تكريم يستحضر التاريخ والمنجز ويستشرف الآفاق

طبعت أجواء افتتاح الدورة الأولى لمهرجان مسرح الشباب، الذي تنظمه بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل – قطاع الشباب – جمعية أصدقاء محمد الجم، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، أيام 10، 11، 12 ماي الجاري بكل من مسرح محمد الخامس وقاعة با حنيني بالرباط، تحت شعار “الشباب دعامة للنموذج التنموي الجديد”، طبعت أجواء الافتتاح لحظات مميزة وقف خلالها الجمهور تحية إجلال وتقدير لثلاثة من رواد الخشبة، الذين جرى تكريمهم من قبل المهرجان، ويتعلق الأمر بكل من الفنانة نجوم الزوهرة، والفنان إبراهيم وردة، والفنان المختار الملالي.
وشكلت لحظات التكريم والعرفان لحظة ربط وتجسير العلاقة بين جيل هو نتاج لمسرح الهواة وجيل يتوق للمزج بين تجربته وتحقيق الاستمرارية، حيث غالبت الدموع المكرمين والحاضرين.. وألقى فنانون شهادات في حق المكرمين، ليقدم الكاتب والناقد المسرحي الحسين الشعبي شهادة غنية وثرية في حق الفنانة الزوهرة نجوم، كما ألقى المخرج بوسرحان الزيتوني شهادة مميزة في حق المخرج المتألق إبراهيم وردة، وقدم الكاتب المسرحي عبد اللطيف فردوس شهادة قيمة في حق الفنان القيدوم المختار الملالي.

الزهرة نجوم.. الممثلة البهية

الزهرة نجوم هي نفسها الزهرة بنت البرنوصي بصيغة أخرى وبنفس آخر..
هي تلك الفتاة الشابة التي مذ عرفتها ذات زمن، وهي تعتنق ديانة المسرح وتعانق الخشبة.. تحب وتعشق فن التمثيل.. ولعل هذا العشق هو الذي جعلها تبرع وتتألق فيه.. لاسيما وأنها مرت بحق من محك الممارسة والمثابرة والحضور والتعب والعرق والسؤال.. يعني “الدمير” والتداريب والمعاناة.. على عكس ما يقع اليوم حيث يتم جلب الممثلات “الساهلات” من فضاء أنستاغرام..
إذا كانت الزهرة نجوم لعبت بإتقان دور وشخصية الزهرة بنت البرنوصي، فإن هذه الزهرة بنت البرنوصي ذاتها لعبت أدوارا مهمة في الوساطة بين الممثلة وجمهورها.. لأن نجوم الزهرة، وإن عاشت كل فترات شبابها على خشبات مسرح الهواة، فإنها لم تجد مسلكا للعبور نحو المسرح الاحترافي والجمهور الواسع سوى مسرحية الزهرة بنت البرنوصي رفقة رفيق الدرب والحياة الفنان عبد الإله عاجل..
في هذا الزمن تعرفت على الزهرة، زمن الزهرة بنت البرنوصي.. ألا يحق لنا أن نؤرخ لمسرحنا المغربي بعناوين وتواريخ مسرحياته المتألقة والشهيرة.. كأن نقول مثلا زمن “امرئ القيس في باريس”، أو زمن “الزغننة”، أو زمن “نومانس لاند”، أو زمن “تراجيديا السيف الخشبي”، أو زمن “ضريبة العشق”، أو زمن “البحث عن رجل يعرفهم جيدا”.. أو زمن “موت اسمه التمرد”… وهكذا نتذكر الأزمان علنا نتذكر أبطالها وبطلاتها كما هو الشأن بالنسبة لنا اليوم حين نتذكر ونذكر فنانتنا المتألقة الزهرة نجوم ونحتفي بها وبمسارها وعطائها.. هذه المرأة اختارت ممارسة المسرح عن عمد وسبق إصرار وترصد وسط هذه الأزمنة المتداخلة والصعبة.. حيث كان المسرح يتمثل حرارة المرحلة، وكان الممثلون والممثلات يتباهون في تقمص أدوار الأبطال الذين من أفواههم تنبثق الحقيقة.. الزهرة وجدت في جغرافية هذا المسرح مسالك وعرة عرفت كيف تعبرها بنجاح، حين كان الرجال الممثلون كثر بينما النساء الممثلات قليلات.. هكذا، ومنذ شبابها، وجدت الفتاة الممثلة الزهرة نجوم في المسرح تلك الشرفة التي من خلالها تطل على العالم، وعبرها تقدم وجهة نظرها من هذا العالم، بواسطة التمثيل.. الزمن الذي نتحدث فيه اليوم ليس هو الزمن الذي عشنا لحظاته مع الأيقونات المسرحية التي ذكرت قبل قليل.. ففي تلك الفترة كان مسرحنا عامرا بالكلام والحكي والبوح والفكر والتصور والحلم.. كان مسرحنا يثير الانتباه، انتباه المجتمع، انتباه النخب السياسية والنخب الجامعية، انتباه المثقفين والصحفيين، وانتباه السلطات العمومية.. واليوم صار مسرحنا يتيما ومنعزلا لم يعد يغري أحدا ولم يعد يستأثر باهتمام أحد سوى ممارسيه ومريديه…
ضمن دوائر الانتباه هذه، مارست الزهرة التمثيل، وفي أوقات صعبة كانت تسمى بسنوات الرصاص.. حيث كان الصراع على أشده بين الالتزام والتهريج..

