لم يجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي متعاطف معه بعد قرار تعليق واشنطن دعمها لمنظمة الصحة العالمية، حتى داخل إدارته، إلا أن الأبصار ما زالت شاخصة إلى الرجل الهادئ الذي يجلس على كرسي رئاسة منظمة الصحة العالمية وهو يقدم للعالم الأخبار الصحيحة عن كورونا.
ولم يفقد مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رباطة جأشه وهو يتحدث يوميا عن الخسائر البشرية والأضرار التي أصابت العالم برمته جراء تفشي فايروس كورونا، مثلما لا يعد الناس بآمال كاذبة، ولا يتحدث بلغة السياسيين المراوغة، لذلك يترقب منه سكان العالم برمته الأخبار الدقيقة. بينما اتخذ ترامب قراره بتعليق الدعم للمنظمة الدولية بالرغم من وُجود معارضة داخل إدارته، خاصة من كبار المستشارين في المجال الطبي.
ولخص أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الموقف الدولي من القرار الأميركي بقوله إن هذا ليس الوقت الملائم لخفض الموارد المخصصة لمنظمة الصحة العالمية.
وقال في بيان “هذا وقت الوحدة وعلى المجتمع الدولي العمل سويا في تضامن لوقف الفايروس وتبعاته المدمرة”.
وتمثل شهادة الأكاديمية في جامعة لندن لورا هاموند تعريفا مثاليا لمدير عام منظمة الصحة العالمية بقولها “أعرف الدكتور تيدروس منذ 27 عامًا. إنّه رجل مبادئ. إدارته الهادئة والحازمة والجريئة في آن لمنظمة الصحة خلال هذا الوباء المروع هي تحديدًا ما يحتاجه العالم”.
ويعدّ تيدروس (55 عاما) الحاصل على شهادة الماجستير في علوم المناعة من الأمراض المعدية وشهادة الدكتوراه في الفلسفة في مجال صحة المجتمع، وفقًا للمنظمة، أول مدير عام منتخب. قبل ذلك، كان المجلس التنفيذي لهذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة يقترح ترشيحًا واحدًا ويعرضه على التصويت.
وتختلف شخصية الإثيوبي تيدروس المتميزة بدفئها، والذي يلقّبه عدد كبير من المسؤولين بـ”الأخ” في مقابل “الأخت”، عن الشخصية الباردة للصينية – الكندية مارغريت تشان التي تولت قبله إدارة منظمة الصحة العالمية.
وبشيء من التأثر روى تيدروس، الذي سبق أن تولى في إثيوبيا منصبي وزير الصحة ووزير الخارجية، خلال تقديمِه ترشيحَه لمنصبه الحالي، أنّه فقد أخًا أثناء طفولته بسبب عدم تلقيه الأدوية المناسبة.
وخلال الأسبوع الماضي، تخلى قليلاً عن ابتسامته المعتادة في سياق ردّه على أولى هجمات دونالد ترامب، ورفض أي “تسييس” للأزمة.
وندد بالشتائم العنصرية الموجهة إليه، وعبّر عن الفخر بكونه أسود البشرة. وفي أعقاب ذلك أكد أنّه تلقى تهديدات بالقتل، مصدر بعضها تايوان، الجزيرة المستبعدة من أبرز المؤسسات الدولية بضغط من الصين التي تعتبرها جزءًا من أراضيها.
وقالت أكاديمية، عملت إلى جانب تيدروس لسنوات طويلة على مشاريع صحية مختلفة، لوكالة الصحافة الفرنسية “ينتقدونه على الكثير من الأمور التي تعدّ خارج نطاق إدارته. إنّه عدم فهم لآليات عمل منظمة الصحة العالمية”.
ويحتدم النقاش على وسائط التواصل الاجتماعي، بين مؤيديه ومعارضيه. ودخل تيدروس بنفسه المعركة بإعادة نشره تغريدات داعمة له نشرها مسؤولون سياسيون، قسم كبير منهم أفارقة، وباحثون أو أشخاص غير معروفين.
وقالت سوري مون، المديرة المشاركة لمركز الصحة العامة في معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف، “أثبت الدكتور تيدروس أنّه قائد قوي وكفُؤ وأنّه دبلوماسي متمرس”.
وصل تيدروس إلى رأس منظمة الصحة في عام 2017، وهي واحدة من أهم وكالات الأمم المتحدة، بعد انتقادات تعرضت لها بسبب بطء في إدراكها لمدى خطورة وباء إيبولا في غرب أفريقيا بين نهاية 2013 و2016، والذي أودى بحياة 11300 شخص.
وأشار في حينه إلى أنّه سيواصل الإصلاحات التي بدأتها المنظمة، وتعهد بـ”الحرص على أن تكون هناك استجابات قوية في حالات الطوارئ”.
وبحنكته الدبلوماسية، نجح تيدروس أدهانوم غيبريسوس في تفادي جدل أثير في اللحظة الأخيرة قبل انتخابه على رأس المنظمة في 2017، وذلك حين اتهمه مستشار لمنافسه البريطاني ديفيد نابارو بأنّه تستر على ثلاث حالات لتفشي الكوليرا حين كان وزيرًا للصحة.
وبحسب الحكومة الإثيوبية، لا تمثل هذه الأوبئة الفتاكة التي يجري الحديث عنها (2006، 2009، 2011) حالات لتفشي الكوليرا، وإنّما كانت تعكس أحد أعراض المرض، في إشارة إلى الإسهال المائي الحاد.
وخلال ولاية تيدروس، سُجّل تحسن كبير على صعيد المرافق الصحية في إثيوبيا، البلد الفقير في القرن الأفريقي، وأنشئت فيه آلاف المستوصفات مع تركيز على أهمية المكان الجغرافي لتلك المرافق.