حزب التقدم والاشتراكية في مهرجان تخليد الذكرى 61 لعودة المغفور له محمد الخامس من المنفى وإعلان استقلال البلاد

كلف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وفدا من اللجنة المركزية ترأسه الرفيق موسى كرزازي، وبعضوية الرفيقتين فاطمة ربوز وماجدولين العلمي، لحضور مهرجان خطابي يوم 17 نونبر 2016 بالرباط، تخليدا للذكرى 61 لعودة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى إلى أرض الوطن، وإعلان استقلال المغرب.
في هذا الإطار وبعد تلاوة آيات قرآنية، افتتح المهرجان بخطاب هام من طرف المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير حول سياق ومغزى الاحتفال بهذه الذكرى سنويا، تخلله تكريم ثلة من المقاومين ومن أعضاء جيش التحرير، حيث قدمت للحاضرين منهم دروع التكريم، وتسلم عن المتوفين منهم والغائبين عن المهرجان، من يمثلهم من أبنائهم و ذويهم.
وبعد خطاب الافتتاح أعطيت الكلمة لممثلي أحزاب الحركة الوطنية والمقاومة، على التوالي: محمد السوسي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ومحمد الدرويش، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وموسى كرزازي عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، وكلمة باسم المقاومة وجيش التحرير.
فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الرفيق موسى  كرزازي باسم حزب التقدم والاشتراكية

الأخ المناضل الأستاذ مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير؛
السيد نائب والي جهة الرباط سلا القنيطرة ؛
إخواني ممثلي الأحزاب الوطنية والتقدمية، والمقاومة؛
أخواتي وإخواني من أسر الشهداء والمقاومين؛   أيها الحضور الكريم.
يسعدني والوفد المرافق لي، أن نساهم باسم حزب التقدم والاشتراكية مع إخوتنا من الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير في هذا الاحتفال البهيج النوعي، بالذكرى 61 لعودة المغفور له محمد الخامس وإعلان استقلال البلاد.
في البداية، نشكر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على الدعوة الكريمة الموجهة لحزبنا للمشاركة في هذه التظاهرة الغالية علينا؛ كما نوجه بالمناسبة تحية وفاء وإجلال وتقدير لكل المقاومات والمقاومين وأعضاء جيش التحرير، الأحياء منهم والأموات،  وندعو بالرحمة للذين استشهدوا أو توفوا.
فبعد رجوع محمد بن يوسف (محمد الخامس) من المنفى مع أسرته إلى أرض الوطن، وعودة المقاومين المعتقلين والسجناء الذين نجوا من الموت المحقق ومن بطش المستعمر، كانت بداية النهاية لمسلسل الحماية بالمغرب، وأولى ثمار الكفاح الوطني للمقاومة المغربية بصفة عامة، وأساسا، ثمار انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة وبركان وتافوغالت وفي كل أنحاء المغرب الشرقي، وانتفاضة 20 غشت بباقي الوطن 1953، التي تزامنت مع نفي محمد بن يوسف إلى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر.
لقد ترجمت نتائج ذلك الكفاح والنضال والتضحيات في عودة محمد الخامس وأسرته من المنفى إلى أرض الوطن مظفرا يوم 16 نونبر1955، ومعه عودة الوطنيين المخلصين من السجون إلى عائلاتهم وأهاليهم وجيرانهم، معززين ومكرمين، في الوقت الذي خرج فيه المستعمر من البلاد، وفشلت مخططاته ومؤامراته، رغم تعاونه مع الخونة وبعض الأعيان الذين أصيبوا بخيبة كبيرة.  
في مثل هذا اليوم من كل سنة، نترحم على كل المقاومين والمقاومات، اولئك الذين ضحوا بالنفس والنفيس في سبيل عزة الوطن، وكرامة الشعب المغربي، سواء الذين قضوا في ساحة المعركة أو الذين عاشوا عيد الاستقلال. فهم قدوة لنا ولكل الأجيال اللاحقة، ويستحقون التكريم وكل التقدير والاحترام في حياتهم ومماتهم.
في هذا الإطار سنحيي ذكرى عيد الاستقلال المجيد في 18 نونبر 1955 مباشرة بعد عودة الملك محمد الخامس والأسرة الملكية إلى أرض الوطن، الذي خاطب الشعب المغربي بالعبارة التي ظلت راسخة في أذهان المغاربة : «خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
في هذا الصدد، يفتخر مناضلوا حزبنا وهم يخلدون ذكرى تأسيسيه 73 برصيده النضالي لتحرير البلاد من الاستعمار منذ ميلاده سنة 1943 وهو الذي يحمل حاليا إسم حزب التقدم والاشتركية، وريث حزب التحرر والاشتراكية وقبله الحزب الشيوعي المغربي الذي تم منعه من العمل السياسي من طرف الاستعمار الفرنسي في نفس اليوم الذي تم فيه منع حزب الاستقلال، إثر اندلاع المظاهرات والاحتجاجات التضامنية في بلدان المغرب العربي، بعد اغتيال الشهيد المناضل والقيادي النقابي التونسي فرحات حشاد سنة 1952.  وقد ساهم مناضلوا حزبنا ضمن مجموعة من الوطنيين في مكافحة الاستعمار في إطار منظمة الهلال الأسود، وفي كل خلايا الحزب العمالية والفلاحية بالبوادي والمدن. وللتذكير، فقد عارض الحزب الشيوعي المغربي سياسة الاستعمار بقوة، عندما أقدم هذا الأخير على نفي محمد بن يوسف في 20 غشت 1953. واحتفل حزبنا مع باقي الشعب المغربي وقواه الوطنية بعودة محمد الخامس، الذي استقبل وفدا من الحزب الشيوعي المغربي مباشرة بعد عودته من المنفى، تقديرا لعمله النضالي وكفاحه المسلح لطرد الاستعمار.
