خديجة أروهال: التقدم والاشتراكية أول حزب مغربي اعتنى مبكرا بالثقافة واللغة الأمازيغيتين

 الحديث مع السيدة خديجة أروهال شيق للغاية، فمن يجالسها يجد أمامه امرأة بسيطة وعميقة في ذات الوقت.. امرأة تحدثك في السياسة بلغة الثقافة، وتناقشك ثقافيا بمرجعية سياسية وإيديولوجية متينة.. وتجد أمامك أيضا امرأة مفعمة بحب بلدها وهويتها، أمازيغية حتى النخاع، باعمرانية المنشأ، شاعرة، وإعلامية، وناشطة جمعوية، ومناضلة حقوقية، وقيادية حزبية، ونائبة بمجلس النواب، وعضوة في البرلمان الإفريقي… وفي الأول والأخير إنسانة طيبة ومرحة ومضيافة.. مؤخرا استضافتنا السيدة خديجة أروهال بمكتبها بمقر فريق حزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان لإجراء حوار معها لجريدة بيان اليوم، وارتأينا، في بيان اليوم، أن يكون هذا الحوار ذا طابع موضوعاتي ومنصبا أساسا على المسألة الأمازيغية في علاقتها بالمجال التشريعي، وبالحصيلة الحكومية لنصف الولاية، وأيضا في ما حققه حزبها من تراكم في هذا الباب.. وسألناها أيضا عن موقع الأمازيغية في ظل ربع قرن من اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش.. وكانت أجوبتها تنطوي على إفادات هامة لم تخل أيضا من مواقف فكرية وسياسية…

خديجة أروهال، عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، تحدثت لبيان اليوم بأريحية وانفتاح وتلقائية.. وإليكم تفاصيل الحوار:

* بداية ما هو تفسيركم للمشكل الذي حصل مؤخرا مع مؤسسة الفهد التي اعتبرت اللغة الأمازيغية لغة أجنبية؟

** في الحقيقة عندما اطلعنا على الورقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكأي مغربية ذات أصول أمازيغية، لم يعجبني الخطأ الفادح الذي وقع فيه أحد المسؤولين بمؤسسة الفهد، خصوصا ونحن نرى ما وصلت إليه الأمازيغية الآن بعد حرص جلالة الملك محمد السادس الذي يحاول قدر استطاعته الارتقاء بهذه اللغة؛ خاصة بعد دستور 2011، بداية من خطاب أجدير إلى مجموعة من المكتسبات التي جاءت من وراء الخطاب، والاعتراف برأس السنة الأمازيغية والتفاعل الجدي والإيجابي لجلالة الملك محمد السادس مع القضية الأمازيغية. فأي مغربي يعتز بتاريخه وهويته لن يقبل أن تهان هذه اللغة بتلك الطريقة، فالخطأ الذي حصل بمؤسسة الفهد، كان جسيما. كان من الممكن أن يعتبرها لغة ليست رسمية، تجاوزا، ولكن أن يتم تصنيفها من اللغات الأجنبية، هذا حقا يثير الاستفزاز خاصة وأن ترتيبها جاء على الشكل التالي الفرنسية أولا ثم تليها الإنجليزية فالإسبانية، لتكون اللغة الأمازيغية هي الأخيرة.

أنا لن ألتمس العذر لأحد ولو أنه في بعض الأحيان نجد خطأ شخص معين يكلف المؤسسة بأكملها، لكنني في المقابل أشيد بالاعتذار التي قدمته مؤسسة الفهد ويجب أخذه بعين الاعتبار، لأنه جاء مباشرة فور تفاعلنا ووضعنا لسؤال في الموضوع.

أقول دائما إن ولوجي للعالم السياسي، وخاصة لحزب التقدم والاشتراكية، كان هدفه ولا يزال، هو الدفاع عن هذه الهوية، خاصة وأنني أمازيغية الأصل، وناضلت في صفوف الحركة الأمازيغية، فكان كل همي أن أكون صدى صوت هذه الهوية ولهؤلاء الأشخاص المنتمين لها، وأن أكون أيضا في مركز القرار لأدافع عنها.

