تمثلات فلسطين في المخيال المغربي.. ندوة فكرية من تنظيم أكاديمية المهدي بنبركة

 سلط مثقفون مغاربة الضوء مؤخرا على قضية فلسطين في المخيال الأدبي والفني المغربي، وذلك خلال ندوة تفاعلية من تنظيم أكاديمية المهدي بنبركة.

 ونوه الناقد والروائي شعب حليفي الذي أدار الندوة بموضوعها وأهميته في الوقت الراهن، حيث كان المغاربة دائما يستحضرون فلسطين في واقعهم ومتخيلهم وفي الأدب المغربي بشكل متعدد ومتنوع. وشدد على كون الجسم المغربي دائما بكل أطيافه مع القضية الفلسطينية التي أصبحت تشكل حتى جزءا من كلامه اليومي ناهيك عن الفكر والمخيال. واعتبر أن المثقفين المغاربة مهما كانوا مقصرين في حياتهم الثقافية، إلا أن القضية الفلسطينية لا بد أن تكون حاضرة، مشيرا إلى أن المثقف القوي هو السد المنيع لكل القرارات التي قد تمس بعض الأفكار النبيلة التي نحملها والتي ترتبط بوجداننا ونسبنا العائلي، على اعتبار أن المغاربة وأجدادهم كانت لهم صلات فكرية وثقافية بالقدس وفلسطين وتحولت فلسطين عندهم عبر الزمن إلى مسألة وجدانية.

وقال عثمان باقة، منسق أكاديمية المهدي بن بركة، إن الندوة تأتي مع مرور ثلاث سنوات على تأسيس أكاديمية بن بركة التي تضم برنامجا ثقافيا من ثوابته قضية فلسطين، مشيرا إلى أن بن بركة كان علما من أعلام السياسة والثقافة ومعروفا بنضاله من أجل تحرر الشعوب وعلى رأسه الشعب الفلسطيني.

وعبّر عن رفض المؤسسة مثل باقي المثقفين المغاربة للتطبيع الذي تزايدت وتيرته في الآونة الأخيرة، منوها في الوقت ذاته بالمقاومة التي أبداها الضمير اليقظ للجسم التعليمي والصحافي ضد اتفاقيات التطبيع الموقعة سواء في المجال التعليمي أو الإعلامي، في تصدّ لمحاولات اختراق الوجدان المغربي وإضعاف مناعته الثقافية والفكرية.

من جهته شدد المفكر عبد الله ساعف على أهمية قضية فلسطين ضمن رؤية أكاديمية بن بركة حيث برمجت ثلاث ندوات كبرى عن فلسطين وعلاقة المغاربة بالقضية وحضور فلسطين في الوعي المغربي سواء على مستوى الفكر أو الإبداع أو الفعل السياسي والاجتماعي، معتبرا أن قضية فلسطين تعد محددا أساسيا للمجالات المختلفة.

 وأشار إلى أن الندوة الأولى للأكاديمية كانت قد تمحورت حول الجانب الاستراتيجي والملابسات الدولية وشارك فيها مشاركون من مختلف القارات، بينما كانت الثانية قبل أقل من سنة حول المثقفين المغاربة والقضية الفلسطينية، لتسلط هذه الندوة الحالية الضوء على فلسطين في المخيال بمختلف تجلياته.

