حفل تقديم وتوقيع مؤلف الفنانة التشكيلية والكاتبة لبابة لعلج .. “ملحون وتشكيل”

في إطار فعاليات الدورة 14 لمهرجان مقامات التي تنظمها جمعية ابي رقراق تحت شعار “الملحون: مسارات ومقاربات جديدة” إلى  غاية 7 يوليوز الجاري، دورة عميد الأدب المغربي الفقيد عباس الجراري، احتضن رواق باب فاس بسلا مساء الثلاثاء المنصرم حفل تقديم مؤلف الفنانة التشكيلية والكاتبة لبابة لعلج “ملحون وتشكيل: كتابات ولوحات”، في نسختيه الفرنسية (من تقديم الدكتور سمير لطفي والناقد أحمد فاسي والباحث فؤاد كسوس)، والعربية (من تقديم الدكتورين عبد الكريم برشيد وجمال الدين بنحدو)، إلى جانب تقديم  مؤلف “شعر الملحون بحاضرة أزمور” للأستاذ الباحث الدكتور عبد الإله جنان.

 يندرج هذا الحفل الفني والثقافي ضمن 6 جلسات لتقديم وتوقيع 11 كتابا من الإصدارات الفكرية والأدبية المرتبطة بالتراث الأدبي عامة والملحون خاصة، حيث سير هذه الجلسة الأولى الممثل المسرحي والسينمائي الفنان محمد متوكل بحس خطابي وشاعري مرهف، بحضور صفوة من المثقفين والباحثين والإعلاميين وعشاق الأدب.

حول قيمة الملحون كتراث إنساني لامادي، تقول لبابة لعلج: “هو هذا الفن الذي يثير الشعور بما هو نفيس ودافئ في حد ذاته. يفتح الابتسامات ويخلب القلوب. يخبر الذهن ويجمع الشعب حوله. إنه سحر هذا الكلام المغنى. إنه قصيدة ذاكرة عريقة تم حملها. إنه هويتنا الثقافية ذات القيمة الخالدة”. وتضيف: “الملحون هو الذاكرة التي شيدت تاريخ المغرب الشعبي. عرف كيف يلعب بشكل فائق دور همزة وصل بين الماضي والحاضر”.

الكاتب المسرحي والباحث د. عبد الكريم برشيد

 الرسم بالكلمات

»في مفتتح هذا التقديم، أقول الكلمة التالية: ما أجمل أن تجد نفسك في حضرة الفن الجميل، وأن يكون هذا الفن بصيغة الجمع، أن يكون كل الفنون، وأن تعرف بأن الأصل هو شجرة الفنون، والتي لها جذر واحد يمتد عميقا في وجدان البشرية، ويمتد في قلبها الباطن، وفي روحها، وفي مخيالها. بالتأكيد إن لهذه الشجرة وارفة الظلال فروعا وأغصانا كثيرة جدا، ولها اتجاهات متعددة، ولها أيضا ثمار بعدد لا يعد ولا يحصى. أقول قولي هذا وأنا أستحضر وأقرأ كتاب الفنانة الشاملة لبابة لعلج، والذي أعطته اسم »ملحون وتشكيل: كتابات ولوحات«، ولأن هذا الكتاب يجمع بين فنين من أسرة واحدة، ولأن التشكيل يحاور ويجاور الملحون في هذا الكتاب، فقد كان ضروريا أن نتوقف قليلا عند الأسئلة التالية: الملحون والتشكيل، أية علاقة يمكن أن تجمع بينهما، وأي رابط ظهر أو خفي يمكن أن يجمع بينهما؟ هل هناك فرق بين الرسم بالكلمات والعبارات والأصوات والآلات والرسم بالأضواء وبالظلال وبالألوان والأشكال؟

هما معا حركتان في هذا الكون الشعري اللامحدود، والحركة الملحونية تتم في امتدادات الزمن اللانهائي، والحركة التشكيلية فعل تم في فضاءات المكان اللامحدود، وهذا الكتاب يجمع الحركتين معا في حركة واحدة تسمى حركة الزمكان، حيث يكون التشكيل إيقاعا موسيقيا، ويكون الإيقاع الموسيقي رسما بالحروف وبالكلمات وبالعبارات الحية.