فلا يمكن أن يمر علي ما حدث، وكان من واجبي التفاعل مع هذا الحدث سواء كشخص أو كفريق برلماني أو كحزب التقدم والاشتراكية المعروف عنه دفاعه المستميت عن الهوية الأمازيغية منذ بداية نشأته، فنحن، في حزبنا، لا نتخذ من القضية الأمازيغية فرصة للمزايدات السياسية بل هي مبدأ نؤمن به ونعتبره أساسيا ومن أولوياتنا.

فالهوية الأمازيغية تسكن بداخلي ولا يمكنني عدم التجاوب مع هذه الأمور، خاصة في مثل هذه الأخطاء الجسيمة والتي ترجع بنا للوراء وتنتقص من أهمية المكتسبات التي دافعت عنها الحركة الأمازيغية ودافع عنها حزبنا باستماتة، وتحققت بفضل الإرادة الملكية السامية.

** صحيح، كما ذكرت قبل قليل، أن حزب التقدم والاشتراكية معروف عنه أنه لعب أدوارا طلائعية في الدفاع على الحقوق الثقافية واللغوية للشعب المغربي والترافع حولها، ولعل أدبياته ومنشوراته شاهدة على ذلك، هل من الممكن أن تقربي قراءنا من منجزات حزبكم في هذا المجال؟

** حزب التقدم والاشتراكية معروف بدفاعه على الهوية الأمازيغية منذ نشأته، فهو أول حزب مغربي اعتنى مبكرا بالثقافة واللغة الأمازيغيتين، وهذا راجع لمرجعيته الفكرية والأيديولوجية المحددة لممارساته في الميدان السياسي والحقل الثقافي، التي تأخذ بعين الاعتبار دور الأفكار في التقدم، والعوامل الاقتصادية في التنمية.

فحزب التقدم والاشتراكية منذ الوهلة الأولى، وهو متشبث بمستلزمات النهوض بالجوانب الثقافية للهوية الوطنية متعددة الروافد، ويهتم بالقضايا الثقافية واللغوية للطبقة العاملة والفلاحين وسائر فئات الجماهير الشعبية الكادحة، فضلا عن المثقفين المتنورين، ضمن مقاربة متكاملة لحقوق الإنسان تشمل الحقوق الثقافية واللغوية والموقع الرئيسي للأمازيغية في الهوية الوطنية المتعددة الروافد.

فبالرجوع للمحطات التاريخية لحزب التقدم والاشتراكية، وخاصة بأطروحة المؤتمر الوطني الأول سنة 1975، نجد الحزب ركز كثيرا على تطوير الثقافة الوطنية، وأكد أنها لن تكون خصبة إلا إذا كانت شعبية وتقدمية ومعادية للإمبريالية، ومحافظة على هويتها التاريخية وحضارتها.

فالأدب الشعبي المكتوب والشفوي والموسيقي والرقص والفنون الشعبية المختلفة والآثار القديمة يجب الحفاظ عليها، كما يجب تشجيع البحوث في هذا الميدان من طرف المؤسسات مثل كراسي جامعية ومعاهد خاصة ومتاحف…

فخلال سنة 1979 كان الرفيق الراحل علي يعته الممثل الوحيد لحزبنا في مجلس النواب، وكان له قصب السبق في تقديم اقتراح قانون يرمي إلى إحداث مركز للأبحاث والدراسات الأمازيغية في الجامعة، والذي صادق عليه البرلمان دون أن يرى النور.

فالحزب سبق وحذر من مغبة نكران الخصائص الأمازيغية باعتباره “موقفا قصير النظر، ويسمح للتيارات الرجعية الإقليمية أن تتبناها”، مشددا أن “الموقف الوطني والثوري الحق، هو إدماج تلك الخصائص في كنز تراثنا المشترك، وجعل منها قاعدة للنضال الوطني الديمقراطي، ورباطا لتوثيق الوحدة الوطنية”.