للزهرة عطاء غزير في التمثيل، شاهدتها في معظم مسرحياتها وأفلامها.. من مسرحياتها نذكر على سبيل المثال “بوتليس”، “تيسليت”، “حدو قدو”، “صرخة شامة”، “كان هنا”، “الديمغرافي”.. وهي مسرحيات تم إنتاجها في إطار مسرح الكاف.. وهو مختبر للبحث المسرحي أسسه عبد الإله عاجل رفقة الزهرة نجوم من أجل مواصلة رحلة البحث التي بدأت مع فرقة “فتح” المسرحية بالدار البيضاء ومع مسرحية “الزهرة بنت البرنوصي” لمبدعها ومبتكرها الفنان عبد المجيد سعد الله ضمن تجربة المسرح الفقير..
وثمة مسرحيات أخرى شهيرة لمسرح الحي، منها مثلا: “عاين باين”، “شارب عقلو”، “العقل والسبورة”، “شرح ملح”، “حسي مسي”، “حب وتبن”.. وصولا إلى آخر المنجزات قبيل كورونا من قبيل مسرحيات: “هي هكا”، “المبروك”، “دار الباشا” و”علاش”.
قد تختلف هذه المسرحيات من حيث الاختيارات الفنية لمبدعيها، ومن حيث الأشكال الفرجوية التي تقترحها.. لكن هذا الاختلاف يقوي قيمة التنوع لدى الممثل ويعزز إمكاناته وطاقاته التشخيصية.. وأستطيع أن أقول هنا بأن الفنانة نجوم الزهرة تمكنت من خلال تراكم التجربة من أن تنحث لنفسها أسلوبا في الأداء التمثيلي مغايرا لما كان سائدا.. وكان منطلقها هو ذلك النفس التمثيلي الذي اعتمدته في أداء شخصية الزهرة بنت البرنوصي.. حيث فهمت الزهرة نجوم مبكرا أن التمثيل ليس مجرد لعب فحسب بل هو أيضا موقف، أي أداء إنساني فني في مكان وزمان وله شكل وله مضمون. من ثمة استطاعت ممثلتنا أن تمزج بشكل خلاق بين اللعب والموقف تقريبا في كل أدوارها التي لعبتها بعد الزهرة بنت البرنوصي.. فمثلا نجد الزهرة نجوم في كل الشخصيات التي أدتها في كل المسرحيات الكوميدية لفرقة مسرح الحي، نجدها تلعب أدوارا بعيدة عن الطابع الكوميدي الفكاهي، لكن أداءها لا يخلو من نفس السخرية المطلوب في السياق الدرامي لمسرحيات مسرح الحي.. فمن الجدية تنبثق الكوميديا إن لم أقل من المأساة تخرج الكوميديا. هذا النوع من اللعب يسميه المخرجون باللعب المضبوط أو juste أي ليس فيه لا زيادة ولا نقصان، وغير قابل للارتجال.. فهي تدرك وتعي تمام الوعي أن الموقف موقف كوميدي، لكن الحوار الذي تنطقه خال من النكتة gage ومع ذلك عليها أن تساير السياق الكوميدي، لذا سيكون لزاما عليها أن تسقط الحالة في تناقض صارخ ومن ذلك التناقض يتولد الضحك.. وهذا شكل من أشكال كوميديا الموقف كما تملكتها الزهرة نجوم مبكرا وبذكاء ثاقب.. ولعمري فإن هذا هو سر نجاح مسرحية “الزهرة بنت البرنوصي” التي جالت كل مناطق المغرب في أكثر من 140 عرض مسرحي في مطلع الثمانينات من القرن العشرين. مما جعل الزهرة تحتك أكثر بالخشبة وتتدرب على إكراهات المهنة وهي لا زالت هاوية ءانذاك..
في هذه المسرحية الطلائعية والعجائبية في نفس الوقت، شاهدنا كيف يتأتى لممثلين إثنين فقط أن يملآ فضاء الخشبة من دون أن يملاَّ ولا أن يسقطا الجمهور في الملل.. كيف يتأتى لممثلين إثنين أن يحكيا كل الحكايات ويلعبا كل الأدوار المركبة من دون أن يغادرا الخشبة.. فكل شيء يتم بمقياس وبضبط وبشكل حي بما في ذلك تغيير الديكور والملابس والملحقات.. من هذه المدرسة تخرجت الفنانة الزهرة نجوم.. ثم وضعت لنفسها، بكفاءتها وجديتها، موطئ قدم ضمن المحترفين الكبار، وصارت تصول وتجول في مسارح المغرب وأصبح لها وزن من العيار الثقيل في المشهد التمثيلي بالمغرب.

المرأة، الإنسانة، الزوجة، الأم، سيدة البيت، المسيرة والمدبرة.. الممثلة، الفاعلة الجمعوية… كيف يمكن للزهرة نجوم أن تجمع بين كل هذه الصفات والمهمات وتنجح فيها بدون شك ولا تردد لولا أن حباها الله بعقل نير يرشدها، وزوج وفي يساندها، وقلب كبير يسع الجميع..
صاحبة القلب الكبير ما خابت أبدا في اختياراتها وصداقاتها وأحلامها.. فهي نموذج المرأة الصبارة المناضلة، الخلوقة العطوفة، الحبوبة والودودة، المعطاءة السخية الكريمة، المتواضعة والطيبة، المحبة للناس والخير والحق والجمال والفن والبحر والطير والشجر… والمسرح.
سيدتي الزوهرة الممثلة البهية.. دام لك الألق والبهاء.

بقلم: الحسين الشعبي

كاتب وناقد مسرحي
شهادة في حق الفنانة الزهرة نجوم بمناسبة تكريمها
خلال حفل افتتاح المهرجان الوطني الأول لمسرح الشباب
بتاريخ 10 ماي 2022 بمسرح محمد الخامس بالرباط

***

إبراهيم وردة: المخرج المعلم الذي يعشق الضوء والألوان والتشكيل بالصوت والجسد

السادة المحترمون
الأحباء المسرحيون
من الزمن الذي كان كل شيء فيه غامضا حد الوضوح وضيقا حد الشساعة، حيث الرغبة تفتح باب أسرار الحكمة، يأتي الرجل الذي سأتكلم عنه من مفاصل الحياة المسرحية بالدار البيضاء، هو واحد من علامات مسارح الهواة بالمغرب… يسرح حالما دائما بأن المسرح يبدأ غدا، هو الذي قال لي يوما إن المسرح دهليز مظلم تمشي فيه، تتراءى لك في نهايته نقطة بيضاء بعيدة، كل ما اقتربت منها ابتعدت.. سيزيف لا يحمل الصخرة وإنما يركب الطريق بحثا عن مسرح مغربي. يعاود السير ويجاهد كي يصل.
إنه ابراهيم وردة الكاتب والمخرج والمؤطر..
هو معلم من غير إكراه، يعشق الضوء والألوان، ويبهره التشكيل بالصوت والجسد، بدأ حياته المسرحية كتابة وإخراجا، بمسرح يرتدي ملامح شعبية تستمد عماد مواضيعها من حياة اجتماعية قيد التشكل، وتتدافع للخروج من أسر البداوة والتقليد. هكذا قدم مسرحيات الزواج المفروض موسم 66 / 67 ومسرحية عام الجوع الموسم المسرحي 67 ومسؤول على امرا 67 / 68 .
