حان وقت إعمال السلم المتحرك للأجور

في خرجة إعلامية لرئيس الحكومة السابق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، بدت للعديد من المتتبعين، غريبة، قال إنه “يرفض الزيادة في أجور الموظفين في الوقت الحالي” وأنه لو كان رئيسا للحكومة ما أضاف ريالا واحد للموظفين، وحاول تبرير هذا المنطق بمحاولة تشبيه الدولة بالأسرة، وكيف أن “الآباء عندما كانوا يخافون من الأزمة كانوا تيخبيو الفلوس وينقصو النفقات وكيزيرو الدراري”.
هذا المنطق الذي استند عليه بنكيران، هو نفسه الذي تستند عليه حكومة “الكفاءات” التي تفضل التضحية بالمصالح المباشرة للطبقة الفقيرة والمتوسطة، على مذبح “محاربة التضخم” متذرعة بكون ارتفاع الأسعار هو نتيجة زيادة أسعار المواد الأساسية على المستوى الدولي.
الواقع الذي يتم التغاضي عنه، من طرف هذه الحكومة، هو أن تكاليف الحياة، في هذه الفترة تحديدا، ارتفعت بشكل ملفت وغير مسبوق، حيث ارتفع سعر المحروقات إلى 15 درهما، وارتفعت المواد الغذائية بنسبة تتراوح ما بين 30 و 50 في المائة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وأن هذا الوضع الذي بات يخنق عموم المواطنات والمواطنين خاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، يتطلب جرأة زائدة من الحكومة في التعاطي مع إشكالات ومسببات هذه الأزمة المرتبطة في جزء منها بما يحدث في الخارج، وفي مقدمة ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، ومخلفات جائحة كورنا وتأثيرها على اقتصاديات العالم وخاصة الارتباك الذي وقع في سلاسل الإمداد، والمرتبطة في جزء آخر بما يحدث في الداخل، فبالإضافة إلى التأخر الذي حصل في الموسم الفلاحي جراء تأخر التساقطات، وهناك أمور أخرى مرتبطة بطبيعة الاقتصاد المغربي المبني في جزء منه على الريع وعلى الاحتكار والمضاربة التي يسعى من ورائها المضاربون لمراكمة الأرباح بشكل غير قانوني.
هذا الواقع أفرز وضعا كارثيا ومترديا للفئات الفقيرة والمتوسطة، وهو الوضع الذي بدأ يتخذ طابعا أكثر حدة في الآونة الأخيرة، في المقابل هناك من استغل هذا الظرف ليضاعف من ثرواته، لأنه بكل بساطة، ينتمي إلى تلك الفئة التي تغتني في ظل الأزمات وتراكم الثروات على حساب مآسي الشعب ومعاناته، سواء عن طريق الاحتكارات الكبيرة، مثل ما هو قائم في سوق المحروقات التي ترفض الحكومة لحد الآن، تسقيف أسعارها، بفعل الضغط القوي لهذا اللوبي المتحكم في حكومة عزيز أخنوش. هذا اللوبي الذي يملك في الواقع، ألف وسيلة لتمويه حساباته والتلاعب بالأرباح، بتواطؤ مع الجهاز التنفيذي.
إن المنطق، يحتم في هذا الظرف بالذات، عدم تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، من أبناء الشعب المغربي عبء هذه الأزمة التي كشفت عورة هذه الحكومة التي قيل إنها “حكومة كفاءات” والتي أبانت عن فشلها وعجزها في التعامل مع أول اختبار حقيقي لها، لأن البلاد تكون في حاجة إلى الكفاءات في زمن الأزمات والأوقات العصيبة، من أجل إيجاد الحلول والمخارج، ومن أجل حماية المواطنين من الصدمات الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية.
إن مطلب الزيادة في الأجور، في الوقت الحالي، ليس مطلبا عبثيا، بحيث إنه لا يعني سوى اللحاق بتأخر الأجور نسبة إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف الحياة، أي هو فقط، نضال من أجل استعادة القدرة الشرائية للأجور وليس لزيادتها.
أما المطلب الأساسي، والأكثر ملحاحية اليوم، ومن أجل التغلب على هذا الوضع، هو إعمال السلم المتحرك للأجور، أي أن تكون هناك زيادات تلقائية في الأجور كلما ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية، وذلك بهدف دعم القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة من عمال وفلاحين صغار، وأيضا دعم الطبقات المتوسطة باعتبارها محركا رئيسيا للتنمية، وباعتبار الدور الذي تلعبه في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وفي السياق ذاته، فإن إعمال السلم المتحرك للأجور من شأنه، وفق العديد من الخبراء في الاقتصاد، أن يشكل العلاج الأنسب للتضخم وارتفاع الأسعار، وأن يحمي القدرة الشرائية للأجور الفعلية، عكس ما تروج له هذه الحكومة، بأنه لا يمكن الزيادة في الأجر أو إعمال السلم المتحرك تحت مبرر الحفاظ على نسبة التضخم في مستويات مقبولة، أو معتدلة.

< محمد حجيوي

Related posts

Top