فحزب التقدم والاشتراكية له دائما الفضل في الدفاع عن الهوية الأمازيغية فهو يعتبرها عنصرا من التراث الوطني.

فالدفاع عن الثقافة الأمازيغية، بصفتها عنصرا تركيبيا للثقافة الوطنية، والذي يقوم به حزب التقدم والاشتراكية بثبات وتبصر، يعتبر أمرا ضروريا.

وفي هذا الباب بدأت تنشر الأشعار الأمازيغية وشرع الشبان في الاهتمام بالموسيقى الأمازيغية، فالتقدم في هذا الميدان لن يأتي إلا من النقاش، في نطاق روح وطنية متفتحة ومسؤولة، لا بد من الاقتناع بأن ثمة فوارق في تصورات الناس للثقافة الوطنية الشعبية، واختلاف التصورات هذا له جذوره التاريخية الموضوعية، لكن من شأنه أن يغني الحوار الثقافي والفكري بين مكونات الشعب..

فحزب التقدم والاشتراكية دأب على إيلاء المسألة الثقافية والأمازيغية اهتماما خاصا انطلاقا من إيمانه بأن الثقافة والهوية التاريخية هما الوعاء الذي يختزل القيم الروحية والوجدانية للفرد والمجتمع، والهوية الحضارية والتاريخية للأمة، وهما المجال الأرحب لاستيعاب المبادئ النبيلة والأفكار المنشودة والإبداع الحر، والتربية على قيم الحوار والاختلاف والتسامح والديمقراطية والحداثة والتقدم.

فلطالما سعى حزب التقدم والاشتراكية عبر محطاته التاريخية أن يجعل تدريس الأمازيغية في الجامعات والمدارس الوطنية أمرا ضروريا من شأنه أن يساعد تدريجيا على تنمية هذه اللغة وإخراجها من مجال التداول الشفوي إلى مجال الثقافة العالمة، ولعل في ذلك إغناء وإثراء لثقافتنا الوطنية. والقرار الذي اتخذه جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني في شأن تدريس الأمازيغية ينطلق أساسا من هاجس الثقافة الوطنية والوحدة التي لا خوف عليها عكس ما يدعيه المدعون.

* من هنا ننتقل بكم إلى سؤال تنزيل مسألة ترسيم اللغة الأمازيغية على مستوى المنظومة القانونية، أين وصل هذا الملف؟

** بخصوص المنظومة القانونية، فإنها تشكو من فراغ تشريعي مهول، فمن الناحية التشريعية، لحد الساعة، لا يوجد فيها أي تنزيل، لا زال الملف لحدود اليوم في درجه، وأنا أيضا أتساءل من وراء عدم التفعيل ومن له المصلحة في عدم التنزيل الكلي، حيث سبق وقلت في إجابتي عن سؤالك السابق، أن القضية الأمازيغية قضية كبيرة جدا، فهي قضية ملك وشعب، ومن بين أهم القضايا التي يتفاعل معها جلالته بطريقة مباشرة.

أما فيما يخص الترسانة القانونية لحد الآن لا وجود لإضافات تشريعية.

فالحكومة جاءت ببرنامج صندوق خاص للأمازيغية، لكننا للأسف لم نر أي آثار له على أرض الواقع، فأنا هنا أتحدث عن الأمازيغية في جل المجالات الحياتية، لأنني ضد من يقزم هذه الهوية في اللغة فقط. فالأمازيغية هي لغة وثقافة ونمط حياة ومنظومة وهوية متجذرة في تاريخ بلادنا.

فالعديد من القطاعات معنية بموضوع الأمازيغية، ويجب أن يظهر فيها أثر الأمازيغية، حيث نجد المواطنين الأمازيغ في المحاكم اليوم يحتاجون للترجمة لأنهم لا يجيدون قراءة وكتابة اللغة العربية، وهناك فئات عديدة تتعرض للظلم ويحكم عليهم بأحكام مجحفة، ولا يستطيعون التعبير بأريحية عن أفكارهم وعما يخالج صدورهم وعقولهم، لأن لسانهم لا يتقن اللغة العربية، والمختصون في قضاياهم لا يفقهون الأمازيغية…

نأتي أيضا للمجال الطبي، فنجد في المناطق النائية مواطنات ومواطنين يعانون من أمراض معينة لكنهم لا يستطيعون التعبير عن أوجاعهم التي يحسون بها لأنهم يتحدثون ويتواصلون فقط باللغة الأمازيغية، والأطر الطبية، عموما، لا تجيد التحدث بها.

من هذا كله أريد أن أقرب القارئ من المعاناة التي يعيشها المواطن الأمازيغي داخل بلاده، فهناك مجالات تمسه بشكل مباشر حيث بات من الضروري تفعيل الأمازيغية فيها.

فالتعليم على سبيل المثال متوقف من هذه الناحية، رأينا قرار وزير التربية الوطنية الذي أعطى حق اختيار تدريس اللغة الأمازيغية بالنسبة للمدارس الخصوصية.

وحسب علمنا فالمدرسة العمومية مثلها مثل المدرسة الخصوصية، فإذا كانت الدولة تراهن عن ارتقاء هذه الأخيرة وإعطائها مجموعة من الامتيازات، كان من الواجب أيضا أن تفرض عليها تدريس اللغة الأمازيغية.

فمنذ سنة 2003 ونحن نناشد تعميم اللغة الأمازيغية وها نحن اليوم في سنة 2024 ولا يوجد ولو ربع تعميم لها.

فالأساتذة المختصون في الأمازيغية يعانون بشكل كبير داخل المدارس المغربية، نجد أستاذ اللغة الأمازيغية يسد به الخصاص فقط في المواد الأخرى، فلا يتوفر على حجرة خاصة به ولا أدوات للعمل بها واستعمالها أثناء التدريس. بمعنى آخر لا يتوفر على أبسط الحقوق التي من الواجب أن تتوفر في أستاذ يدرس مادة من المواد المبرمجة في السنة الدراسية.

 

نرى الكثير من العناوين الجميلة التي ترفعها مجموعة من الوزارات وتدمج فيها قضية اللغة الأمازيغية، لكننا على أرض الواقع نصطدم بمجموعة من الإشكالات التي يجب حلها. فمنذ مدة توصلت بخبر يخص جامعة مكناس، حيث رفضت هذه الأخيرة ماستر متخصص في الأمازيغية مع العلم أننا نتوفر على أساتذة ذوي كفاءة عالية وقادرين على التطوع لتدريس هذا الماستر، وهناك أيضا منسق متطوع أيضا، بمعنى الظروف مناسبة لإحداث هذا الماستر، وهناك طلبة يريدون التسجيل في هذا التخصص.

فالأمازيغية ليست لغة عقيمة جئنا بها لتلقينها لأشخاص غرباء، وإنما لها آفاق كبيرة في المستقبل، لكن عند رؤية جامعة ترفض تخصصا معينا مرتبطا حصريا بالأمازيغية، فهذا يحز في النفس كثيرا ويسائل تعليمنا العالي ومدى انفتاحه على محيطه السوسيوثقافي.

فالدراسات الأمازيغية التي يتخرج منها آلاف الطلبة سنويا يكون مصيرهم البطالة، وحتى إن حاولوا الالتحاق بقطاع التعليم على سبيل المثال، فعند امتحانهم يمتحنون بلغات أخرى غير لغتهم الأساسية، وهذا بحد ذاته ليس احتراما للتخصص الذي يكدون ويجتهدون فيه.

