يعمد بعض المتكلمين في شأننا السياسي الوطني هذه الأيام، وبعض ممتهني الصحافة، إلى تقديم عملية هيكلة الحكومة الجديدة وتوزيع حقائبها الوزارية بين أحزاب ائتلاف الأغلبية كما لو أنها مجرد غنيمة حرب أو كما لو أن ما تولاه كل حزب ليس سوى نتاج مقدرة زعيمه أو قيادته في التفاوض أو في الإتيان بمقلب لم تنجح باقي الأطراف في الانتباه إليه، أو الانفلات من حباله.
بعض ما نقرأه هذه الأيام يكاد يكون مطابقا لهذه الصورة العبثية بالذات، كما أن بعض متكلمة هذه الفصيلة من ممتهني الصحافة، يركزون على حزب التقدم والاشتراكية، كما لو أنه طرفا طارئا نزل من أعالي السماوات على تركيبة الأغلبية، واقتحم قلعتها من دون أن ينتبه إليه أحد.
بين من يوجه التركيز نحو الحزب التقدمي زاعما أنه نال حقائب وزارية لا يستحقها، وفِي نفس الوقت لا يرى مشكلة في القول بأن الأغلبية لم تحتكم لمعيار نتائج الانتخابات وعدد المقاعد بمجلس النواب، ومن يصر، بشكل باتولوجي، على إغفال أي من مواقف الحزب وما كان يعرضه من مقترحات للخروج من البلوكاج، ومن ينشر الأكاذيب في حق وزراء الحزب أو قياديّيه، في كل هذا تبرز كثير روايات يدبجها بعض كتبتنا، هي ليست، في عمقها، سوى متمنيات ومشاعر تتملك من يكتب أو من يوحي له بذلك.
لقد بقي حزب التقدم والاشتراكية منذ لحظة سابع أكتوبر وما أعقبها، حاضرا في كل الأحداث التي جرت وفاعلا فيها، ومن خلال سلوكه السياسي العام وإصراره على قراره الحزبي المستقبل ووضوح مواقفه، وأيضا عبر ما كان يتقدم به لباقي الفرقاء من مبادرات ومخارج وأفكار وحلول، كان باستمرار يحدث الفرق، ويكرس، بالتالي، منهجية عمل وعلاقات مختلفة عن كل الآخرين.
هذا ما يترجم، بالفعل، الوزن السياسي والفكري والتاريخي لحزب مثل حزب التقدم والاشتراكية، ولو تعاطى بعض كتبتنا مع هذا المعطى بالموضوعية اللازمة وبجدية التحليل والتشخيص لأدركوا بسهولة أن الكثيرين كان يجب أن ينصتوا من البداية إلى حزب التقدم والاشتراكية.
إن بعض الأطراف الحزبية التي يعرف عنها فتح أفواه الكلام المزايد عبر الإعلام وفِي منابر الخطابة، يجب أن تعود اليوم لتقرأ الدرس لدى التقدم والاشتراكية، ولتستحضر كامل مواقفه خلال الست سنوات الأخيرة، ولتعيد تأمل وفحص كل مبادراته واقتراحاته، علها تدرك كم هي المسافة طويلة بينها وبين هذا الحزب الذي ينجح دائما في صنع مواقف ريادية يتوفر لها بعد النظر.
وحده التاريخ يبقى هو التاريخ، وهو يسجل لكل منا ما له وما عليه، وذلك بغض النظر عما إذا كان ما يسجله يعجب بعض طبقتنا الحزبية والإدارية والإعلامية أو لا يعجبهم، وينفونه أو يعترفون به.
حزب التقدم والاشتراكية لم يفهم يوما المشاركة في الحكومة كما لو أنها توزيع غنائم أو توزيع صباغة وألوان ومعاطف حزبية ووزارية على المقربين ومن يؤتى بهم على عجل، ولكنه اعتبر ذلك إسهاما في خدمة بلادنا وشعبنا من موقع التدبير والمسؤولية، وتتولى هذه المهام أطر حزبية معترف بخبرتها وكفاءتها ومصداقيتها من لدن الجميع، ومن طرف الخصوم قبل الأصدقاء والرفاق.
التقدم والاشتراكية يراكم المنجز في الميدان وعلى أرض الواقع، من خلال عمل وزرائه ووزيراته، ويعبر عن قدر كبير من المسؤولية والجدية ضمن التركيبة العامة للحكومة ولأغلبيتها، بالإضافة إلى خصال النزاهة ونظافة اليد والمصداقية السياسية ووضوح الموقف والوفاء للتعهدات والمواقف.
التقدم والاشتراكية يمسك، من داخل الحكومة ومن خارجها، بذات مواقفه المعروفة، والمنتصرة لخيار الديموقراطية والتحديث والمساواة والعدالة الاجتماعية والانفتاح والتقدم، ويدافع باستماتة عن ذلك ضمن الاحترام الواجب لباقي الشركاء السياسيين، وفِي إطار الحرص على استقرار مؤسسات البلاد، وعلى تمتين توافق إيجابي ناجع وذكي لمصلحة شعبنا.
من المؤكد أن وقائع السياسة، في بلادنا وفِي العالم كله، وأيضا ما عاشه واقعنا السياسي في الشهور الأخيرة، وما نجم عن ذلك كله في الأخير من امتدادات مؤسساتية، كل ذلك يحتمل النقد، وحتى الرفض أو القبول، ولكن تحليل ذلك يفرض تسجيل مختلف المواقف والتموقعات ضمن سياقاتها وفِي الزمنية السياسية والعلائقية، وذلك بغاية معرفة من تأكدت صوابية اختياراته ومن ارتطم وجهه بالجدار، ومن كان ينطلق من حساب ومصلحة الوطن، ومن كانت حساباته لا تزيد عن حجم أنفه أو عن أهدافه الأنانية والانتهازية.
على هذا المستوى بالضبط، أثبت حزب التقدم والاشتراكية أنه بالفعل قوة سياسية حقيقية، وكبيرة بتاريخها ومصداقيتها وبعد نظرها، وأنه حزب يبقى المغرب في حاجة إلى تميز منظومته الفكرية والسياسية والتحليلية.
هو حزب يعرف دائما كيف يحدث الفرق، في المواقف والاقتراحات والعلاقات والسلوك، ولا يحسب التموقعات والتحالفات والآراء بحسابات إنتهازية وشعبوية، وإنما بحساب الوطن.
محتات الرقاص