 وتناول الكلمة الروائي مبارك ربيع الذي أشار إلى كون المخيال يشكل جملة التمثلات والصور والحكايات وكل ما تنشأ  به الثقافة الشعبية التي ينمو بها  الكائن البشري، ما يعني أن الحديث هو عن التصورات التي تشكلت في الذهن المغربي الفردي والجماعي عن فلسطين. وأشار إلى أن فلسطين قضية مرتبطة بالقضية العالمية والكونية وهي التحرر الإنساني، ولهذا فإن التجربة المغربية في سبيل الحرية هي ربيبة التجربة الفلسطينية، ولا عجب عند مقارنة قضية تحرر الصحراء المغربية بقضية فلسطين. وتوقف عند روايته “رفقة السلاح والقمر” الذي اعتبر أنها كان لها دور بارز في هذا المخيال المغربي. فقد توقفت الرواية عند حالة الانتكاسة التي شعر بها الجنود المغاربة الذي لم يتمكنوا من الانضمام إلى الجيوش العربية المقاتلة في إحدى الحروب ضد إسرائيل، مشيرا إلى أن الأمر ولو أنه أمر عسكري فهو بالمقابل أمر تطوعي نظرا لما لفلسطين في الوجدان المغربي. وتذكر الرواية حالة سلام الذي كان والده جنديا سابقا حارب في الهند الصينية وبقدر ما يتأسف على أنه حارب من قضايا لا يفهمها، إلا أنه يعبر عن غبطته بالجندية التي يسخرها للدفاع عن قضية إنسانية انتمائية حضارية. وأضاف ربيع “مما يكون مخيال الروايةأيضا ثقافة معركة الكرامة التي وقعت بشهور بعد هزيمة 67 وكيف أعادت الروح الوطنية والمقاومة حيث كان لانتصارها صدى واسع وبعثت أملاأنه يمكن الوصول إلى الحرية”

وذكر مبارك ربيع أنه في معركة 67 لم تتح للمغرب المشاركة في الحربرغم الرغبة الشديدة التي كانت له في ذلك وهو ما جعل الحسن الثاني يحرص على أن لا يتكرر الأمر في المرحلة المقبلة، حيث يشير ربيع إلى الحسن الثاني كانت له رؤية مستبصرة حين قال إن المعركة المقبلة ستكون في الجولان وهو ما وقع بالفعل.

وذهب مبارك ربيع إلى أن “الواقع أعمق وأقوى مما نكتبه وما نصوره وما نحلم به”. وأضاف: “فيالرواية هناك شخصية أظنها نموذجية هي أبو محمد شاب فلسطيني متطوع فقد يده في عملية وظل يشتغل باليسرى لدرجة أن قال: لقد أدركت أن وجود اليدين لا معنى له وإن إحداهما قد تعوض الأخرى”، وأضاف أن ما ذكره بالواقع الذي قد يتفوق على الخيال هو يوم التقى بعد عقود كثيرة بجندي من المغاربة الذين شاركوا في الجولان، حيث كان قائد دبابة فأصيب وأغمي عليه ليفيق في المستشفى وهو محاط بالأطباء الذين اجروا جميع الفحوصات والتي بيّنت أنه سليم معافى، لكنه مع ذلك ظل لا يتكلم لأيام عديدة حتى حاروا في حالته النادرة، إلى ان جاء الضابط المغربي الذي كان رئيسه فناداه ليرد على الفور حاضر سيدي وتكلم. ليفهم الجميع أنه تظاهر بشجاعة بأنه مصمت لا يتحدث بعد أن ظن أن من يحاصره يريدون انتزاع معلومات منه.

أما موليم العروسي أستاذ الجماليات فقد تناول حضور فلسطين في الفنون التشكيلية، معتبرا أن العلاقة بين الأمرين كانت معقدة جدا. وانطلق من أن الأسئلة الأساسية التي طرحت حول مسألة الهوية والمعاصرة طرحت أولا في الفنون التشكيلية، واجتمع حولها فنانون كانوا يشتغلون على إعادة الاعتبار للهوية المغربية البصرية، وهذه المجموعة ارتبطت أيضا بمجموعة أخرى كانت تشتغل في الأدب وهي مجموعة أنفاس وكانت هناك محاولة لإعادة بناء الثقافة الوطنية. وأضاف أن المشكلة المعقدة التي ستطرح سيكون سببها القضية الفلسطينيةإذ في صيف 69 خصصت المجلة-وهي في سنتها الرابعة- عددا خاصا لفلسطين هو العدد 15، وفيه شارك عدد من السياسيين والمفكرين لم يكن لهم ارتباط بالمجلة منهم السرفاتي وعمر بن جلون والعروي، كما ساهم فيه فنانون بملصقات عن فلسطين منهم الطاهر بن جلون ومحمد الحميدي وعبد الحريري ومحمد المليحي والنوري،وظهر العدد

بنكهة سياسية واضحة ذات توجه يساري يكاد يلامس التطرف، لدرجة أن فناني المجلة الذين كان لهم عمل مؤسساتي تبرأوا من التوجه الجديد للمجلة بعد أن ظهر أنها تحاول تكوين وعي كان يبدو للسلطة معارضا بحساسية متطرفة، وهو ما كانت نتيجته توقف المجلة وسجن أحد الفنانين هو  محمد شبعة لمدة قصيرة.

