في لقاء ذي حمولة حقوقية وسياسية وثقافية، قدمت كل من جمعية سلا المستقبل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، زوال السبت الماضي، بالمركز الثقافي سعيد حجي بسلا، محصلة تعاونهما المشترك في مجال الذاكرة من خلال كتاب يهم الذاكرة الجماعية لسلا، ومن خلال شخوص وقامات بصمت المدينة سياسيا، وثقافيا.
وأجمعت كل المداخلات التي شهدها اللقاء الذي عرف حضور مختلف الأطياف السياسية بالمدينة بالإضافة إلى عمدة سلا الذي عبر على تاريخية اللحظة وفرادتها لكونها تقدم مشروعا يهم الذاكرة وحفظ الأرشيف التاريخي من خلال شهادات وتجارب متقاطعة لشخصيات سلاوية.
وقد اختارت جمعية سلا المستقبل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان تنظيم هذا اللقاء تخليدا للذكرى العشرون لتقديم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتأسيس الجمعية في ذات الوقت، الكشف عن المنجز المشترك والذي هو عبارة عن كتاب ينبش في الذاكرة ويميط اللثام عن فترات تاريخية للمدينة وشخوصها وأماكنها بغاية ترك أثر شاهد للأجيال القادمة على الحقبة التي كان فيها النضال من أجل الوطن والكرامة يعلو على كل الآمال وعقيدة كل من سكنته السياسة.
وقال الحبيب بنمالك رئيس جمعية سلا المستقبل في كلمة ألقاها بالمناسبة إن جمعية سلا المستقبل اشتغلت على ورش حفظ الذاكرة منذ انطلاقها كجمعية قبل نحو عشرين سنة، معبرا عن امتنانه للدعم والتشجيع الذي تلقته الجمعية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومن جميع رؤسائه السابقين ورئيسته الحالية آمنة بوعياش، وأطر المجلس، لإخراج هذا العمل لحيز الوجود.
وأكد الحبيب الذي قدم اعتذارا باسم مولاي اسماعيل العلوي الرئيس الشرفي لجمعية سلا المستقبل، الذي تعذر حضوره لأسباب صحية، أن جمعية سلا المستقبل كانت بدايتها نابعة عن إرادة مشتركة جسدتها فعاليات وشخصيات من أبناء المدينة، وكان هاجسها الأول تشكيل قوة اقتراحية مبنية على تشخيص موضوعي للأزمة الشاملة المتواترة التي تعيشها سلا، والمساهمة قدر الإمكان في تقديم وجهة نظر متكاملة حول مستقبل مدينة ضاربة بجذورها في التاريخ.
وأوضحت الجمعية في تقديم تضمنه هذا الكتاب الخاص بورش الذاكرة السياسية، أنه محصلة عمل مشترك بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجمعية سلا المستقبل، يقدم مسارات شخصيات من أطياف ديمقراطية مختلفة، بصمت تاريخ سلا والوطن باقتدار ورحلت أو استشهدت لتستحق خلودها في ذاكرة سلا الحية ومداد فخر وتدوين صفحات هذا الكتاب.
وفي كلمة ألقاها باسم رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أفرد امبارك بودرقة عضو هيئة الإنصاف والمصالحة، وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا، جزءا كبيرا من كلمته ليبرز أهمية الأرشيف والعمل التوثيقي للذاكرة الجماعية ، واستعرض في هذا الصدد مقاطع من مسارات عمل هيئة الإنصاف والمصالحة،التي حظيت بدعم كامل من الملك محمد السادس حيث كانت كلما واجهت الهئة بلوكاج تعود له وتم ذلك في عدة مرات حيث فتح لها جلالة الملك الطريق وكان يشجعها على إتمام العمل”.