إلى جانب الأستاذ الباحث الدكتور عبد الإله جنان و الفنان محمد متوكل

في الفن تلتقي كل الأرواح، وعنده تلتقي كل الطرق، لأن الفن أفق جميل تسعى باتجاهه كل النفوس وكل الأرواح العاشقة للجمال والكمال، والفن الحقيقي ليس طريقا من الطرق، ولكنه الملتقى الذي تلتقي عنده كل الطرق، وهي لا تلتقي إلا لتفترق في الوقت نفسه، مما يعني أن ملتقى الطرق هو مفترق الطرق أيضا. إذا كان ابن رشد يقول إن “الحق لا يضاد الحق” فإنه يمكن في حق الكاتبة أن نقول إن “الجمال لا يضاد الجمال” وليس هناك جمال فن من الفنون يمكن أن يكون أحسن من جمال فن آخر، وبغير هذه الرؤية الشاملة والكلية، فسنكون عنصريين في الفن، وسننسى بأن الفن واحد أوحد، وبأن له مظاهر متعددة، وله حالات وله مقامات وله درجات كثيرة جدا. بهذا تكون كل الفنون عظيمة، لأنها نتاج العبقرية الإنسانية، وفن الملحون فن عظيم بكل تأكيد، لأنه يترجم روح أمة، ويؤرخ لمراحل من تاريخ المغرب، ولأنه فن صادق وعفوي وشفاف، ولأنه فن احتفالي وعيدي جميل ونبيل.

هناك سؤال آخر ينبغي أن نعرج عليه وأن نحاول الإجابة عنه، وهو: ما الذي يجمع فنا حديثا هو التشكيل بفن “قديم” وتراثي وتاريخي هو الملحون؟

إن أهم ما يميز هذا الملحون المغربي هو أنه اليوم حي تماما كما كان بالأمس، وأنه حاضر بنا وفينا وحاضر معنا، وحياته دليل على أنه يمتلك كل مقومات الحياة، ولو لم يكن كذلك لمات من زمن طويل، وهو اليوم يتجدد، ويتطور، ويقرأ قراءات جديدة في ضوء مستجدات العصر.

فعلا، فإن شعر فن الملحون قديم، ولكنه القديم الحاضر، وليس القديم الغائب، وهو القديم الحي، وليس القديم الميت والمتحفي، وهو حي لأنه يمتلك كل مقومات الحياة، ولأنه فعل يتجدد، وهو يتمدد في الواقع والتاريخ معا، تماما كما تمدد دائما في الجغرافيا المغربية. إنه بهذا دائم وخالد وحي، لأنه جميل وحقيقي، والجمال قيمة مطلقة تماما كما هي الحقيقة. فمن طبيعة الأشياء الجميلة أنها تزداد مع الأيام والأعوام جمالا، وهو شعر يترجم أصدق ما في الإنسان، أي روحه، وهل يمكن للأرواح الكبيرة والصادقة أن يلحقها القدم؟

إن من طبيعة الملحون المغربي والتشكيل المغربي أنهما ينتميان إلى الجغرافيا نفسها، وإلى التاريخ نفسه، وإلى الوجدان نفسه، وإلى الروح نفسها، وإلى العبقرية الخلاقة نفسها، وإلى الهوية نفسها، والتي هي بالأساس هوية مغربية عربية أمازيغية أفريقية أندلسية متوسطية وكونية وإنسانية. في هذا الكتاب نجد فنانة تشكيلية تقرأ شعر الملحون بعين التشكيل، وتقرأ التشكيل بعين الملحون، وتقرأ القديم بعين جديدة ومجددة ومتجددة، وتقرأ فنا مغربيا بعين إنسانية كونية تسع كل الآداب والفنون، وتسع كل الحساسيات الفنية والجمالية المتعددة.

مع الدكتور والشاعر أحمد زنيبر

إن من طبيعة الفنون أنها لا تفترق إلا من أجل أن تلتقي، وأن يكون الإنسان، روحا ووجدانا وفكرا وأسئلة وقضايا، هو نقطة التلاقي فيها، وهو نقطة التماس، وهو نقطة التقاطع. في فن التشكيل كما في فن الملحون، يمارس الشاعر والفنان لعبة الكشف والمكاشفة، ولعبة التعري، ولعبة الغوص في أعماق الذات للبحث عن البعيد وعن الغامض وعن الخفي وعن المجهول وعن السحري وعن المنسي وعن المثير وعن المدهش. لعل أهم ما يهم أكثر بالنسبة إليهما معا هو الكشف عن جماليات الداخل قبل جماليات الخارج، وهو التأكيد على جماليات الوجدان والروح قبل جماليات الأشياء. في هذا الكتاب احتفاء بالرمزيات، وفيه احتفاء بالذاكرة الجماعية، وفيه احتفاء بالواقع والتاريخ معا، وفيه احتفاء بالحرف وبالكلمة وبالعبارة، وفيه احتفاء بالألوان وبالأضواء وبالظلال، وفيه احتفاء بالطبيعة، وفيه احتفاء بالجمال، وفيه احتفاء بالمرأة، وفيه احتفاء بالنبوغ وبالعبقرية، وفيه احتفاء بشعراء الملحون.