 ونستحضر في هذه المناسبة أسماء بعض رموز حزبنا؛ رفاق لنا ساهموا في معركة الكفاح في سبيل استقلال البلاد إلى جانب إخوانهم في الحركة الوطنية، ومنهم على سبيل المثال، عبد الكريم بنعبدالله وعبد الله العياشي الذين كانا منخرطين في العمل المسلح ضد المحتل بمنظمة «الهلال الأسود» في فترة الحماية، وعبد السلام بورقية وعلى يعته وشمعون ليفي ومناضلين آخرين في كل أنحاء البلاد، الذين تعرضوا للنفي والاضطهاد والاعتقال. هؤلاء الرواد الذين أعطوا مفهوما ومضمونا بنيويا لكلمة «الاستقلال»، حيث ربطوا بين المفهوم التحرري للكلمة، عبرتحرير البلاد من المحتل ومن القواعد العسكرية، ومضمونه الاقتصادي عبر القضاء على التبعية الاقتصادية للخارج، ومضمونه الاجتماعي عبر تحقيق عدالة اجتماعية، ليستفيد كل المواطنات والمواطنين من ثروات وخيرات البلاد .
أيها الإخوة والأخوات، عاشت بلادنا وتعيش خلال شهر نونبر2016، عدة احتفالات، وتخليد لأحداث وطنية وقمم دولية؛ منها الاحتفال بالذكرى 41 للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر2016، والتي تميزت هذه السنة بالخطاب الملكي الشهير من العاصمة السنغالية داكار، الذي له رمزيته السياسية وبعده الاستراتيجي الافريقي، بعد الجوالات الملكية الموفقة في غرب وشرق وجنوب القارة الإفريقية، استعدادا للعودة إلى حضن منظمة الاتحاد الافريقي قريبا.
ويعيش المغرب حدثا دوليا هاما بين 7 و18 نونبر 2016 (كوب 22)، بؤرته مدينة مراكش بمناسبة القمة الدولية حول تغير المناخ، والتي تميزت بالخطاب الملكي الصريح لجلالة الملك محمد السادس في هذا المؤتمر العالمي الذي تحضره نخبة من ملوك ورؤساء الدول والحكومات والبرلمانات، كمدافع ناجع ومرافع مخلص عن قضايا إفريقيا، وفي مقدمتها البعد البيئي والعدالة المناخية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو امتداد للأوراش التنموية التي فتحها في إفريقيا. ونفتخر كمغاربة وأفارقة من النجاح الباهر والتنظيم المحكم لهذه التظاهرة العالمية التي مرت في جو من الطمأنينة والجدية في النقاش والمرافعة الناجعة لحماية كوكبنا من التلوث الذي نعيش فيه، والخروج برزمانة تعهدات وإجراءات عملية لتنفيذ ما اتفق عليه في قمة المناخ باريس (كوب 21).
والمغرب الذي يحقق نقطا إيجابية يشهد له بها العالم، حريص على تمسكه باحترام المنهجية الديمقراطية في احترام تام لدستور 2011 كما رافع عن ذلك المناضل التقدمي عبد الرحمان اليوسفي واحتج، يوم تم خرقها سنة 2002. وهذا يقتضي عدم التردد في بناء مؤسسات قوية تشريعية (البرلمان) وتنفيذية (حكومة منسجمة) في أقرب وقت ممكن. والابتعاد عن كل مخطط يسعى إلى إفراغ الديموقراطية من محتواها، لأن من شأن ذلك أن يجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، كما هو واقع المآسي في عدة بلدان في المحيط الذي نعيش فيه، عربية وإفريقية، تعيش شعوبها الحروب الأهلية والتشرد، وبلدانها الدمار والتخريب، لابتعادها عن المنهجية الديموقراطية، وتمسكها بالاستبداد والسطو على إرادة الجماهير بالتزوير والنصب والاحتيال.
إن من شأن ترسيخ الديموقراطية وترجمة بنود الدستور على أرض الواقع، هو السبيل الوحيد الضامن لاستقرار البلاد وتنميتها ورخائها. فالبلاد كما ورد في الخطب الملكية المتتالية، في حاجة إلى مؤسسات قوية في مقدمتها المؤسسة البرلمانية والحكومة، لمواجهة الملفات الحارقة، منها ملف الوحدة الترابية وإصلاح التعليم والإدارة العمومية، والصحة والشغل واستكمال أوراش التنمية المفتوحة داخل وخارج البلاد.
