حادث العيون أبعد من فيلم…

ما وقع بالدورة السادسة لمهرجان الفيلم الوثائقي بالعيون، وتسبب في توقيفه وإلغاء حفل اختتامه وسحب كل لافتاته وملصقاته من المدينة، يكشف شيئين فاضحين يبعثان على الأسف:
الشيء الأول هو أنه حين نتمنى على فنانينا ومبدعينا الإنكباب على موضوع: (القضية الوطنية) في إنتاجاتهم، واستثمار ما يمكن أن توفره التيمة من امتدادات فنية وأدبية وإبداعية، فإن البعض يركب التفاهة والسطحية والتدني، ويجعلنا نتمنى لو لم يفكر أصلا في الاقتراب من الموضوع.
في مثل مواضيع فيلم: (زوايا الصحراء زوايا الوطن)، يبقى أساسيًا وشرط وجود التسلح بالخلفية السياسية والتاريخية والثقافية والسوسيولوجية ذات الصلة، واستحضار كل السياقات، وفتح العيون وإعلاء مستويات النباهة وحسن التقدير.
جملة واحدة ضمن العمل الفني يمكن أن تدك البنيان، وأن تجرح شعبا بكامله، ومن لا يدرك حدة الحساسية يجب أن يعود للجلوس أرضا قصد التعلم في كل شيء.
قوة الارتداد قد تصيب السياسة والديبلوماسية والمجتمع وكل التمثلات والعلاقات، ولهذا تجعلنا ردود الفعل التي سجلت في العيون نتساءل: هل كنا جميعا نستحق تحمل تبعات هذا الخطأ البدائي؟ وفي هذه اللحظة بالذات؟
ليس المقام للتشنيع أو لف الحبل على أعناق مخرجة الفيلم وكاتب السيناريو وسواهما من المساهمين في صنع العمل الفني، ولكن الخطأ ينبع من سوء التقدير، ومن الجهل وقلة المعرفة، ومن التعامل بتبسيطية صبيانية مع موضوع بهذا الحجم.
قضيتنا الوطنية تستحق أعمالًا فنية وأدبية كبيرة، وإنتاجات سينمائية وتلفزيونية ضخمة ومحبوكة الصنعة والإبهار والمحتوى، وليس تجريب الأنانيات بلا معرفة أو بحث أو نظر سياسي وطني واضح ومؤسس.
أما الشيء الثاني، الذي فضحته واقعة مهرجان العيون، فهو مسارعة الكل لإبراء ذمته، والتحلل من كل المسؤوليات، وهذا غريب فعلا، ويضعنا أمام انعدام المسؤولية وغياب الجدية وقوة الشخصية لدى بعض المبدعين أنفسهم، وأساسا لدى بعض مسؤولي المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالفنون والثقافة.
حتى كاتب السيناريو بدأ يبحث عن التخريجات لتعليق التهمة على رقاب آخرين، وذلك تماما كما فعل المركز السينمائي المغربي.
أسئلة بقيت تتناسل، وتوجه صفعاتها لتدبير المركز السينمائي.
ماذا تفعل مصالح المركز التي تتولى، حصريا، التأشير على الأفلام لعرضها أمام الجمهور؟ ووفق أي شروط أو معايير تمنح هذه التأشيرة؟
كيف تجري قراءة مشاريع الأفلام قبل منحها الدعم العمومي؟ وكيف يتم تعيين أعضاء لجان الدعم ومن يتولون قراءة المشاريع المعروضة والحكم عليها؟ وهل تكون متابعة منتظمة لأداء أعضاء هذه اللجان؟ وهل ينكبون على مهمتهم فعلا أم هم أيضا يعانقون، في الغالب، الخفة والتهاون؟
كل هذه الأسئلة، وغيرها، تفرض اعتبار المسؤولية مشتركة، ومن الضروري تحويل حادث العيون إلى مناسبة للبحث والتمعن والتحقيق في كامل المنظومة ذات الصلة.
مطروح أمامنا اليوم التغيير الحقيقي في تدبير المركز السينمائي المغربي، ومطروح كذلك التفكير في منظومة الدعم العمومي، وفي القوانين والمساطر والعلاقات والمهرجانات والإنتاج، وأيضا في العناية بالثقافة والإنتاج الفني الحسانيين…
وبشكل عام، ومستعجل كذلك، مطروحة أمامنا اليوم الحاجة الملحة أن يمتلك المسؤولون القائمون عن شأننا الثقافي والفني الشخصية والكاريزما اللازمتين والقويتين، والقدرة على اتخاذ القرارات الضرورية وتنفيذها وتحمل مسؤوليتها، بالإضافة طبعا إلى المعرفة والإدراك والمصداقية، ومهارة تجميع المهنيين ومنظماتهم التمثيلية وإشراكهم والتفاعل الإيجابي معهم والإنصات لهم.
أما أن نجد أمامنا «مسؤولون» عند كل أزمة، صغيرة أو كبيرة، يلوذون بالصمت أو يرمون بالمسؤولية على سواهم أو يهربون، فهؤلاء أصغر كثيرا من أن يتحملوا مسؤولية عمومية بمغرب اليوم.
قضيتنا الوطنية ستبقى مقدسة عند كامل شعبنا، ووحدة بلادنا راسخة، وإجماع شعبنا حول وحدته الترابية معزز بالتفاف كل قبائله وفئاته من كامل الصحراء المــــــغربية، ومن كل جهات المملكة.
لنغلق إذن قوس الحادث الذي وقع في العيون، ولنفتح الملفات الأساسية التي فضحها الحادث.
إلى العمل…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top