سيأخذ الرجل المزداد سنة 1948 في الابتعاد التدريجي عن التأليف المسرحي ليتفرغ للكتابة الركحية حتى عاودته في الكتابة. سيكون المنعطف الأول الالتقاء بكاتب مسرحي، ينحث من لغة تختلف في بنائها، ليست دارجة يومية، ونصوص ليس فيها أحكية ولا فيها سردية خطية، بل تعرض فكرة وحالات، كتابة شدرية في زمن لم يكن لهذه الكتابة من وجود، كان هذا الكاتب هو محمد الطبعي الذي سيشغل من حياة وردة جمعية الطلائعي، حيزا زمانيا مهما، بمسرحيات فنطازية… منها مسرحية 70/71، مسرحية العجلة 71 / 72 ومسرحية الأجراس 72 / 73.
إلا أن الانعطافة الحاسمة  في حياة مسرح ابراهيم وردة، كانت مع الكاتب المسرحي ذ. عبد الكريم برشيد والذي قدم بمعيته ثلاث مسرحيات هي على التوالي: مسرحية عطيل والخيل والبارود 75/76 مسرحية قراقوش 76/77 ومسرحية فاوست والأميرة الصلعاء.
هنا لا بد من التأكيد أن الاحتفالية فكرا وفلسفة وشعرا ونصوصا أعلنت عن نفسها خلال هذه المرحلة ولفتت الانتباه إلى فكر يقارب المسرح بروح جديدة ورؤية جديدة، واكبها ذ. ابراهيم وردة بأسلوب جديد.
لقد كانت المسرحيات الثلاث انتقالا بسؤال المسرح من حال إلى حال، انتقالا يغذي التجربة المسرحية ويخترق جاهزها ويكسر ما استقر وسكن. كانت انتقالا وانعراجا بالتجربة المسرحية للهواة لتأسيس مسرحي محترف بلا فلوس على حد قول سيدي محمد تيمد.
عبر تجربة المسرح الطلائعي العديد من الأسماء المسرحية، شباب صنعوا مجد خشبة مسرح الهواة في مسار بحثه عن الذات في الشكل وفي المعنى. من هؤلاء أحمد بنيس – حرمة الله – محمد الطبعي أحمد اولاد – حوري حسين …. غيرهم كثيرون..
ابراهيم وردة المعلم الذي كانت مسرحياته درسا عميقا تعلمنا من خلاله كيف نحمل مسرحنا على أكتافنا – كما الان – وإن وهنت القوى وتعثرت الخطوات …
هنيئا لنا بك أيها الرجل البهي في الحياة والإبداع، إننا بك منك … شكرا للحظة التي أوقفتني أمامك وأمام شباب المسرح في مسرح الشباب.
وكل عام وأنت بخير ومسرحنا ينحو نحو خيره الذي لا زلنا نحلم به. والله أعلم …

بقلم: بوسرحان الزيتوني

*مخرج مسرحي
**شهادة في حق الفنان إبراهيم وردة
بمناسبة تكريمه
خلال حفل افتتاح المهرجان الوطني
الأول لمسرح الشباب
بتاريخ 10 ماي 2022 بمسرح
محمد الخامس بالرباط

