أولا: مقدمـة وقائع وطـرح الإشكالية
نظرا لغياب الزوج عن البيت والأسرة، كانت الزوجة مضطرة إلى تغيير عنوانها من مدينة إلى أخرى للعمل كمساعدة منزلية، ولهذا كانت في حاجة إلى أن تطلب تسجيل ابنها بمؤسسة تعليمية أخرى، إلا أن مدير المدرسة التي كان الابن يتابع دراسته فيها رفض تسليمها شهادة المغادرة، ولهذا وجهت كتابا إلى المدير الإقليمي فأجابها بأنه لا يمكن لإدارة المؤسسة تسليم شهادة المغادرة إلا لولي أمر التلميذ طبقا للمادة 236 من مدونة الأسرة، التي تنص على أن الأب يعد وليا شرعيا على أبنائه. (جريدة الصباح، مقال ولاية الأم الواقع يهزم القانون بتاريخ 30/1/2022)، سوف نناقش وقائع هذه الإشكالية مع بعض التحفظ ما دام أننا لا نتوفر على حيثيات الحكم موضوع التعليق.
ثانيا: موقف القضاء أو الحكم موضوع التعليق
تعنت الإدارة ورفضها لطلب والدة الطفل دفعها إلى تقديم دعوى أمام المحكمة الإدارية، تطالب فيها الاستجابة إلى طلبها وتمكينها من شهادة المغادرة المدرسية، فكان جواب المديرية الإقليمية للتعليم وهي الجهة المدعى عليها، أن المدعية سبق لها أن تقدمت بطلب استعجالي أمام رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة الذي قضى فيه بعدم الاختصاص، والتمست الإدارة التصريح بعدم الاختصاص في البت في القضية، لأنها تدخل ضمن اختصاص قضاء الموضوع، وتصدت المحكمة الإدارية لهذا الدفع بقولها:
“بأن صلاحية السهر على تمكين المدعية من شهادة المغادرة المدرسية الخاصة بالطفل هو اختصاص أصيل يعود إلى النيابة العامة، ولا يستدعي اللجوء إلى القضاء الاستعجالي ولا قضاء الموضوع، بالنظر إلى أن الدعوى أسست على أحقية المدعية الأم في طلب شهادة المغادرة حتى تتمكن من تسجيل ابنها بإحدى المؤسسات التعليمية الموجودة قرب سكنها الحالي بعد اختفاء الأب وتحرير مذكرة بحث في حقه”…..
وتنفيذا لهذا التوجه خاطبت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالجديدة بكتاب المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، تحثها على تسليم شهادة المغادرة للأم المدعية، حفاظا على حق الطفل في متابعة دراسته.
ثالثا: التأصيل القانوني لوقائع الدعوى
نعتقد أن المحكمة الإدارية – ربما – استندت في قضائها على مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة التي تنص على أن: “للأطفال على أبويهم الحقوق التالية:
- حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد؛
- العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة، بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية؛
- النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة؛
- إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة؛
- اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا؛
- التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل؛
- التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني.
عندما يفترق الزوجان، تتوزع هذه الواجبات بينهما بحسب ما هو مبين في أحكام الحضانة.
عند وفاة أحد الزوجين أو كليهما تنتقل هذه الواجبات إلى الحاضن والنائب الشرعي بحسب مسؤولية كل واحد منهما.
يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة أعلاه، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبين لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.
تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون.
تسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام سالفة الذكر”.
رابعا: الملاحظات والاستنتاج
1- إن النيابة العامة تتوفر على العديد من الاختصاصات بموجب قانون المسطرة الجنائية، وكذا قانون المسطرة المدنية في إطار الفصل 9، ولها اختصاصات أخرى متفرقة بموجب نصوص خاصة كالحالة المدنية وغيرها، وأضاف المشرع إليها من خلال المادة 54 من مدونة الأسرة اختصاص مراقبة تنفيذ الأحكام القانونية المنصوص عليها في هذه المادة 54، التي حملت الدولة مسؤولية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، فهل بإمكان النيابة العامة أن تراقب عمل الدولة المسند إليها بموجب المادة 54، بمعنى أن العمل للدولة والمراقبة للنيابة العامة، وما هي الوسائل الإدارية والقانونية والمادية والبشرية التي يجب أن تتوفر عليها كل من الدولة والنيابة العامة لتطبيق مقتضيات المادة 54 من الألف إلى الياء وربما الأمر يحتاج إلى مراسيم وقرارات وزارية وهيئات حكومية خاصة لتفعيل المادة 54 التي ربما يجب إعادة النظر في صياغتها لأن فكرة “العمل للدولة، والمراقبة للنيابة العامة” كما وردت في المادة 54 ربما ستكون صعبة من الناحية العملية نظرا لغياب وسائل العمل الإدارية والقانونية التي أشرنا إليها أعلاه.
2- حتى لا نغرق أنفسنا في فنجان قهوة كما يقال، يبدو أن النزاع قائم بين المدعية أم الطفل / التلميذ من جهة، وبين المدعى عليها الجهة الإدارية من جهة أخرى، وتم إقحام مؤسسة النيابة العامة في النزاع كطرف ثالث فيه، بينما الحل العملي والبسيط كان – ربما – يقتضي معالجة الإشكالية في إطار دعوى الإلغاء بين والدة الطفل والإدارة ويصدر حكم لصالح والدة الطفل بإلغاء القرار الإداري السلبي بالامتناع عن تسليمها الوثيقة الإدارية المطلوبة، وفي حالة ما إذا ماطلت الإدارة في تنفيذ الحكم يمكن اللجوء عندئذ إلى مؤسسة النيابة العامة.
بقلم: د. ادريس فجر
دكتور في الحقوق