واعتبر العروسي أن الفن الآن دخل في مرحلة الصمت المطلق أو ما يسمى عادة بالفن التجريدي، الذي له امتدادات في السينما والأدب والنقد حيث الابتعاد عن تسمية الأشياء والاكتفاء بالتلميح عوض التصريح، وهو –يضيف العروسي- توجه عالمي منذ صراع الشرق والغرب صرفت فيه أموال كثيرة من بعض المراكز الأمريكية لمحاولة تشجيع هذا النوع من الفن الذي يبتعد كثيرا عن الاهتمام بالنقد الاجتماعي والسؤال المجتمعي أو السياسي.

أما على مستوى المخيال الإبداعي فيرى العروسي أنه لم يكن هناك شيء يذكر، حيث العلاقة بين الفنانين والقضية كانت من خلال المواقف فقط، إذ تجد مثلا معرضا من أجل فلسطين ليس فيه لوحة واحدة عن فلسطين، أي أن الفنان كفرد يدافع عن فلسطين لكن لوحته لا تقول أي شيء.

ولم يعد الفن للاهتمام بالمجتمع والسياسة إلا مع بداية التسعينيات، لعدة أسباب منها الانفتاح السياسي المستوى السياسي الذي توج بملك جديد ونوع جديد من التفكير والعلاقة مع المواطن، لكن مع ذلك غالبا لا نعثر على شيء يتعلق بالفن التشكيليوظل من الصعوبة الحديث عن إدماج فلسطين في نوع من الإشكالية الابداعية التشكيلية. ليخلص في النهاية إلى أنه لا يمكن أن نعتبر بعض النتف الصغيرة من الملصقات الصغيرة أشياء مؤثرة في المخيال، ما يعني أن اللوحات التشكيلية التي تهتم بفلسطين تراجعت منذ نهاية الستينيات للأسباب سالفة الذكر.

وفي مداخلته تناول الأستاذ الجامعي حسن مخافي حضور فلسطين في الشعر المغربي، معتبرا أن هذه الندوة تندرج ضمن هدف أساس هو مقاومة التطبيع الثقافي الذي يعد من أخطر أنواع التطبيع إذ يمس الهوية جملة وتفصيلا ويمس الكيان التاريخي والهوياتي للمجتمعات المغربية.

 وذهب إلى الحديث عن القضية الفلسطينية في الشعر المغربي، معناه أننا نؤرخ للشعر المغربي بشكل أو بآخر لسبب بسيط هو أن القضية رافقت الشعر المغربي منذ بدايته.

وقسم مخافي المخيال الشعري في علاقته بفلسطين إلى ثلاثة مراحل.  الأولى سماها المرحلة الموضوعاتية حيث كانت القضية تشكل موضوعا من مواضيع الشعروهي مرحلة عاطفية لم يكن فيها وعي حاد بالقضية يسمح بالإحاطة بها وتصورها مخياليا بطريقة أدبية. ذلك أن الشعراء المغاربة تابعوا القضية منذ وعد بلفور وكتبوا قصائد في هجاء بلفور والتنبؤ بضياع القضية الفلسطيني، منها قصيدة عبد الله كنون، ومطلعها:

“أبناء فلسطين لقد خضتم لج المنيات عيانا

 واقتحمتم جاحم الموت لم تأتنوا فيه ضرابا وطعانا”

وهناك شعراء آخرون مثل محمد العربي الآسفي ومحمد بن ابراهيم وغيرهم.

 أما المرحلة الثانية فأصبحت فيها القضية تشكل قضية شعرية بالذات وهي مرحلة تتسم بأنها مرحلة وجودية على المستوى الشعري والوجودي الفلسطيني، حيث إن الزخم الثوري الذي كان لدى الشعراء ورد الفعل عما تتعرض له فلسطين أدى الى الانحياز إلى شكل حداثي للقضية، كما صارت القضية عاملا من عوامل التجديد في الشعر المغربي. وحسب مخافي فهذا ما يلاحظ في قصائد

الستينيات والسبعينيات إذ يندر أن نجد من شعراء هذه  المرحلة من لا يتناول القضية الفلسطينية. ونوه بقصيدة القدس لاحمد المجاطي التي يعزها المغاربة ويرتبونها ضمن النماذج الاكثر نضجا في التعاطي شعريا مع القضية الفلسطينية.

وشكلت المرحلة الثالثة المرحلة الرؤيوية أو مرحلة التجربة عندما أصبحت القضية تجربة شعرية يعيشها الشاعر بجوارحه ووجوده، كما سخر لتشخيصها مجموعة آليات تساعد في اكتناه القضية باعتبارها تجربة، من بين ذلك الأسطورة واستدعاء شخصيات التاريخ. واعتبر أن التجربة التي تلخص هذه المرحلة هو ديوان وفاء العمراني”تمطر غيابا”.

واعتبر مخافي أن لكل مرحلة من المراحل الثلاث نمطا من الكتابة مغايرا، فالأولى تبنت القصيدة العمودية والثانية تبنىت القصيدة الموزونة والتفعلية والثالثةتبنت قصيدة النثر ، ما يؤكد أن هناك تفاعلا بين الشعر المغربي والقضية الفلسطيني، إذ لم تكن فلسطين فقط موضوعا للشعر ولا قضية من قضاياه وإنما عاملا مؤثرا في تجديد الخطاب الشعري المغربي.

من جهته تحدث الناقد السينمائي حمادي كيروم عن السينما والقضية الفلسطينية، منطلقا من أن العلاقة بفلسطين أشبه بعلاقة شبيهة بالجرح نتردد الآن كيف نحاول أن نبرأ منها لنعالجها بشكل مختلف.وقال إن بداية التعرف على القضية الفلسطيني فنيا كانت داخل الأندية السينمائية من خلال مجلة نورد الدين الصايل اسمها سينما 3 أي سينما العالم الثالث، وقد كانت تستقي من حركات التحرر في العالم وعيها ورؤيتها للكون، وكانت تبرمج أفلاما عن القضية الفلسطينيةأنتجتها ألمانيا وأمريكا الشمالية والعراقيون والسوريون وغيرهم، منها أفلام:لا للحل السلمي وبالروح بالدم نفديك يا فلسطين.

وأشار كيروم أن هذا الوعي سيصبح وعيا للوعي وسيصبح تل الزعتر هو أي كاريان موجود في المغرب.كما ذكّر بأن هناك علاقة

ربطت بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الجامعة الوطنية للأندية السينمائية وبرمج فيها الاسبوع الوطني للقضية إلى أن تم منع الأسبوع سنة 82، حيث توعد الحسن الثاني كل من سيتحدث عن القضية الفلسطينية.

كما توقف المتدخل عند مستوى الإنتاج السينمائي المتعلق بفلسطين، معتبرا أن “الصورة الغائبة” هي ما تلخص الوضعية التي تعيشها السينما المغربية تجاه القضية الفلسطينية. وقال: “اهتممت بهذا الموضوع ولم أجد إلا صورا قليلا كمحمد الركاب في الثمانينات حيث نجد البطل سكران مع صاحبه وفي الخلفية هناك صور مذبحة صبرا وشتيلا تمر عبر التلفزيون، كما نجد بعض الكلمات التي تتكلم عن القضية في جنة الفقراء لإيمان المصباحي وهي آتية من خلال جيل جيلالة، ليبقى العمل الوحيد الذي عبر عن القضية بالصورة هو عمل لم يتم وهو مذكرات منفى لمحمد الركاب”.

لكن حسب كيروم فإن هذا الجرح المزدوج الذي جعلنا نفقد جزءا من شعبنا الذي هو اليهود، وفي نفس الوقت هذا الجزء هو من ذهب ليشكل جزءا من أرضنا فلسطين؛ حاول أن يتناوله محمد إسماعيلي في “وداع الامهات”أو  فيلم حسن بنجلون”فين ماشي يا موشي”، مشيرا إلى أعمال أخرى وإن من تصور آخر قام بها كل من نبيل عيوش في فيلمه “ماي لاند”، وكمال هشكار في فيلمه عن صدى الملاح.

محمد الإدربسي

Related posts

Top