تنطق الكاتبة في هذا المؤلف بكل الأبجديات الكائنة والممكنة، فهي تتحدث عن الشعر بلغة شعرية، وتقدم التشكيل بلغة تشكيلية، وهي بهذا تؤكد، من حيث لا تشعر، على الحقيقة الأساسية والجوهرية التالية، وهي أن لغة واحدة لا تكفي الفنان الشاعر المتأمل والحالم، ولو كان شعر الملحون وحده يكفي، ما تغنى به المغنون، ولما رقص على أوزانه الراقصون، ولما أصبح مسرحا عند المسرحيين، ولما أصبح حكما تتردد في أقوال المتكلمين، ولما أصبح درسا لدى الباحثين والدارسين.

مع سعيدة ولد عزيز عضو المكتب التنفيذي لجمعية أبي رقراق

الملحون أساسا شعر، والغناء والموسيقى فيه قيمتان مضافتان، وفي هذا الملحون شيء من كل شيء، فهو رسم وتشكيل، وهو نحت بالحرف والكلمة، وهو وصف لجمال المرأة ولجمال الطبيعة ولجمال الوجود ولجمال الحياة ولجمال الروح ولجمال الفكرة وأيضا لجمال مبدع الوجود، كما أنه حكي ومحاكاة وشهادات ومشاهدات. هو بهذا تاريخ لما أهمله التاريخ ولما نسيه المؤرخون، وهو محاكاة تقوم على التقليد والتشبيه وعلى الرمز والاستعارة، وهو الإنشاد الصوفي، وهو التوسل الديني، وهو النقد الاجتماعي، وهو الغزل المؤثث بالعواطف الإنسانية الصادقة، وهو أيضا شخصيات بأسماء أنثوية في أغلب الحالات، وهو حكايات مثل حكاية الحراز ودمليج زهيرو، وهو مواقف إنسانية، وهو مواعظ أخلاقية، وهو تأملات فكرية بنفحات صوفية، وفيه علاقات إنسانية جميلة ونبيلة، وهو علم ومعلومات، وهو حالات ومقامات إنسانية صادقة، وهو محاورات مسرحية حقيقية أو مفترضة. في هذا الشعر يحضر الجمال بأسماء متعددة، فهو المرأة وهو الطبيعة بربيعها وأشجارها وأزهارها، وهو الفكرة الجميلة، وهو الصورة المتخيلة، وهو الكلمة الشعرية التي تفيض حكمة، وهو روح المعشوق الإنساني قبل شكله، وهو عشق روح الحياة وعشق روح الوجود وعشق روح الكون.

 

مع المسرحي والباحث عبد المجيد فنيش مدير مهرجان مقامات بسلا

إن أجمل ما في هذا الملحون أنه يترجم لغة الحياة اليومية العادية والفقيرة إلى لغة شعرية غنية بالصور وبالمشاهد وبالإيقاعات والأوزان وبالخيال والاحتفال، وبكلمة واحدة يمكن أن نقول عنه ما يلي: الملحون ديوان الإنسان المغربي، ففيه أفراحه وأتراحه، وفيه أسئلته ومسائله، وفيه أحلامه وخيالاته، وفيه توقعاته وتوجساته، وفيه حكمه وأمثاله، وفيه علمه وصناعته.   

لعل أهم ما يميز هذا الكتاب هو كليته وشموليته، وهو أنه مكتوب بأكثر من لغة واحدة وبأكثر من أبجدية واحدة، فهو مكتوب باللغة الفرنسية أولا، وهو مكتوب باللغة العربية ثانيا. في هذه الترجمة العالمة والشاعرة، يحضر الفن والفكر والشعر أيضا، ونجد أنفسنا أمام لغة عربية تفيض سحرا وجمالا، مما يعطي الكتاب قيمة أخرى مضافة، وهذا الكاتب القارئ المترجم هو الفنان والباحث في الجماليات الدكتور عبد الله الشيخ.

مع الكاتبة لطيفة المفيد عن رابطة كاتبات المغرب

في ختام هذه الكلمة التقديمية، أرى أن أجمل ما يمكن أن يقال في حق الكتابة والكتاب هو ما جاء في تلك البرقية الطريفة التي كتبها الباحث والمترجم والفنان فؤاد ݣسوس إلى الفنانة لبابة لعلج، والتي خاطبها فيها بلسان الملحون قائلا:

»هل تدرين ذلك؟

كان علي أن أنتظر ما يقارب ألف عام كي يبادر أخيرا أحدهم (أو إحداهن) إلى تنميق الكلمة بالتشكيل! فهي أنت لبابة… وأؤكد لك ذلك«.