وهنا يجب القول إن المبادرات في هذا الخصوص لا زالت محتشمة وصداها لا يرضي أصحاب التخصص ولا الحركة الأمازيغية، خصوصا أننا رفعنا السقف كثيرا لاسيما وأن جلالة الملك محمد السادس هو الذي أخذ المبادرة، وقاد الملف بنفسه، فكان من واجب الحكومة وعلينا أيضا كمشرعين أن نبادر ونصر على تفعيل هذه المبادرة التي يقودها ملك البلاد بنفسه. فللأسف الحصيلة التشريعية في مجال الأمازيغية لا تبشر بالخير وهذا جار أيضا في العديد من المجالات الأخرى باستثناء نظام الحماية الاجتماعية الذي له علاقة بالمشاريع الملكية… فحسب رأيي الحصيلة غير مشرفة نهائيا، كنت على أمل أن أضيف للمؤسسة التشريعية شيئا، لكن العراقيل التي نجدها لا تساعدنا نهائيا، وعدم تجاوب الحكومة معنا أمر غير عادل وغير معقول نهائيا. لكننا وبالرغم من هذه التصرفات ندافع عن هويتنا الأمازيغية، وهي لغة حية ولن تموت، إذ ظلت حية منذ قرون وظلت محمية في قلوب الكثيرين حتى أصبحنا نرى اليوم تصالحا هوياتيا جميلا جدا، وتفاعلا لافتا في هذه القضية، حتى الأحزاب السياسية التي كانت ضد القضية الأمازيغية، أصبحت الآن تحتفل برأس السنة الأمازيغية وتطالب بتفعيلها.

*كيف تقيمون اهتمام الدولة بالقضية الأمازيغية على مدى ربع قرن من اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش؟

** سأجيبك كأمازيغية، ودائما كنت أقولها، المملكة المغربية حضارتها تتجاوز 12 قرنا، فهي حضارة عريقة جدا.. والحضارة الأمازيغية أيضا ضاربة في القدم، وكانت قبل الميلاد ودائما كانت قضيتها قضية ملوك، فلا غرابة أن ينصفها جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، حيث كان جريئا وإنسانا متصالحا مع تاريخه، ونحن نعلم أن دمه أمازيغي أيضا ويفتخر جلالته بهويته الأمازيغية والروافد الجميلة التي تكون هذه الرقعة العزيزة على قلوبنا، فجميع المكتسبات التي نحظى بها اليوم كان سببها جلالة الملك محمد السادس، فلا يحق لأحد أن يتبجح أكثر مما فعله الملك محمد السادس للقضية الأمازيغية، لأن إنصافها كلغة وثقافة حاء على يده،  حتى آخر القرارات التي خرج بها الديوان الملكي بجعل رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها كانت قرارات لجلالة الملك محمد السادس.

 الزميلة هاجر العزوزي تحاور القيادية والبرلمانية خديجة أروهال

فالمكونات الأمازيغية بالمغرب دائما تشكر ملك البلاد وتؤكد أنه الحامي الحقيقي للهوية الأمازيغية، في مواجهة العديد ممن حاولوا تشويه هذه الحضارة والركوب عليها، حتى أن هناك من خرج وقال بأن المدافعين عن الأمازيغية إنما هناك قوى خارجية تحركهم، لكن في المقابل جلالة الملك محمد السادس أكد أن القضية الأمازيغية هي قضية وطن، قضية ملك وشعب، وتاريخ عريق.

فأنا من وجهة نظري يجب التمسك والحفاظ على هذه المكتسبات التي تحققت خلال هذا الربع قرن من حكم الملك محمد السادس لكي لا تكون هناك انتكاسات في المستقبل ونعيش تراجعات بهذا الخصوص. فالتاريخ لا يمكن بناؤه من جديد والحضارة أيضا لا يمكن إعادة بنائها، لهذا وجب علينا الحفاظ والدفاع عن المكتسبات التي حصلنا عليها في هذا العهد الجديد.

*هل هناك تطور في قضية إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في المنظومة التربوية الوطنية؟

** وضعية الأمازيغية في حقل التربية والتكوين، مقلقة جدا، وهي وضعية تتسم بالخلل وتكريس الميز في مستويات مختلفة. منها ما يتعلق بتعميم اللغة الأمازيغية ومستويات حضورها في مختلف أوراش الوزارة الوصية ومشاريعها. ومنها ما يتصل بأوضاع الشغيلة التعليمية المشتغلة في مجال تدريس اللغة الأمازيغية وما يطالها من تعسفات وما تتعرض له من مجالس تأديبية.. وذلك ما يعكس التنصل من المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتوصيات اللجان الأممية المعنية بالجوانب ذات الصلة بالأمازيغية. ولعل هذا التنصل من المرجعية الدستورية سيفاقم وضعية اللاعدالة اللغوية والثقافية ببلادنا، في وقت تجلت فيه مؤشرات شتى حول وضعية اللغة الأمازيغية في المجال السوسيولساني كلغة مهددة بالانقراض، وذلك في سياق عالمي يشهد اكتساحا عولميا ومخاطر تهدد لغات الشعوب الأصلية.

وهناك أيضا مسألة تهميش بل تغييب اللغة الأمازيغية في مشروع مدارس الريادة وفي المصوغات والعدة التكوينية المتعلقة بالدعم وفق المستوى المناسب وكراسات الأنشطة التعليمية التعلمية المعتمدة في مدارس الريادة. وإذا كانت الوزارة الوصية تعتبر مشروعها جاء لتحسين جودة التعليم بالمؤسسات العمومية والنهوض بها، فإن تغييب الأمازيغية في هذا المشروع لا يستقيم ولا ينسجم مع الهدفية التربوية العليا، بحيث سيفوت على الأمازيغية إمكانية استفادتها من مختلف إجراءات تطوير فعالية اللغات في المدرسة المغربية وحرمانها من حقها في ذلك بوصفها لغة رسمية للبلاد. أضف إلى ذلك  حرمان أساتذة وأستاذات مادة اللغة الأمازيغية من الاستفادة من الموارد الرقمية ومن حضور الأمازيغية في أوراش التكوين إسوة بزملائهم وزميلاتهم في المدرسة المغربية.

* ماذا عن موقع اللغة والثقافة الأمازيغيتين في الإعلام العمومي اليوم؟

** هذه معضلة كبيرة جدا، وسبق وتحدثت عنها، حيث يعرف هذا المجال انتكاسة كبيرة، ولا يعرف تطورا.

كلنا نعرف أن حصة 30 بالمائة من دفاتر تحملات القنوات التلفزيونية العمومية يجب أن تعطى ككوطا للأمازيغية، ولكن للأسف ما نراه على أرض الواقع أن لا أحد يحترم هذه الكوطا المبرمجة ولا أحد يعمل بها إطلاقا. فعلى سبيل المثال ودون ذكر أسماء القنوات، نجد سهرات تبث في قناة معينة، وينادون على فنان أمازيغي ليغني بالسهرة المذاعة على القناة، ليبرروا أنهم احترموا الكوطا المخصصة للأمازيغية والمتعارف عليها في القنوات التلفزية.

ونجد أيضا فكرة مرسخة في أذهان العديد من الأشخاص، عند دفاعك عن الإعلام الأمازيغي يجيبك أنكم تمتلكون قناة خاصة بكم تستفيدون منها، لا يعلم أنه بهذا القول يقوم بعزل الهوية الأمازيغية عن الهوية المغربية وكأن الأمازيغ ليس لهم الحق في مشاهدة القنوات التي تبث برامج باللغة العربية والعكس صحيح.

 النائبة-خديجة-أروهال

فكلنا نعرف أن الإمكانيات المادية واللوجستيكية للقناة الأمازيغية لا تقارن نهائيا بالقنوات الأخرى. حتى الإنتاج الداخلي قليل جدا، وهذا ما جعلني دائما أقول ما هو دور الصندوق الذي أعطي لتفعيل القنوات الأمازيغية والسير بها نحو الأفضل وإعطاء الحق للتعليم والثقافة وجميع القطاعات المرتبطة بالأمازيغية. فلو تم تحريك وتفعيل صندوق الأمازيغية الذي تحدثت عنه الحكومة، ولو اشتغلت هذه الحكومة على المجالات المتعلقة بهذه القضية وحاولت السير في هذا الموضوع بشكل أفضل، فبكل تأكيد سيعرف المجال الإعلامي والثقافي تطورا كبيرا، لكن للأسف يظل هذا الكلام حبرا على ورق.

وفي هذا السياق يجدر التذكير بأنه في أثناء تدبير حزب التقدم والاشتراكية لشؤون الاتصال والإعلام، على مدى ولايتين حكوميتين متتاليتين، تم إدراج الأمازيغية للمرة الأولى في دفتر تحملات القطب العمومي، وكذا وضع اللبنات الأساسية لإرساء قناة الأمازيغية، وتم إعطاء الانطلاقة الفعلية لهذه القناة، مع الحرص، بعد ضمان الحضور الأساسي للإعلام السمعي البصري ذي التعبير الأمازيغي، على مواصلة العمل من أجل تعزيز هذا الحضور في المحطات والقنوات العمومية المتوفرة، وتجويد منتوجه أكثر فأكثر.

 فالطفرة التي عرفتها هذه الحقبة لم يستطع الإعلام الحالي لحد الآن ولا سيما التلفزة المغربية بقناتيها، أن يعكس حقيقة المغرب الثقافية بمكوناتها المتنوعة، وذلك لغياب تصور إعلامي وطني يراعي الشخصية المغربية في تميزها وخصوصيتها، ويراعي مبدأ التعدد السياسي والثقافي واللغوي، نتج عن هذه الوضعية تهميش فظيع للغة الأمازيغية.

* ما موقع الأمازيغية في حصيلة الحكومة المغربية بعد سنتين ونصف من ولايتها؟

 ** بخصوص تقييمي الشخصي فلا حصيلة تذكر، فالمكتسبات التي تحققت كان السبب فيها جلالة الملك محمد السادس، أما الحكومة فلم تبذل أي مجهود تشكر عليه في هذا الباب، وهذا ينطبق على جميع المجالات المتعلقة بالثقافة واللغة الأمازيغية.

فصندوق الأمازيغية لم يفعل بعد، أما فيما يخص التعليم لا جديد فيه، بل العكس تماما هناك انتكاسات يعاني منها جل الأساتذة الذين يدرسون الأمازيغية، وبخصوص الإعلام سبق وقلت لا اجتهاد يذكر فيه فدعم القناة الأمازيغية هزيل جدا، أما المجال الثقافي فالحديث عنه يطول، والمهرجانات الأمازيغية عموما لا تستفيد من الدعم العمومي ولا تأخذ سوى الفتات منه، في المقابل هناك مهرجانات تستفيد بشكل كبير من المال العام.

لهذا نطالب بالعدالة المجالية ويجب الالتفاف الحقيقي حول هذه القضية لأنها ليست قضية تكميلية بل هي قضية وطن وهوية وطن، فهي المكون الأساسي للمملكة ونبضها، هي الروافد التي تأتي من كل شبر من المملكة وهي المياه التي تحيي أصولها وتاريخها.

فأنا أقول إن الحصيلة الحكومية، في المسألة الأمازيغية، لا تشرف نهائيا وأتحمل مسؤولية ما أقول، فللأسف الحكومة باعت الوهم للمواطنين  حين التجأت إلى رفع السقف بتقديم وعود واهية واستعملت ملف الأمازيغية كورقة في البرنامج الحكومي، وفي المزايدات السياسية فقط، لكن الواقع أظهر العكس تماما، وللأسف هذا لا ينطبق على قضية الأمازيغية فحسب، وليست وحدها من تعاني من الشعارات الحكومية الواهية، بل جل المجالات والقطاعات لا نرى أي تفعيل فيها على أرض الواقع.

* حاورتها: هاجر العزوزي

* تصوير: رضوان موسى

Top