***

المختار الملالي: الفنان الذي قاد فرقة كوميديا المراكشية لمدة نصف قرن

باسم الله الرحمان الرحيم
أيها الحضور الكريم:
تحية تقدير وتثمين لثقافة الاعتراف التي اعتمدتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجمعية أصدقاء محمد الجم، ومدير الدورة الأولي للمهرجان الوطني لمسرح الشباب، عبر التفاتتهم إلى حركة مسرح الهواة بالمغرب، بتكريم ثلاثة من روادها، إنها التفاتة ذكية وعميقة المغزى، تسعى إلى ربط الماضي المتمثل في المهرجان الوطني لمسرح الهواة، بالحاضر الذي يتجسد في مهرجان مسرح الشباب. وتعتبر المبادرة مدا لجسور التواصل بين الأجيال، ودعما للشباب من أجل انطلاقة متجددة بنفس تراكمي.
ماذا عساي أن أقول عن السي المختار الملالي، بمناسبة هذا التكريم؟
ارتبط اسم السي المختار الملالي بفرقة النادي الفني المراكشي كوميديا، على غرار العديد من المسرحيين الهواة الذين ارتبطت أسماؤهم بفرقهم، فكنا نميزهم بأسمائها فنقول “البلهيسي ديال اللواء، بودلال ديال المسرح العمالي، وردة ديال المسرح الطلاىعي، نشيخ ديال السلام البرنوصي، مولاي الحسن تاع الرحالة. التسولي تاع الشهاب. عبابو والشعبي ديال أنوار سوس. الإدريسي والعيساوي ديال رواد الخشبة، العبراق ديال الستار الذهبي، الزيتوني تاع اللواء، عاجل تاع الكاف… علما أن الأسماء المذكورة كانت على سبيل التذكر والذكر، وليس التعداد والحصر… رحم الله الأموات منهم وبارك في عمر الأحياء.
المختار الملالي هو الرجل المواكب المنقب المستقطب. كان ناذرا ما يخلف الموعد مع نشاط فني أو ثقافي بالمدينة، بل أكثر من ذلك عمل رفقة أعضاء من النادي الفني المراكشي كوميديا، على تخصيص أمسية كل خميس لتنظيم أو احتضان ندوات ومحاضرات وقراءات شعرية وعرض أفلام سينمائية ومناقشتها بمقر النادي. وبقدر ما كان ما عرف “بخميس كوميديا”، حجرة أساس في أنشطة المدينة الفنية والثقافية، بقدر ما شكل هذا اللقاء الأسبوعي فرصة للسي المختار للتنقيب عن المواهب الصاعدة والعمل على استقطابها للجمعية. ومني إليكم شهادة حية في حق الرجل الذي اكتشفني في مسابقة للشعر بخميس كوميديا سنة 1968 وأنا لازلت تلميذا في المرحلة الثانوية، فاتصل بي لألتحق بكوميديا، وكان جوابي أن تربية والدي الصارمة لن تسمح بذلك. إلا أنني أفاجأ بعد أيام، بأنه أقنع والدي بأهمية الأنشطة الفنية والثقافية الموجهة للشباب، وقدم له وعدا بتجميد عضويتي في حالة تذبذب نتائجي الدراسية أو تراجعها. وما حالة استقطابي إلا غيض من فيض مما قام به الملالي لتطعيم الجمعية وضمان استمراريتها.
تنطبق على “اباختار”، كما كان يحلو لنا أن نناديه، مقولة شكسبير الشهيرة “الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك”. تعرض أول مقر لنادي كوميديا لحريق أتى على البناية ومحتوياتها من ملابس وأكسسوارات وديكورات وستائر، فتوقفت أنشطة الجمعية، وغادر من غادر، إلا أن الملالي رفقة من صمد من الأعضاء، بعثوا الفينق من رماده، وأوجدوا للنادي مقرا جديدا، فاستأنفت الفرقة نشاطها، واستأنف الرجل المواكبة والتنقيب والاستقطاب. وبعد سنين تعرض المقر الجديد للهدم، وتقوى السي المختار أمام الضربة الجديدة التي لم تقصم ظهره، وطرق كل الأبواب الممكنة لترميم المقر.