***********

الفنان والباحث الموسيقي د. جمال الدين بنحدو

الملحون في ضيافة التشكيل

 من أسرار جمالية الشعر الصورة، هذه الأخيرة التي لا تولد إلا من خلال تخيل بارع يجعل الشاعر يوصلها إلى القارئ المتلقي دون خدش أو تشويش.

بطبيعة الحال، هناك أدوات ضرورية لإنجاز الصورة منها سلامة الجسد، والتمكن من ناصية اللغة والدلالات والبلاغة الشعرية مما يجعل الشاعر متمكنا في عملية الإبداع دون أن نهمل رصيده العلمي والثقافي والحضاري.

إن رسامتنا لبابة لعلج بجمعها بين جنسين من الفنون تكون بذلك قد أعادت الفنون إلى سابق عهدها في الحضارات القديمة خاصة اليونانية والمصرية، حيث كانت الفنون تجتمع تحت مسمى واحد هو الموسيقى، إذ لم يكن القدامى يفرقون بين الغناء والعزف والصورة والنحت، فقد كان هدفهم هو التعبير بشتى الوسائل الفنية عن حالة شعورية إنسانية لا غير.

ففنانتنا لبابة لعلج، باهتمامها بفن الملحون الذي كنت دائما ألح على تسميته فنا وليس طربا لما تحمله أشعاره من صور ولوحات تصويرية، قد تفوقت في تقديم هذا الديوان الذي يجمع بين خاصيتي الشعر والنثر معا، وينضح بأنوار وإشراقات تضفي عليه خصوصية وتميزا.

فعلا، لقد نجحت الفنانة في أن تسمعني فن الملحون المتمثل في أمهات قصائده من خلال شعرائها الرواد والشيوخ أمثال الجيلالي المتيرد، مبدع السرابة وما أدراك ما السرابة (قصيدة قصيرة جدا وبليغة يستهل بها لأداء القصيدة الموضوع)، وسيدي قدور العلمي العلامة الصوفي الذي أدرك معاني الجمال السامية.

بكل تأكيد، طربت لكلام هؤلاء الشعراء البليغ والراقي، وتذوقت معانيه وتعابيره، وسمعت ألحانه التاريخية المفعمة بعبق الحضارة المغربية عبر تاريخها العريق، وتفاعلت مع كل الزخم التراثي عبر أصوات لن تنساها أذني: صوت التهامي الهاروشي، والحسين بن ادريس، وعبد الكريم كنون، والحسين التولالي… سمعت كل هذا وبدون أي إطراء ومبالغة عبر لب تشكيل لبابة.

أجل لقد أبدعت بتشكيلها روح فن الملحون، وكم هو جميل أن نرى جميع فنوننا تتأثر بأدب المغاربة خاصة الملحون وتنطلق منه لأنه فن مغربي بكل امتياز، جامع وموحد للمغاربة ومشكل لهويتهم التي تتميز عن باقي الهويات في العالم بإسره.

شكرا لبابة على إنشادك الملحون عبر ألوانك وريشتك السحرية الرائعة، وها هو الملحون بدوره يتغنى بك عبر حربة ملحونية سميتها “لبابة” فتقبليها كتعبير صادق عن محبة من يعشق ويهوى الملحون.

حربة لبابة:

أش رى من لا رى التشكيل فن وحس وعذوبة

غاب لي لعقل وسرحت فسر تشكيل لالة لبابة

ستكون هذه الحربة لا محالة مطلع قصيدة كاملة سنلقيها، إن شاء الله، في حفل توقيع كتابكم المبارك. ..

**********

الشاعر والكاتب فؤاد ݣسوس

برقية الملحون إلى لبابة

»هل تدرين ذلك؟

كان علي أن أنتظر ما يقارب ألف عام كي يبادر أخيرا أحدهم

(أو إحداهن) إلى تنميق الكلمة بالتشكيل!

فهي أنت لبابة… وأؤكد لك ذلك…

لبابة:

لا تقولي شيئا! قبل متم ألفين وعشرين.

سأبرز بفضل النعمة الربانية أن هذا التراث السلفي الذي لا نظير له تمكن كثيرا من الإفصاح عن سرائر القلوب جاعلا إياها مرحة وحالمة.

القلم، الفرشاة، الورقة والقماش ستتحد.

كي تتحمس العيون.

كي تتمرأى الكلمات وتنكشف في لوحتك  «.

 إعداد: بيان اليوم

 تصوير: ابراهيم كرو وشعيب بوريان

Top