إننا نفتخر باستقرار البلاد ونموه الاقتصادي وتنميته الاجتماعية النسبية، ووحدة شعبه على أسس صلبة، بعيدا عن العرقية والطائفية والتعصب القبلي والإقليمية والشوفينية. إلا أن البلاد، كما ورد في عدة خطب ملكية في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ ميلاد دستور يوليوز 2011، في حاجة إلى مؤسسات قوية في مقدمتها: مؤسسة تشريعية قوية، وحكومة منسجمة تعتمد برنامجا ذا مضمون اقتصادي ناجع واجتماعي يعالج مشاكل الفقر والهشاشة. لا بد للحكومة المقبلة من معالجة الملفات الحارقة التي تنتظرها، في مقدمتها تعزيز وتوطيد الوحدة الترابية باسترجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة، وتعزيز الجبهة الداخلية عبر مواصلة الإصلاحات العميقة، وفي مقدمتها ملف التعليم والبحث العلمي، وإصلاح الإدارة العمومية ومعالجة الاختلالات المجالية في ميدان الصحة والشغل عبر استكمال بناء الأوراش التنموية المفتوحة داخل البلاد وامتدادها في إفريقيا، لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، ومحاربة الفساد في ميدان القضاء والتعمير والضريبة وكل القطاعات الموبوءة بداء الرشوة وعرقلة سير المقاولات وشؤون المواطنات والمواطنين والمستثمرين الأجانب، والتي تغيب فيها الحكامة والشفافية، مما يضر باقتصاد البلاد ومصالح الشعب.
مواصلة هذه الإصلاحات واستكمال الأوراش التنموية تقتضي فرز نخب وفاعلين سياسيين واعين بهذه المسؤولية، ضمن أحزاب لها مصداقية ونضج سياسي وتتمتع باستقلالية القرار. وهو ما ينطبق على الفاعلين الاجتماعيين والنقابيين من النقابات العمالية والمجتمع المدني التي لها دور أساسي وحاسم  في إرساء وترسيخ الديموقراطية وبناء دولة الحق والقانون. هذا الدور الهام البناء لكل المؤسسات الحزبية والنقابية والجمعوية وجب استثماره للرقي بالبلاد، ليعم الرخاء والاستقرار في ظل تكافؤ الفرص، حتى يصبح المغرب دولة صاعدة في مستوى دول كانت إلى عهد قريب متخلفة، منها كوريا الجنوبية والصين الشعبية وتايوان وغيرها من البلدان الصاعدة.
وأهم خلاصة نستخرجها من تربتنا السياسية في تاريخنا المعاصر، هو أن المغرب يصبح قويا عندنا تتفاعل إيجابيا إرادة المؤسسة الملكية مع القوى الوطنية والتقدمية الحية، لخدمة قضايا الوطن والشعب. وهذا سر نجاح المغرب في انتزاع استقلاله السياسي قبل غيره، وفي وقت وجيز، بفضل إرادة ملك مناضل، هو المغفور له محمد الخامس ، في تناغم وتنسيق محكم مع الحركة الوطنية سنة 1956.
وهو سر نجاح المسيرة الخضراء سنة 1975 التي قادها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بتحرير اقاليمنا الجنوبية التي تنعم بالرخاء والطمانينة والتنمية المستدامة.
وهو سر النجاح الذي حققه المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس الذي يواصل الإصلاحات السياسية وتعميق المسلسل الديمقراطي بإرساء دستور 2011 رغم ان عدة بنود فيه تحتاج إلى التفعيل، وتوسيع حقوق الإنسان، رغم أن بعض جيوب المقاومة تخالف المفهوم الجديد للسلطة، وفتح أوراش تنموية مرتبطة بالبنيات التحتية والتجهيزات الكبرى داخل وخارج البلاد، عبر التفتح على بلدان  القارة الإفريقية؛  وكلها إنجازات تبرز الإرادة المشتركة للمؤسسة الملكية والقوى الوطنية والتقدمية الحية في البلاد، وهو ما يعزز الجبهة الداخلية ويقوي مؤسساتها التشريعية والتنفيذية وأحزابها السياسية الحقيقة، كلما استمرت إرادة الإصلاح والبناء الديمقراطي والتنموي.
نتمنى أن تستمر مسرة تعميق الدموقراطية واحترام المنهجية الديموقراطية عبر احترام الإرادة الشعبية بدون عرقلة المسلسل، ومواصلة بناء أوراش التنمية الاقتصادية، لتنعكس إيجابا على المعيش اليومي للمواطنات والمواطنين، بعيدا عن سياسة الريع والاستبداد بالقرار وتبخيس العمل السياسي. إن من شأن احترام الضوابط الديمقراطية والإرادة الشعبية واستمرار التعبئة من أجل تحقيق تنمية مستدامة، أن تحتل بلادنا  موقعا عالميا مرموقا ومشرفا للمغرب كدولة الحق والقانون.

Related posts

Top