كان أول اتصال للملالي بهذا العالم السحري حينما رافق والده في سنة 1950 لمشاهدة مسرحية بقاعة الحارثي لفرقة يوسف وهبي المصرية. هذا الحدث لسع الرجل ليحمل في دمه أقصى درجات الحب… وضع محمد ابن داوود الأصفهاني في كتاب “الزهرة” للحب سبع درجات حسب تمكنه من المحب هي: الاستحسان والمودة والمحبة والخلة والهوى والعشق والتتيم. وأضاف ابن الجوزي في كتاب “دم الهوى” مرتبة ثامنة هي الوله، وهي التي بلغها الملالي في علاقته بالمسرح، فهام ولهانا باحثا عن معشوقه، تنقل بين جمعية المغرب العربي حيث تعرف على محمد حسن الجندي، ومولاي عبد الله العمراني، وعبد العزيز موهوب، وأحمد العمري، رحمهم الله وعبد الله عصامي، وبين جمعيات أخرى إلى أن التحق بالمعهد الموسيقي بجنان الحارثي قسم المسرح، ليتلقى تكوينا على يد أستاذه روجي كيني، وليتخرج من هذا المعهد بعد أربع سنوات في صيف 1960 بدبلوم وجائزة أولى، وبمسؤولية رئاسة النادي الفني المراكشي كوميديا من سنة 1960 الى 2007، حيث أجبرته ظروف صحية على الانزواء وليس التخلي أو الابتعاد، لأنه وكما يقول “كوميديا أنا وأنا كوميديا”.
سطع نجم المختار الملالي في سماء المغرب بفضل وصلة إشهارية لمسرحية “زواج بلا أذن” التي كانت تبث مشهدا من المسرحية في الملخص الإخباري “Pathé journal” الذي كان يقدم على شاشات السينما قبل بداية الشريط، وكانت الوصلة تركز على “توفتوف” وهو الدور الذي شخصه الملالي في هذه المسرحية. رغم كل هذا لم يتوسد مجد المرتبة الأولى في امتحان التخرج من معهد الحارثي، ولا أغوته أضواء الشهرة والنجومية عن التكوين، بل بادر إلى الاستفادة من تداريب الشبيبة والرياضة، الأول كان تدريبا وطنيا لمدة شهر خلال العطلة الصيفية لموسم 1958. والثاني في صيف 1959، كما شارك في بعثات زارت مهرجان أفينيون وباريس، ليكتسب خبرات أهلته أن يتحمل مسؤولية تدريس المسرح بنادي كان تابعا للشبيبة والرياضة بمراكش. مارس في مساره الطويل التأليف والإخراج والتمثيل، وشكل إلى جانب المرحومين عبد العزيز الزيادي وعبد الكريم بناني ومحمد شهرمان تلاثيا ساهم في إغناء ريبيرطوار المسرح المغربي تأليفا وإخراجا.
المختار الملالي منذ أن قدم مسرحية “حاكم مالطة” في موسم 1959 وهو يحمل في داخله حلم إعادة الاشتغال عليها، وكم كانت سعادتي كبيرة لما أخبرني هذا الشهر بأنه أنهى إعادة كتابتها لتكون على الأقل وثيقة مكتوبة. ولما أخبرت الرئيس الحالى للنادي الفني المراكشي كوميديا السيد محمد بلمقدم وهو يعرف رغبة الملالي الكبيرة في رؤية هذا العمل المسرحي، أخبرني بأنه سيعمل على تحقيق هذا الحلم عن طريق اشتغال شباب النادي الفتي المراكشي كوميديا على هذه المسرحية، وتقديمها في الإقصائيات الإقليمية للدورة الثانية لمسرح الشباب. وهكذا سينخرط النادي في دعم فكرة مد الجسور بين الأجيال التي تسعى إليها وزارة الشباب والثقافة والتواصل وجمعية أصدقاء مسرح الجم ومدير هذه الدورة السيد إدريس الإدريسي الذي عمل على تنزيلها. والسلام عليكم ورحمة الله.

* عبد اللطيف فردوس/ كاتب وناقد مسرحي/ عضو النادي
الفني المراكشي كوميديا.
شهادة في حق المختار الملالي بمناسبة تكريمه
خلال حفل افتتاح المهرجان الوطني الأول لمسرح الشباب
بتاريخ 10 ماي 2022 بمسرح محمد الخامس بالرباط

Related posts

Top