حديث ضروري في المواطنة والقطب الديمقراطي..

في المُبتذل وضرورة إلغائه

هذا الرأي الذي نبديه، ليس رداً على بعض الدعوات اليسراوية المبتذلة ذات النّفس السبعيني الذي تعب منه الزمن المغربي، بمناسبة (= النموذج التنموي) أو بدون مناسبة، غير تلك التي يفترضها الواقع لمواكبته وإيجاد حلول للتموضع به، بعد أن أصاب هذه الأطاريح الوهن والفشل والبوار.
مردّ قولي هذا هو التالي:

1/ إن الديمقراطية (المنشودة بالمغرب) ليست هدفا للمجتمعات، بل هي ضرورة اليوم بالمغرب لبلورة وإنضاج مشروع سياسي جديد، ولبلورة قوى سياسية جديدة. نحن بحاجة إلى أن ننتزع أكثر ما يمكن من الحريات حتى نعيد بناء القوى السياسية بما يسمح بخلق نظام جديد وعلاقة جديدة بين الأفراد وعلاقة جديدة بين القوى. نعتقد أن الصراع الراهن هو صراع بين فئات اجتماعية حاكمة منذ عقود، فقدت مشروعيتها بسبب إخفاق السياسات والخيارات السياسية التي قامت بها وعليها، ولكنها تحتفظ بالحكم (وهذا حال العالم العربي والإسلامي). هذا طبعا، ليس بمشروع سياسي للمجتمع.

2/ الأنظمة العربية كلها مستعدة للاستمرار في الحكم (نموذج سوريا واضح في هذا المجال) إلى أن تجرّ الشعوب كلها إلى حرب أهلية، وهذا هو الواقع. وبالمقابل هناك حركات احتجاجية ومعارضة تعتقد (في غياب حاضنة اجتماعية) أن الهدف الرئيس هو تهديم هذه النظم بصرف النظر عن النتائج (= ما أشرنا إليه في البداية بالمغرب). الأساسي في اعتقادي المتواضع، وبجانب الدعوة إلى إزالة هذه النظم القهرية والقاهرة والمحتكرة للثروة وللسلطة وللكلام، هو: كيف يمكن أن نخلق قطبا ديمقراطيا وأن ندعم هذا القطب الذي هو أمل المستقبل؟
لابد في إطار الموقع النقدي من الاعتراف بجميع الأطياف بصرف النظر عن أخطائها، الاعتراف للجميع بالمواطنة أي بحقوق متساوية. لا يمكن إطلاقا رفض أحد من الجماعة الوطنية وهذا عكس ما هو قائم، إذا لم نتفق على أننا نستطيع أن نصل إلى نتيجة، إذا اعترفنا لخصمنا بحق أساسي واحد وهو أننا جميعا مواطنون متساوون ولنا الحقوق نفسها. يمكن أن يكون جوهر الفساد القائم بالنظم العربية ومنها المغرب هو أننا فقدنا جوهر المواطنة بهذا المعنى، ليس هناك أسهل لدى طرف أو آخر من أن يستبعد من الجماعة الوطنية طرفا يعتقد أنه لا يتفق مع أفكاره…. إن جوهر بناء قطب ديمقراطي اليوم هو العمل من أجل توسيع هامش الديمقراطية وفرض فكرة المواطنة كقيمة أساسية لأي مبادرة سياسية. هذا هو الكلام الذي يجب على المومياءات اليسراوية في هذا الوضع الصعب تمثله، لا أحلام اليقظة العصية على الشفاء، البارحة كما اليوم.

في البارحة “اليسراوية” واليوم “الكهنوتية”؟

إن ما عشناه في العشرين أو الثلاثين سنة الأخيرة هو تفجير ما سميناه نموذج التحديث العربي والإسلامي؟؟. هو بدون مضاضة، من نتائج الانسداد الاجتماعي… المأزق الذي وصلته حداثة رثّة ليست دينامية حية للتجديد والتغيير وإعطاء وتوليد الحريات وتوليد الثروات… كانت حاملة للقيم الرئيسية: مركزية الإنسان ومواطنته الكاملة، حريات الفرد، تحسين الشروط المادية للمجتمع. ولكنها وصلت إلى المأزق الأكبر: الناس (لا أقول الجماهير الهلامية؟) وصلوا إلى تبعية أكبر، إلى تفقير أشد، تهميش أكبر… إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة والحداثة وإلغاء حرياتهم.. والخ. الغريب هو أن الحداثة تحولت إلى قهر الإنسان وتغييب دوره بل وتدميره. هنا بهذا الصدد طرحنا مفهوم المواطنة والديمقراطية في تجادليهما. هنا يكمن النقاش الحقيقي؟ وليس في مقولات عفا عنها الزمن التاريخي المغربي. رد الفعل المجتمعي المبتغى راهنيا، هو الدفاع عن المواطنة بكامل استحقاقاتها، لأنه بالذات (=هو) لا يعبر عن استمرار روحه في الاستمرار فى ربط السياسة بالدين، بقدر ما يعبر (ونحن في أوج أزمة الدفاع عن مصالح الوطن) عن رفض السياسات الكهنوتية التي أدت إلى المأزق الراهن على جميع مستوياته الأخرى: مأزق البطالة، مأزق الحرية، مأزق الثقافة، مأزق القيم والهوية.. الخ.

هامش بسيط

كرهان أخلاقي، من يسمع للحداثيين والعلمانيين على قلتهم وبؤسهم، وهم يتحدثون عن العقلانية والكرامة… فإنهم، باعتقادي، يستخدمون ما تقدمه العلمانية من مشروعية لبعض قيم الحداثة من أجل تبرير الأوضاع الراهنة وتكريسها بل والحفاظ على السلطات السائدة لتجنب الديمقراطية.. ويتم ذلك بدعاوي غير مقبولة منها سيطرة الإسلاميين على السلطة؟ وهم، ما موقعهم في خريطة الصراع السياسي و”الطبقي” حتى؟؟
لنعد مرة أخرى: المواطنة أولا وأخيرا.

< بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top