوسف القرضاوي، واصفا هذه الأحكام بالجريمة الإنسانية، وداعيا إلى التراجع عنها لصالح مقاربة أخرى تستهدف عمق المشكل بمصر… داعيا في ذات الوقت من وصفهم بالأحرار في كل العالم إلى استنكار هذه الأحكام والتحرك لإيقافها، … وهو تعبير صارخ عن ازدواجية في الخطاب.
ما جدوى المشاركة في اللقاءت الدولية؟
تشارك العديد من الوفود البرلمانية في الندوات واللقاءات والمؤتمرات ذات البعد الحقوقي، حيث تصدر توصيات والتزامات بالمضي قدما نحو إلغاء عقوبة الإعدام… ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر: المشاركة في اللقاء حول الشراكة من أجل الديمقراطية” بين البرلمان المغربي واللجنة السياسية للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في سنة 2015، حيث صادقت اللجنة السياسية للجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا، بالإجماع، في اجتماعها المنعقد في 03 يونيو 2015 بروما، على التقرير ومشروع القرار المتعلقين بتقييم هذه الشراكة البرلمانية.
وبخصوص اضطلاع البرلمان المغربي بدوره باعتباره يمثل حجر الزاوية في مجال الديمقراطية من خلال تكثيف جهده التشريعي، وتنزيل برنامج الإصلاحات وفي دعم حقوق الإنسان، ومعالجة القضايا التي تثيرها الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، التزم البرلمان المغربي في هذا الباب بالعمل من أجل القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يشجعها مجلس أوروبا، وخاصة خلق الشروط الملائمة لإجراء انتخابات حرة وعادلة، والمضي قدما على درب إلغاء عقوبة الإعدام.
كما شارك وفد من مجلس النواب؛ في أشغال الدورة الخامسة والأربعين للجمعية البرلمانية للفرنكوفونية التي احتضنتها الجمعية الوطنية الإيفوارية خلال الفترة الممتدة من 05 إلى 10 يوليوز 2019 بمدينة أبيدجان حول موضوع: “البرلمان وتعزيز الديمقراطية”، وقبلها شارك وفد برلماني في أشغال الدورة 44 التي احتضنتها الجمعية الوطنية للكيبيك في سنة 2018، حيث ناقشت اللجنة السياسية عدة قضايا، من ضمنها عقوبة الإعدام، تمت ترجمتها إلى قرارات وتوصيات خلال الجلسة العامة للدورة.
فيما شاركت مؤخرا شعبة مجلس المستشارين لدى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في أشغال اجتماع لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان يوم الأربعاء 14 أكتوبر 2020، وتمحورت أشغال هذا اللقاء أساسا حول حقوق والتزامات المنظمات غير الحكومية التي تهتم باللاجئين والمهاجرين في أوروبا. كما ناقش أعضاء اللجنة موضوع إلغاء عقوبة الإعدام بمناسبة اليوم العالمي الثامن عشر لمناهضة عقوبة الإعدام.
الاستمرار في الترافع وإخبار الرأي العام بمستجدات القضية
إلى حد الساعة، لم يتوقف النقاش المؤسساتي، فقد سبق لمصطفى الرميد، وزير الحريات وحقوق الإنسان الحالي، حين كان وزيرا للعدل، أن اعترض في الولاية الحكومية السابقة على إدراج إلغاء عقوبة الإعدام ضمن نقط أخرى أثارت خلافا إلى جانب تعدد الزوجات والإيقاف الإرادي للحمل، والتي عرقلت تفعيل الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ بل إنه طالب فقط بتقليص عدد الجرائم التي تطبق حولها العقوبة دون إلغائها بشكل تام.
وهو موقف نابع من دوافع إيديولوجية، ومزاجية، تسارع إلى الترويج للاعتقاد الخاطئ بأن عقوبة الإعدام ستقلل من الجريمة، برغم غياب أي دليل يدعمه. فغالبا ما توظف عقوبة الإعدام كوسيلة رخيصة يستخدمها أشخاص ذوو دوافع سياسية للتظاهر أمام ناخبيهم الخائفين والبرهنة بأن ثمة تدابير قاسية تتخذ لمكافحة الجريمة، رغم أن الدراسات والأبحاث تدل، بما لا يدع مجالا للشك، بأن ليس هناك أدلة موثوقة على أن الإعدام أكثر فعالية من السجن كعقوبة رادعة للجريمة.
وواقع الأمر، يشير إلى أن أعداد الجرائم في البلدان التي ألغيت فيها عقوبة الإعدام لم ترتفع بعد إلغاءها، بل وانخفضت فعلياً في العديد من الحالات. ففي كندا مثلا، كان معدل جرائم القتل في سنة 2008 أقل من نصف معدل سنة 1976 التي ألغيت فيها عقوبة الإعدام.
ورغم الموقف السلبي للحزب الرئيسي في التحالف الحكومي، تجاه هذا المطلب الإنساني، فإن نسبة المغاربة الذين هم متفقون على إلغاء عقوبة الإعدام، والمغاربة الذين هم مع الإبقاء على هذه العقوبة متساوية، حسب دراسة أجراها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
كما أن الرسالة الملكية إلى المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان، الذي انعقد بمراكش سنة 2014، تضمنت دعوة صريحة إلى فتح حوار مجتمعي حول عقوبة الإعدام.
هذه العقوبة التي ما زال المغرب يرفض التصويت على إلغائها في مجلس حقوق الإنسان، وهي ترد بانتظام وبإصرار ضمن التوصيات التي تقدم له في الاستعراض الدوري الشامل في جنيف.
ولقد صادق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات ذات العلاقة بحقوق الإنسان أبرزها معاهدة مناهضة التعذيب، إلا أنه امتنع عن التصويت في سنة 2016 على مشروع القرار المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان.
وقامت الحكومة المغربية بتخفيض الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام من 31 جريمة إلى ثماني جرائم، ضمن مشروع القانون الجنائي، مع إضافة ثلاث جرائم ينال مرتبكوها نفس العقوبة، وهي كالتالي: جريمة الإبادة الجماعية، جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ليصبح عدد القضايا التي يعاقب عليها 12 من أصل 36 جريمة.
لقد حان الأوان، لترقى المنظومة القانونية الوطنية، لتتلاءم مع متطلبات العدالة واحترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية التي تكفلها المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
< عبد اللطيف أعمو