وأوضح بودرقة في التوصيف الذي تضمنته كلمته خلال اللقاء” أن العدالة الانتقالية في المغرب شكلت تجربة فريدة من نوعها، قائلا” انفراد التجربة المغربية عن جميع تجارب العدالة الانتقالية في العالم يأتي لكون هذه الأخيرة جاءت بعد انهيار نظام ديكتاتوري أو عسكري أو أرستقراطي أو عنصري وقيام نظام الجديد، فيما التجربة المغربية تمت في ظل نفس النظام وتم ذلك نتيجة بعض الأسس ممثلة في الإرادة السياسية والتي تمثلت في إرادة الملك محمد السادس الذي دعمنا بشكل قوي وكنا كلما واجهنا بلوكاج كنا نعود إليه وتم ذلك في عدة مرات حيث كان يفتح لنا الطريق ويشجعنا على إتمام العمل”
وحرص بودرقة في إطار هذا التفرد على التذكير بتركيبة هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي ضمت 17 عضوا كان من بينهم 8 أعضاء هم من ضحايا الاختطاف القسري التعسفي والاعتقال والتعذيب وتوزعت الأحكام الصادرة في حقهم بين السجن والإعدام ، منبها في هذا الصدد أن رئيس الهيئة ادريس بنزكري كان محكوما عليه بثلاثين سنة سجنا قضى منها 17 سنة في الاعتقال.
هذا وكشف بودرقة ، عن خلل خطير كان يطال موضوع الأرشيف في المغرب، وذلك حين ذكره في كلمته في هذا اللقاء لأول معاناة واجهتها هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي تمثلت في عدم وجود أرشيف، مصرحا أن المغرب لم يكن يتوفر على أرشيف منذ سنة 1944، وأنه لم يكتشف هذا الأمر إلا في ظل حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي وقفت على المسألة ، كاشفا أنه “لما تم إخبار الملك الراحل الحسن الثاني فوجئ بالأمر و عبر عن استغرابه لعدم ملاحظة الحكومات السابقة قط لهذا الموضوع ، معلنا أن هذا كان وراء إصدار هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن توصياها توصية بتأسيس أرشيف المغرب
وكشف بودرقة عن المصير الذي كان يلقاه الأرشيف في السباق، حيث بناء على دراسة تم القيام بها تم الوقوف على حقيقة مفادها أن الأرشيف كان يستعمل من لدن ما يعرف ” بالفورناتشي” في تسخين مياه الحمامات العمومية ، كما كان يستعمل لشحن المدافع التي تطلق في شهر رمضان عند توقيت الإفطار”.
ويعتبر الكتاب الذي أصدرته جمعية سلا المستقبل عملا جماعيا قامت به لجنة من الجمعية مكونة من كل من سعيدة مزوان وعمر الزايدي ومحمد بلحسن وسعيد الرهوني تحت إشراف الرئيس التنفيذي للجمعية لحبيب بنمالك. وسعى هذا الكتاب إلى الحفر في ذاكرة سلا الثقافية، انطلاقا من إيمانها الراسخ ” أن من لا ذاكرة له لا مستقبل له”.
وأوضحت الجمعية في تقديمها للإطار المنهجي والقيمي، أن هذا الكتاب يتموقع كمسعى واجتهاد منهجي معرفي لمقاربة تيمة الذاكرة في تشعباتها الدلالية: الذاكرة التاريخية/الذاكرة الجمعية/الذاكرة الجماعية/ الذاكرة الثقافية/ الذاكرة الحضارية/ أماكن الذاكرة… وتبيئتها من جهة ثانية في تربة احتياجات النهوض بالذاكرة الثقافية السلاوية الغزيرة العمق والتفاعلات داخليا وخارجيا، معمارا وعمرانا وأنماط وفنون عيش وتقاليد وعادات و كل ما يشكل هوية للمشترك من قيم ومعتقدات و طبائع و طقوس وأنشطة طبعت الشخصية السلاوية، وأكسبتها فرادتها وكبرياءها في تاريخيتها المنغرسة جذورها بدون انقطاع لآلاف السنين.
فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى